لماذا لجأت أوكرانيا إلى “الإجلاء الإجباري” لسكان دونيتسك؟
فرضت تطورات الحرب المستعرة في منطقة دونيتسك بإقليم دونباس شرق أوكرانيا وتداعياتها -على ما يبدو- على السلطات في كييف الإعلان عن “إجلاء إجباري” لسكان الأجزاء الخاضعة للسيطرة الأوكرانية في المنطقة.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي -السبت الماضي- إن حكومته أمرت بالإجلاء الإلزامي للسكان في منطقة دونيتسك، وإن مئات الآلاف من الأشخاص الذين ما زالوا في مناطق القتال بإقليم دونباس الأكبر -الذي يضم دونيتسك بالإضافة إلى منطقة لوغانسك المجاورة- عليهم المغادرة.
ويدور الحديث هنا عن نحو 200 إلى 220 ألف نسمة، بينهم 53 ألف طفل، بحسب ما أعلنت إيرينا فيريشوك نائبة رئيس الوزراء المكلفة بشؤون الاندماج والمناطق المحتلة. والسبب المعلن بحسب السلطات هو “عدم القدرة على توفير أي من الاحتياجات الأساسية للسكان مع حلول فصل الشتاء القادم، من غاز التدفئة والكهرباء”.
وقد يكون هذا السبب منطقيا للغاية، ولا سيما أن الأيام القليلة الماضية شهدت سيطرة الروس على محطة “فولهيرسكا” للطاقة، التي كانت تعتبر واحدة من أكبر المحطات الأوكرانية.
أسباب أمنية
لكن أسبابا أمنية لا تقلّ أهمية تقف وراء إعلان كييف ودعواتها، فالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يصف الوضع هناك بـ”الجحيم الحقيقي”. وبحسب كثيرين، فإن المنطقة مرشحة لتصعيد غير مسبوق ومصير مشابه لمصير مدن أصبحت أنقاضا.
ويقول المحلل العسكري فلاديسلاف فيتكو -للجزيرة نت- “لن يكون الوضع على الروس سهلا في دونيتسك، بغض النظر عن حقيقة أنهم يطوقون نحو 50% من أراضيها الخاضعة لسيطرة أوكرانيا”.
وتابع “معطيات الحرب تغيرت، وأوكرانيا توجه للروس ضربات مؤلمة على مختلف الجبهات، باستهداف مراكز القيادة ومستودعات الذخيرة ومواقع تجمع القوات، لذا نجد أنهم يتقدمون ببطء شديد. وعمليا، على مدى الأسابيع الماضية التي تلت سيطرتهم على منطقة لوغانسك، لم يتقدموا شيئا يذكر في دونيتسك”.
وتابع “لوغانسك كانت أسهل عليهم، لأن 20% من أراضيها فقط كانت تحت السيطرة الأوكرانية. ومع ذلك، لجؤوا إلى اتباع سياسة الأرض المحروقة في مدينة سيفيرودونيتسك، والخشية أن يكرروا ذات السيناريو في تجمعات دونيتسك السكنية للتقدم”.
وأشار في هذا الصدد أيضا إلى أن “فشل الروس بالسيطرة على ماريوبول دفعهم لسحقها بالقصف بعد عدة أسابيع من القتال، مع أنهم -عمليا- كانوا يقاتلون كتيبة واحدة فيها (آزوف)؛ لكن الوضع في باقي أرجاء دونيتسك مختلف، والواقع يقول إن معظم قوات أوكرانيا المستعدة للحرب تتواجد فيها منذ 2014”.
وتوقع الخبير أن تشهد دونيتسك قريبا معارك شرسة تحت غطاء قصف مدفعي تتفوق فيه روسيا، قائلا “لن تتوانى روسيا عن سحق المدن المستعصية عليها (باخموت، وكراماتورسك، وسلافيانسك، وأفدييفكا وغيرها)، ومعظم الضحايا عندئذ سيكونون من المدنيين، لذلك يجب تجنب الانتظار أكثر”.
مؤيدون ورافضون
أما على المستوى الشعبي، فتتباين ردود أفعال السكان النازحين عن تلك المناطق والباقين فيها، بين مؤيد ومعارض لفكرة الإجلاء، ولأسباب مختلفة.
ففي كييف، التي تجاوز فيها عدد النازحين عن مناطق الشرق حاجز 100 ألف نسمة مع نهاية يوليو/تموز، تحدثت الجزيرة نت إلى سائق سيارة الأجرة أوليكسي الذي نزح قبل أشهر من مدينة كراماتورسك، فقال “أنا أؤيد فرض الإجلاء، فالبقاء يتحول مع مرور الأيام إلى مشروع انتحار. الجميع يتوقعون تحول دونيتسك إلى مرجل”.
وأضاف “خرجت مع زوجتي وأطفالي، لكن والدي رفض، مصرّا على البقاء في بيته خارج المدينة. وهذا حال كثيرين من كبار السن هناك”.
وفي ذات السياق، تقول إيرينا تيريشينكو الناشطة في مجموعة “أجنحة الخير” الإغاثية التطوعية بمناطق الشرق -في اتصال هاتفي مع الجزيرة نت- “كبار السن يشكلون نحو 50% من الباقين. نحاول إقناعهم بالنزوح بغض النظر عن الوجهة، لكنهم يرفضون غالبا”.
وأشارت إلى أن “بعضهم لا يهتم بمن سيحكم مناطقهم في النهاية، وكثير منهم يقولون إن الموت في المنازل أهون من تركها، ومن أن يصبحوا نازحين أو لاجئين في مناطق ودول أخرى”.