لماذا يستهدف الأردن إحدى أكبر جمعيات القرآن بالوطن العربي؟
تواصل الحكومة الأردنية تضييقها على أحد أكبر الجمعيات القرآنية في الوطن العربي، عبر عدة حملات أفضت إلى توقيف الدورات الشرعية، وإيقاف عشرات المراكز، وإغلاق أخرى، ووقف نشاط عشرات أندية الأطفال القرآنية، وفق إدارة جمعية المحافظة على القرآن الكريم.
وأثارت هذه الإجراءات بحق جمعية المحافظة تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراءها، وتداعياتها على سير عمل الجمعية ونشاطها الإسلامي في الأردن، ولماذا يتم استهداف جمعية تضم أكثر من ألف مركز في جميع محافظات المملكة؟ وهل يأتي ذلك في سياق السعي الرسمي لإضعاف الحركة الإسلامية في البلاد؟ وهل للموضوع امتدادات خارجية؟
رئيس جمعية المحافظة، النائب الأسبق نضال العبادي، قال؛ إن النتائج المترتبة على إجراءات الوزارة “مرعبة”، و”تستحق الانتباه والاهتمام والمعالجة الفورية من كل محبي الخير لهذا الوطن”، وفق تعبيره.
وأضاف في منشور على صفحته الرسمية في موقع “فيسبوك” الخميس، أن النتائج المترتبة على وقف نشاط 68 مركزا، وإغلاق خمسة مراكز، وعدم الرد على توفيق أوضاع 663 مركزا، أظهرت أن 22 ألف مواطن، معظمهم من الأطفال، سيُحرمون من الاستفادة من برامج ومشاريع تلك المراكز، إضافة إلى 16 ألف طفل كان من المفترض أن يرتادوا نوادي الطفل القرآنية.
وتابع العبادي: “لو اعتبرنا أن لدينا ثلاثة أطفال من أسرة واحدة؛ فالنتيجة حرمان حوالي سبعة آلاف و500 أسرة من خدمات تلك المراكز المجاورة لبيوتهم”.
وأردف: “لو اعتبرنا أن متوسط عدد الموظفين والمعلمين والمعلمات بالمركز الواحد 10؛ فالنتيجة أن حوالي 900 موظف سينتقلون لسوق البطالة، ويفقدون مصدر رزقهم وضمانهم الاجتماعي، وهذا يعني إفقار 900 أسرة، علما بأن موظفي مركز جبل المنارة وحده عددهم 18 موظفا، وهو مغلق كليا، وتواصل معي كثير من الموظفين وأولياء الأمور، ولا جواب عندي إلا طلب الدعاء والصبر”.
وأكد العبادي أن “تلك الإجراءات ستؤدي لإضعاف الوضع المالي لتلك المراكز، بل ولعجزها، فلا موارد استثمارية، ولا تبرعات، بحيث سيعجز كثير منها عن دفع المصاريف التشغيلية والخدمية، ومنها أجرة المركز المستأجر، وراتب المدير والسكرتارية والسائق، وهناك أضرار أخرى أسرية ومجتمعية”.
ولفت إلى أن “التسجيل للنادي الصيفي الذي يروي أطفالنا في الصيف قد صار متأخرا جدا، فالدوام يوم السبت أو الأحد أو الاثنين”، مشيرا إلى أن عددا من الأهالي يطالبون باسترداد ما دفعوه من أموال لتلك المراكز.
وقال: “عممنا على موظفينا بعدم المشاركة في أي فعالية شعبية، حتى وإن كانت مكفولة دستوريا وقانونيا”، مستدركا بأن “الأهالي والشعب من غير موظفينا لا سلطة للجمعية عليهم، ولا يمكن لنا بحال أن نحرّض طلبتنا على الاعتصام، فنحن نحترم القوانين، ولا نستغل القاصرين في مثل تلك المخالفة القانونية والشرعية”.
القضاء على “الإسلام السياسي”
ويربط مراقبون بين ما تتعرض له جمعية المحافظة على القرآن الكريم من توقيف وإغلاق لمراكزها، وتضييق على نشاطها وفعالياتها، وبين إرادة دول غربية – أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية – للقضاء على الإسلام السياسي، باستخدام أدواتها في المنطقة، المتمثلة بالحكومات العربية القائمة، وفق قولهم.
ويرى الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، حسن أبو هنية، أن التضييق على الجمعية يأتي في سياق تداعيات ما بعد الربيع العربي، وسعي الدولة لإعادة هيكلة الحقل الديني بالكامل، بعيدا عن أي تحالفات مع تيارات إسلامية مستقلة.
وقال، إن “الحكومة مستمرة في عملية تفكيك وإضعاف الحركة الإسلامية بشكل عام بحجة محاربة التطرف والإرهاب”، لافتا إلى أن “الدولة صاغت عددا من القوانين والأنظمة لهذا الغرض، كقانوني منع الإرهاب، والإفتاء، ونظام الوعظ والإرشاد والخطابة والتدريس والإمامة، وليس آخرها نظام المراكز الإسلامية”.
وأضاف أبو هنية أنه “بعد ثورات الربيع العربي؛ والتفاف الشعوب حول الخيار الإسلامي؛ بات من الواضح للأنظمة العربية أن عدوها الداخلي هو الإسلام السياسي، أو ما تسميه بالمتطرف، والخارجي هو إيران، وهي تمثل أحد أشكال الإسلام السياسي الشيعي، وهذه القناعة هي التي تفسر هذه الهجمة على المراكز القرآنية والإسلامية بتنسيق وتوجيه من الغرب”.
وأوضح أنه “في هذا الإطار؛ أقامت الدولة تحالفا تكتيكيا مؤقتا مع التيار الصوفي الأشعري، الذي يعتبر نفسه امتدادا للمؤسسة الرسمية، مشيرا إلى أن هذا التحالف “منزوع من بعد السياسي، سوى من استغلاله لضرب حركات الإسلام السياسي”.
وذهب أبو هنية إلى القول بأن الحكومة ستنجح في خطتها بالتضييق على المراكز الإسلامية، لأنها تستغل سيف القانون، ولكن لن تنجح هذه السياسة في احتكار الدين، وإعادة تعريفه بما تقبله الدولة، وستؤدي إلى انفجارات شعبية في النهاية، وسيبحث المضيَّق عليهم على مساحات جديدة داخل البيوت المغلقة.
ذرائع واهية
من جهته؛ قال مؤسس حملة “كلنا جمعية المحافظة” إبراهيم المنسي؛ إن تذرع وزارة الأوقاف بوجود مخالفات إدارية ومالية للجمعية، أمر مناف للدقة والصواب، حيث لا يوجد بحقها قضية فساد واحدة.
ورأى أن كل الجمعيات الإسلامية والقرآنية باتت مستهدفة، “لكن وزير الأوقاف يقول إن الجمعية الوحيدة التي حدث معها مشاكل هي المحافظة، ونحن نقول له: أنت تتعامل مع جمعية المحافظة كمن يتعامل مع جمل يريد إدخاله في سمّ الخياط”.
وأكد أن مدرّسي جمعية المحافظة مؤهلون وفق معاييرها التي اعتبرتها رابطة العالم الإسلامي الأولى عالميا في خدمة القرآن الكريم، مستهجنا إجراء وزارة الأوقاف اختبارات تعجيزية للمدرّسين، “والأدهى من ذلك، أن بعض المجازين بالقراءات العشرة، يمتحنهم مجازون بقراءة واحدة من الأوقاف”.
وفيما إذا كان ما يجري مع الجمعية جزء من حملة خارجية تستهدف العمل الإسلامي والقرآني في الدول العربية، قال المنسي: “لا أتهم أحدا، ولكن من سعى للتضييق على دور الفضيلة في لحظة استشراء الرذيلة، فلا شك أن المجتمع لن يملك إلا أن يشكك في أهدافه وأجنداته”.
ولفت إلى وجود “حملة واضحة تستهدف كل شيء يمت للدين بصلة”، مضيفا: “لا أدري هل ذلك من باب أن هؤلاء يشعرون بأن الدين الإسلامي يقترب من مزاحمة الحكم على مستوى العالم؟ أم أنها تخوفات نتيجة جهل؟ أم أنها امتدادات لمؤامرة على هذا الدين ومستقبله؟”.
ورجّح المنسي أن توقيف المراكز القرآنية وإغلاقها سيؤزم العلاقة بين الشعب وبين الدولة، لأن الجمعية دخلت كل بيت أردني، لافتا إلى أن عدم اعتراض مجلس الوزراء على قرارات وتعليمات وزير الأوقاف، يدل على أن المجلس موافق على هذه الإجراءات، ومن ثم فإن الحكومة تتحمل نتائجها وانعكاسها على علاقتها بالجماهير.
يشار إلى أن موقع عربي21 حاول التواصل مع الناطق باسم وزارة الأوقاف حسام الحياري، لكن دون رد، وتواصل مع رئيس الجمعية نضال العبادي للإجابة على بعض الاستفسارات، إلا أنه اعتذر لأسباب صحية.
ومن الجدير بالذكر أن جمعية المحافظة على القرآن الكريم تضم 42 فرعا، وألفا و50 مركزا، موزعين على محافظات المملكة، وخرّجت أكثر من ثمانية آلاف حافظ للقرآن، وأكثر من 15 ألف مجاز بالتلاوة، وأصدرت أكثر من 200 كتاب في العلوم الشرعية، أكثرها في علوم القرآن.
ومن أبرز إنجازاتها؛ طباعة المصحف الشريف بطريقة بريل الذي صدرت طبعته الأولى في 2005، وتفسير القرآن الكريم للصم والبكم، والمقرأة الإلكترونية العالمية.