مدارس القدس.. بين مطرقة التهويد وسندان العجز
طمْسُ الحالة الثقافية والحضارة العربية والإسلامية بالقدس المحتل يجري على قدم وساق من احتلال صهيوني جاء بعدوان قبل سبعة عقود يقوم على مبدأ الإحلال وتهويد المعالم الفلسطينية بالكامل.
فبل خمس سنوات، أعلن الاحتلال خطة لـ “أسرلة التعليم” وتحويل آلاف الطلبة المقدسيين ليدرسوا المنهاج الإسرائيلي حتى عام 2022م، والآن يبدو أن الخطة نُفِّذت بحذافيرها.
سحب التراخيص من المدارس الفلسطينية، محاولة التدخل السافر في مناهجها التعليمية، الحرمان من التمويل، وترك الفصول مكتظة بحالة لا تصلح للخدمة التعليمية.
خطة أسرلة المؤسسات والمدارس الفلسطينية من شأنها أسرلة التعليم الفلسطيني في القدس المحتلة عبر تفريغ البلدة القديمة من مدارسها والسيطرة على مبانيها التاريخية وتحويلها إلى منطقة دينية سياحية.
تهويد ممنهج
لا أحد ينسى حديث رئيس بلدية القدس السابق “نير بيركات” الذي قال إن “إسرائيل تقود ثورة في التعليم بشرقي القدس لدمج العرب في المجتمع الإسرائيلي”.
يؤكد د. غسان وشاح، أستاذ التاريخ والحضارة في الجامعة الإسلامية، أن عدوان الاحتلال يشتد مؤخراً في القدس المحتلة، ومنها عدوانه على الحضارة العربية والإسلامية.
ويضيف، “الهجمة شديدة الآن على الوجود الفلسطيني بالقدس ومحاولة طمسه لمصلحة المشروع الصهيوني بفلسطين منذ عام 1948م، وهم يركزون على طمس الحركة العلمية والثقافية الفلسطينية”.
وتصدر سلطات الاحتلال باستمرار قوانين تخدم سياسة تهويد القدس المحتلة، وهم منذ سنوات يستبدلون أسماء وعناوين عربية وفلسطينية في مرافق وشوارع القدس، بمسميات وعناوين صهيونية.
ما يجري بحق مدارس القدس المحتلة لا يجري عبثاً بدافع العدوان فقط، فهو يمضي وفق خطة ممنهجة للتضييق على المدارس التي تعلم المنهاج الفلسطيني والعربي لأصحاب الحق التاريخي في القدس.
ويقول سهيل خليلية المختص في شؤون الاستيطان بمعهد “أريج” إن التضييق على مدارس القدس يجري بتوجيهات أمنية وحكومية إسرائيلية لإحكام السيطرة على المشهد التعليمي والعلمي بالقدس.
ويتابع، “بلدية القدس ودائرة المعارف الإسرائيلية تشارك في الصراع بالقدس، وتحرم مدارسها العربية من التمويل والموازنات، وتتركها بحالة مزرية”.
ويحاول الاحتلال إدخال المنهاج الإسرائيلي إلى مدارس القدس بالكامل وبعض مناطق الضفة المحتلة بالتعديل، وفق مصالحه التعليمية والسياسية لإبراز الرواية الإسرائيلية المزورة.
ويواصل الاحتلال إغلاق المدارس الخاصة التي ترفض تدريس المنهاج الإسرائيلي، وإغلاق رياض الأطفال بالبلدة القديمة وتحويل أطفالها إلى لرياض بلدية الاحتلال.
الحرمان من التعليم
الاحتلال والاستعمار دينه واحد في التعامل مع ثقافة وحضارة الشعوب المحتلة فهو يضع حزمة من العصي في الدواليب لإعاقة صموده محتجاً بذرائع عدم الالتزام بالقوانين.
وينال مخطط تهويد المدارس 6 مدارس لـ “الأونروا” بها 1800 طالب، ونصفها في مخيم شعفاط شمال القدس المحتلة وهو مخيم لاجئين يسعى الاحتلال لتحويله إلى ضاحية تتبع بلديته ووقف الاعتراف به كمخيم يتبع “الأونروا”.
يقول د. وشاح إن دائرة المعارف الإسرائيلية تضع شروطا مستحيلة أمام حصول المدارس الفلسطينية على ترخيص للعمل، وتفرض ضرائب وغرامات لتقليص عملها وإنهاء وجودها.
ويتابع: دائرة المعارف الإسرائيلية تفرض منهاج الفكر الصهيوني لإخراج جيل مشوّه ثقافيًّا لا يعرف حقيقة الصراع، ولا يدافع عن حقوقه، ومعلوم أن سيطرة أي احتلال على الشعب من جهة ثقافية يوفر للاحتلال سيطرة كاملة”.
منذ ولج الاستعمار للعالم العربي والإسلامي قبل أكثر من 100 عام تتكرر مخططات الاستعمار في تحريف مناهج التعليم، وقد جرى ذلك في زمن الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882م، ومن بعد احتلال فرنسا للجزائر وهكذا.
ويشير د. وشاح، أن الفلسطيني بالقدس المحتلة يحاول التصدي للعدوان على خدمة التعليم، ويقاوم للحفاظ على هوية تلك المدارس والمؤسسات التعليمية في الأقصى لكن مقاومته بحاجة لدعم عربي شامل ودعم المجتمع الدولي.
ويتبع عدد من مدارس القدس المحتلة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة الممثلة بدائرة المعارف الإسرائيلية وجزء آخر لا يتبع لها، لذا تحاول “إسرائيل” التغوّل على تلك المدارس وتزيد في معاناتها.
ويؤكد المختص خليلية، أن سحب التراخيص وتضييق الخطوات القانونية لمواصلة المدارس تقديم خدمة التعليم الفلسطينية يترك آثارا ونتائج قد لا تظهر بوضوح الآن، لكنها بعيدة الأمد، ونتائجها سلبية على الفلسطيني بالقدس.
ويعد العدوان على مؤسسات القدس التعليمية أحد أبرز حلقات الصراع في السنوات الخمس الأخيرة التي يحاول الاحتلال من خلالها إكمال مشهد الحياة اليومية لصالحه.