التربية الجنسية بين الكبت والانفتاح ووسطية الإسلام
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
مما لا شك فيه أن من أهم مميزات الإسلام أنه دين الوسطية والاعتدال، فلا غلو فيه ولا تفريط، ولا كبت ولا انفتاح، وقد لمسنا هذه الميزة في العديد من القضايا والمحاور التي طالما كانت مثار جدل في المجتمعات، ومن إحدى هذه القضايا الجدلية قضية التربية الجنسية التي باتت تؤرق مضاجع العديد من أبناء أمتنا الإسلامية الذين وقعوا بين مطرقة تفريط وانحلال الغرب في التعامل مع هذه القضية وسندان إفراط وغلو بعض دعاة الكبت وعدم الخوض في هذه المسألة نظرًا لحساسيتها وأن الخوض في هذه القضية ما هو إلا خدش بل قتل للحياء المتبقي فينا!!
وقد عايشنا هذا الجدل قبل أيام مضت، عندما تمّ الإعلان عن نية إدخال دروس في التربية الجنسية في مدارسنا في السنة الدراسية المقبلة. لذلك وبما أنّ الله تعالى أنعم علينا بنعمة الإسلام، ونحن نعلم أن الإسلام لم يترك شاردة ولا واردة إلا تطرق إليها وعالجها واعتنى بها، فنجد أن الإسلام لم يترك قضية مهمة كقضية التربية الجنسية دون الاهتمام بها ووضع ضوابط وأطر وقواعد ليسير عليها أبناء الأمة الإسلامية.
لذلك يعتبر الإسلام المنبع الصافي والوحيد القادر على تزويد الفرد بالمعلومات والقواعد التي تمكنه من التعامل مع قضية التربية الجنسية تعاملًا آمنًا يحقق إشباع الحاجة الجنسية المنضبطة دون الدخول في متاهات الانحلال والانحراف التي يعاني منها الغرب ويروّج لها تحت ذريعة الحرية الشخصية والحرية الجندرية للفرد، حيث هنالك في الغرب يتمُّ تعليم التربية الجنسية بطريقة منافية للأخلاق والفطرة، إذ بلغ بهم الأمر أن يعلموا الجنس للأطفال الصغار، وأنّ هذا الأمر يعتبر حرية شخصية ويحث الأطفال ويعلمهم أساليب منع الحمل وضرورة استخدام الواقي، لا بل يضعون محطات لتوفير الواقي في الأمكنة العامة في دول أوروبا، وبذلك يشجعون على ممارسة الزنا شريطة الحذر من انتشار الأمراض الجنسية وانتقالها، فأصبح الشغل الشاغل للشباب في الغرب الجنس والعلاقات الإباحية المحرمة ومشاهدة الأفلام الداعرة التي انتشرت هناك وبكثرة كانتشار النار في الهشيم تحت مسمى “الفن” وأنه رسالة في التوجيه!!! مع العلم أن هذا “الفن الساقط” ما هو إلا رسالة لتعليم الفسق والفجور وإشاعة الفاحشة.
ولكن الله لهم بالمرصاد، فانتشرت بسبب هذه التربية الغربية المنفلتة من كل عقال الأمراض الجنسية مثل، الإيدز والسيدا وغيرهما، وانتشر أبناء الزنا مما أدى إلى اختلاط الأنساب وانتشار الإجهاض الآمن الذي تم تقنينه في أغلب دول الغرب مما أدى إلى قتل ملايين الأجنة سنويًا، وتم الاعتراف بالمنحرفين جنسيًا ممن يمارسون فاحشة قوم لوط والسحاقيات.
وفي ظل هذا الطوفان الجنسي الذي بات يهدد أبناءنا وشبابنا لا سيما في ظل ثورة التقنيات والانتشار الواسع لمنصات السوشيال ميديا على اختلاف مسمياتها، والتي تروّج لهذا الأمر وتغذي شبابنا بالمعلومات الخاطئة والمحرمة في هذا الموضوع، كان لا بد من التطرق لهذه القضية والبحث فيها من منظورنا الإسلامي. وكما ذكرت آنفا، فإن الإسلام اعتنى بهذه القضية وغطى كافة الجوانب المتعلقة بها.
وكعادة الإسلام فقد كان سباقًا في معالجة هذه القضية، وعلى الرغم من أن الإسلام جاء على بيئة منغلقة تحكمها الأعراف القبلية، وثقافة العيب فقد كان التكتم على هذه القضية سيد الموقف. إلا أن الإسلام تكلم عن التربية الجنسية بالموازاة مع جميع الأمور الحيوية والقضايا التي جاء الإسلام لمعالجتها والتوجيه بكيفية التعامل معها للوصول إلى المجتمع المسلم.
وأول ما تحدث به الإسلام بخصوص هذه القضية، ما حدث مع نبي الله يوسف عليه السلام وامرأة العزيز، وبين لنا أن الزنا حرام ومرفوض رفضًا قاطعًا في الإسلام، كما ذكر لنا قصة قوم لوط وإتيانهم الفاحشة، وبين لنا أن الشذوذ والخروج عن الفطرة أمر محرم قطعيًا ومرفوض كذلك، وبين لنا القرآن الكريم في سياق آياته أن هنالك نظرة حرام قد تؤدي بصاحبها إلى الهلاك. وبين لنا القرآن الكريم كذلك من خلال آياته قضية المعاشرة بين الزوجين في سورة البقرة: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ…). وقضية الحيض: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ…). ومن الأمور التي تتعلق أيضا بالتربية الجنسية وتحدث عنها القرآن الكريم كذلك مسألة الاستئذان في قوله تعالى: (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ..)، فمن خلال هذه الآية نتعلم معنى الخصوصية وأدب الاستئذان حتى لا نرى ما لا يُراد لنا رؤيته.
وهنالك العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تناولت قضية التربية الجنسية، بدءًا من تعليم الأبناء الطهارة والوضوء والتفريق بينهم بالمضاجع، إلى الحديث المتعلق بالشاب الذي أتى يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأذن له بالزنا، وقد علّمنا الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال هذا الحديث أن نتفهم الشباب وحاجتهم الجنسية، ولكن من خلال توجيههم التوجيه الصحيح. وقد سمعنا كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يُوّبخ ذلك الشاب أو ُيكفره، بل قال له بكل هدوء: أترضى ذلك لأمك أو أختك أو زوجتك ؟ فأجابه الشاب بالتأكيد لا، عندها قال له النبي فكيف ترضاه لبنات الناس؟! ودعا له بالهداية وأغلبنا قد سمع عن المرأة الأنصارية التي جاءت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم في أدق تفاصيل العلاقة الزوجية وعن المحيض والتطهر منه حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من التفقه بالدين، هذا ومن الجدير بالذكر أنه قد تم إحصاء أكثر من 2700 مسألة جنسية موجودة في كتب الفقه الإسلامي القديمة مما يدل أنه لم يكن هنالك أي حرج في التحدث بمثل هذه المسائل.
لذلك وبما أن وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية قررت تخصيص دروس في التربية الجنسية لأبنائنا في المدارس، وأنا أعلم أن هذا مطلب حق يراد به باطل، إذ قرأنا بعض النصوص المزمع تعليمها لأبنائنا والتي تتكلم عن تقبل الآخر مهما كانت هويته الجنسية، وأن من حق أي فرد اختيار هويته الجنسية التي تلائمه، وغيرها من المفاهيم التي ستؤول في نهاية المطاف إلى التعايش وتقبل مجتمع المنحرفين والشواذ! لذلك فإنني أتوجه من خلال هذا المنبر إلى كل صاحب ضمير حي مهما كان موقعه ان نتكاتف جميعًا ونشكل لجنة تضم مجموعة من مشايخنا ودعاتنا وأطباء نفسيين ومعلمين ثقات، بوضع منهاج في التربية الجنسية يتوافق مع تعاليم ديننا وعاداتنا وملاءمتها مع جميع المراحل العمرية لأبنائنا، ويتم إدراجه كمنهج تعليمي تثقيفي لهم في المدارس، والمساجد، والأسر، ونفتح قنوات حوارية مع الشباب عن هذه الأمور تحت مظلة الثقافة الجنسية الإسلامية حتى لا يضطروا إلى البحث عن أجوبة تتعلق بهذه القضية عند الغرب المنحل ويدخلوا في متاهات لا مخرج منها والعياذ بالله.