MEE: مصر أبرمت اتفاقا سريا مع أوروبا.. الصمت مقابل السلاح
كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، أن سلطات الانقلاب العسكري في مصر أبرمت اتفاقا سريا مع الاتحاد الأوروبي ينص على “الصمت مقابل السلاح”.
وقال الموقع في تقرير صوتي، إنه حصل على مذكرة داخلية من وزارة الخارجية المصرية، تظهر قلق الدبلوماسيين المصريين بسبب الانتقادات التي توجه إلى مصر داخل الأمم المتحدة، وبشكل أساسي من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وأوصت المذكرة، التي حررها موظفون في وزارة الخارجية، ووقع عليها الوزير سامح شكري، بشراء الأسلحة من أوروبا مقابل الصمت عن الانتقادات قائلة: “لا يوجد اهتمام مباشر يحفز الاتحاد الأوروبي على التعاون مع مصر مثل عقود التسليح التي تصل قيمتها إلى عشرات المليارات”.
وأشار الموقع إلى صفقات التسليح المليارية التي أبرمتها الحكومة المصرية منذ استيلاء رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي على الحكم، خاصة مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا.
وفيما يلي نص التقرير:
منذ أن استولى على السلطة في 2013، سعت الدكتاتورية العسكرية في مصر إلى إبرام اتفاق فريد وغير رسمي مع الزعماء الأوروبيين، ينص على أنهم إذا وفروا لها الحماية من النقد الموجه إلى سجلها في حقوق الإنسان، فسوف تستمر في شراء الأسلحة منهم.
منذ 2011، بدأت الحكومة المصرية في زيادة مستورداتها من الأسلحة. كانت الولايات المتحدة تقليدياً هي المورد الأساسي لأسلحتها، التي وفرت على مدى عقود ما قيمته مليارات الدولارات من المساعدات للبلد ولجيشه. ولكن على مدى العقد الماضي، بدأ ذلك الوضع في التغير، حيث أخذت مصر تركز اهتمامها على جيرانها في أوروبا.
تسلط مذكرة داخلية من وزارة الخارجية المصرية، حصل عليها موقع ميدل إيست آي، الضوء على الأسباب التي أدت إلى ذلك، حيث يقول الدبلوماسيون فيها إنهم قلقون بسبب الانتقادات التي توجه إلى مصر داخل الأمم المتحدة، وبشكل أساسي من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، الذين رأوا في تصريحاتهم حول انتهاكات حقوق الإنسان في مصر أداة للضغط عليها لإجبارها على تغيير سياستها. وتقول إنه لا يوجد اهتمام مباشر يحفز الاتحاد الأوروبي على التعاون مع مصر مثل عقود التسليح التي تصل قيمتها إلى عشرات المليارات ، والاتفاقيات على استضافة مئات الآلاف من اللاجئين الأجانب، والدور العسكري أو الأمني للتعامل مع أزمات محددة.
تحمل المذكرة تاريخ الثامن والعشرين من مايو 2017، وحررها موظفون تابعون لوزير الخارجية آنذاك سامح شكري، الذي أضاف ملاحظات بخط يده إلى الوثيقة، ثم وقع عليها. يمكن رؤية هذه المقاربة تنعكس على مستوردات مصر على مدى العقد الماضي. ولا أدل على ذلك من تعزيز الشراكة الأمنية بين مصر وفرنسا. وفي الحقيقة، تتجاوز فرنسا الآن الولايات المتحدة باعتبارها ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى مصر بعد روسيا. ما بين 2010 و 2019 استوردت مصر ما تزيد قيمته على 7.5 مليار يورو من المعدات العسكرية من فرنسا، بما في ذلك صفقة أبرمت في عام 2015 لشراء 24 طائرة هجومية من طراز رافائيل. وفي ديسمبر 2020، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون أنه ما عاد يشترط ارتباط تصدير السلاح إلى مصر بقضية حقوق الإنسان؛ لأنه لم يرد إضعاف قدرتها على مواجهة التطرف في المنطقة.
قال ماكرون حينها: “لن أجعل التعاون الاقتصادي والعسكري مشروطاً على تلك الخلافات بشأن حقوق الإنسان. بل الأكثر فاعلية هو وجود سياسة تتطلب الحوار بدلاً من المقاطعة، التي لا تؤدي إلا إلى خفض فعالية أحد شركائها في الحرب ضد الإرهاب وتقوض الاستقرار الإقليمي”. تبع ذلك إبرام صفقة بقيمة 4 مليارات يورو في شهر مايو من عام 2021، حينما حصلت مصر على ثلاثين طائرة مقاتلة جديدة أخرى.
كما ارتفعت مبيعات الأسلحة الألمانية إلى مصر كذلك بنسبة 205 بالمئة منذ 2013، وذلك بحسب تحليل أعده معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط. قبل بضعة أيام من مغادرتها لمنصبها، وافقت المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركيل على صفقة سلاح مع مصر بقيمة 5 مليار يورو، وهي تشكل معظم صادرات ألمانيا العسكرية في 2021.
في عام 2020، وقعت مصر صفقة بقيمة 10 مليار يورو مع إيطاليا اشتملت على شراء 6 سفن عسكرية و 24 طائرة تدريب من طراز M-346، و 24 طائرة مقاتلة من طراز تايفون، و20 قاربا حاملا للصواريخ من طراز Falaj II OPV، بالإضافة إلى ستلايات عسكري صناعي.
أما إسبانيا، فصدرت ما تزيد قيمته على 50 مليون يورو من الأسلحة إلى مصر منذ عام 2012، وتم إقرار 46 رخصة لتصدير الأسلحة بما قيمته 93 مليون يورو إضافية. ثم في فبراير من عام 2014، رفضت لجنة الدفاع في البرلمان الإسباني طلباً تقدم به الحزب الجمهوري اليساري في كاتلان لتعليق صفقات السلاح مع مصر؛ بسبب انتهاك الحكومة المصرية لحقوق الإنسان. رفض حزب الملتقى والاتحاد الطلب المقدم قائلاً إن العلاقات مع مصر يجب أن تبقى كما هي؛ لأن التغييرات في السياسة الخارجية لا ينبغي أن تجري هكذا بشكل مفاجئ ودون تفكير. وفي عام 2021، وقعت شركة الصناعات الإسبانية “إسكابانو” على اتفاقية تعاون يتم بموجبها تزويد مصر أنظمة للتحكم عن بعد، بحرية وبرية.
كما زودت بريطانيا مصر بتشكيلة من المعدات العسكرية، تقول جماعات حقوق الإنسان إنها تستخدم من قبل جيش البلاد لقمع وقهر المواطنين. تشتمل هذه المعدات على بنادق آلية، وطائرات عمودية عسكرية، وقطع غيار لعربات هجومية. تعتبر إدارة الصادرات الدفاعية والأمنية البريطانية مصر سوقاً مهماً، ولقد قام عدد من رؤساء الوزراء ووزراء التجارة البريطانيين بحضور أو استضافة عدد من اللقاءات على مستوى رفيع مع كبار المسؤولين المصريين خلال العقد الماضي. وما بين 2013 و2020، وقعت بريطانيا على 229 رخصة، وصدرت ما تزيد قيمته على 232 مليون يورو من المعدات العسكرية إلى مصر.
منذ عام 2013، يخضع سجل مصر في حقوق الإنسان لمتابعة حثيثة. فأثناء الاستيلاء العسكري على الحكم في البلاد في يوليو/ تموز وفي أغسطس/ آب 2013، قتل ما يزيد على ألف متظاهر على أيدي قوات الأمن، فيما وصف بأكبر مذبحة في تاريخ مصر الحديث. ولقد اعتقلت الحكومة في عهد الجنرال السابق والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي ما يزيد على 60 ألف سجين سياسي، بما في ذلك صحفيون ونشطاء وشخصيات سياسية. كثير من هؤلاء يتم اعتقالهم بلا محاكمة، ويظلون محتجزين إلى الأبد في ظروف تقول جماعات حقوق الإنسان إنها ترقى إلى التعذيب، في انتهاك سافر للنظام القانوني المصري ذاته. كما شهدت مصر ارتفاعاً غير مسبوق في الإعدامات، حتى غدت ثالث أكثر دولة تمارس الإعدام في العالم بعد الصين وإيران. ومنذ عام 2020، وصفت لجنة حماية الصحفيين مصر بأنها ثالث أسوأ ساجن للصحفيين في العالم.
في شهر أغسطس/ آب 2013، علق مجلس العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي لوقت قصير رخص تصدير السلاح إلى مصر. حينها وصف المجلس إجراءات القمع التي مارستها قوات الأمن في ميدان رابعة بغير المتكافئة. في ذلك الوقت، وافقت دول الاتحاد الأوروبي، بما فيها بريطانيا آنذاك، على وقف مبيعات أي معدات قد تستخدم لغايات القمع الداخلي، ووعدت بإعادة تقييم شراكاتها الأمنية مع الحكومة في مصر. إلا أن اتفاق المجلس كانت تنقصه الإجراءات التنظيمية، ولذلك لم يكن ملزماً، وإنما مجرد تعهد سياسي من قبل الأعضاء. ونتيجة لذلك لم تلبث معظم تلك القيود أن رفعت بعد وقت قصير.
وفي فبراير/ شباط من عام 2022، وقع ما يقرب من 200 سياسي أوروبي على خطاب يطالب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإنشاء آلية للرصد والتبليغ حول أزمة حقوق الإنسان في مصر. وحث الخطاب المجلس على اتخاذ إجراء حاسم قبل موعد انعقاد جلسته القادمة في مارس/ آذار. إلا أن الحكومات الأوروبية نفسها ظلت بشكل عام صامتة. وبينما تستمر مبيعات الأسلحة وتزداد أحجامها، تستمر هذه الحكومات في اعتبار أن مصلحتها تتطلب حماية قادة مصر العسكريين من أي نقد.