تصفية قادة “داعش” في سوريا… استراتيجية أميركية فعالة وغير مكلفة
أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس الأول الثلاثاء، مقتل زعيم “داعش” في سورية ماهر العقال، في ما يشير إلى منحى تصاعدي لاستهداف رؤوس التنظيم وفق استراتيجية أميركية تعتبر أقل كلفة وأكثر فاعلية من إرسال آلاف الجنود والقيام بحملات عسكرية واسعة، كما أوضح بايدن نفسه.
وقال بايدن، في بيان: “نفذ رجال ونساء من الجيش الأميركي ومجتمع استخباراتنا بنجاح غارة جوية ضد أحد كبار قادة تنظيم داعش ماهر العقال، وهو ما يخرج إرهابياً رئيسياً من الميدان، ويحد بشكل كبير من قدرة التنظيم على التخطيط والموارد وتنفيذ عملياته في المنطقة”.
واعتبر أن الضربة الجوية، في ناحية جندريس بريف عفرين الغربي، تمثل “تتويجاً لعمل استخباراتي حازم ودقيق”، مشيراً إلى أن بلاده لا تحتاج إلى الآلاف من القوات في مهام قتالية لتحديد التهديدات التي تواجهها والقضاء عليها.
تشير المعلومات إلى أن ماهر العقال كان يتنقل في ريف حلب الشمالي بهوية مدنية مزورة
وقبل ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية، في بيان، أنها نفذت ضربة جوية قتلت فيها “أحد قادة التنظيم الخمسة الكبار ماهر العقال، إضافة إلى إصابة قيادي آخر على صلة به”. وأضاف البيان أن العقال كان يسعى أخيراً إلى تعزيز شبكات التنظيم خارج سورية والعراق.
ماهر العقال “أمير” قاطع الرقة
ووفق معلومات قالت العربي الجديدأنها حصلت عليها من مصادر خاصة، فإن ماهر العقال، المعروف باسم أبو البراء الشمالي، يتحدر من منطقة سلوك بريف محافظة الرقة الشمالي، وهو من أبناء عشيرة النعيم، وكان “أمير” قاطع مدينة الرقة في العام 2019 ضمن تنظيم “داعش”، ويعد أحد أبرز المتهمين باغتيال الشيخ بشير فيصل الهويدي، أحد وجهاء عشيرة العفادلة في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.
وتشير المعلومات إلى أن السلطات التركية اعتقلت سليمان، شقيق ماهر العقال، في ولاية شانلي أورفة، جنوب تركيا، في 2021، وكلا الشقيقين متورطان بالتخطيط وتأمين المتفجرات في تفجيري السلطان أحمد بمدينة إسطنبول، مطلع 2016، وسوروج في ولاية شانلي أورفة، في 20 يوليو/ تموز 2015، الذي استهدف نشطاء أكراداً، ما أسفر عن مقتل واصابة العشرات، وفق بيان سابق لوزارة الداخلية التركية.
وتشير المعلومات إلى أن ماهر العقال كان يتنقل في ريف حلب الشمالي بهوية مدنية مزورة، صادرة عن “مجلس عفرين المحلي”.
وذكرت أنه نجا في 16 يونيو/ حزيران الماضي من إنزال لقوات التحالف، استهدف ثلاثة من قيادات تنظيم “داعش” في قرية الحميرة، إحدى قرى ريف جرابلس، شمال حلب، إضافة إلى أبو إبراهيم السفراني، وهو من بلدة السفيرة، ويشغل منصب مسؤول الاغتيالات في الشمال السوري، حيث غادرا منطقة جرابلس.
وأوضحت أن القوات الأميركية اعتقلت وقتها الشخص الثالث، وهو فواز أحمد الحسين الكرد، وفق البطاقة الشخصية الصادرة عن المجلس المحلي لبلدة قباسين التابعة لمدينة الباب، بينما اسمه الحقيقي هاني أحمد الكردي.
استراتيجية أميركية لـ”قطع رؤوس” قادة “داعش”
وتأتي عملية الاغتيال الجديدة في سياق استراتيجية “قطع الرؤوس” التي تستهدف كبار قادة “داعش” والتنظيمات المتطرفة الأخرى، بدل تجييش الجيوش وخوض معارك واسعة مكلفة بشرياً ومادياً، ولا تسفر غالباً عن سقوط كبار قادة التنظيم.
ونشطت هذه الاستراتيجية بشكل لافت منذ مقتل زعيم داعش السابق عبد الله قرداش، المعروف باسم “أبو إبراهيم القرشي”، في 3 فبراير/ شباط الماضي، حين نفذت مروحيات تابعة للقوات الأميركية إنزالاً جوياً في بلدة أطمة، شمالي إدلب، بالتزامن مع تحليق مكثف لطائرات ومسيّرات حربية، ما أسفر عن مقتل 13 شخصاً على الأقل، بينهم ستة أطفال وأربع نساء.
وسبقت ذلك عملية مشابهة في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، استهدفت “الخليفة” الأول لتنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي في قرية باريشا، شمالي إدلب، وقبله أبو عمر البغدادي، زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، النسخة الأسبق لـ”داعش”، والزعيم الأسبق أبو حمزة المهاجر المصري، الذي خلف أبو مصعب الزرقاوي، “أمير القاعدة في بلاد الرافدين” وأحد المؤسسين الفعليين لتنظيم “داعش”.
كما يأتي الاستهداف الجديد بعد أيام من هجوم نفذته مسيرة أميركية على دراجة نارية على الطريق الواصل بين مدينة إدلب وبلدة قميناس، شمال سورية، ما أدى لمقتل قيادي بتنظيم “حراس الدين” المُصنف على قوائم الإرهاب الأميركية.
وكانت “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، قد أعلنت، نهاية العام الماضي، اعتقال القيادي البارز في “داعش” محمد عبد العواد، الملقب بـ”رشيد”، الذي خطط لاقتحام سجن الغويران في مدينة الحسكة في يناير/ كانون الثاني الماضي. وكانت الاستخبارات العراقية قد أعلنت، العام الماضي، اعتقال حجي حامد العراقي، نائب البغدادي ومسؤول “الركاز” (النفط والمعادن) في “داعش”، في عملية خارج البلاد.
كيف يتأثر تنظيم “داعش” بتساقط قادته؟
وفق مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، فإن العقال، الذي قتل في غارة أمس الأول، هو “والي الشام” في التنظيم ويعتبر الشخصية الأولى في سورية.
وأشار عبد الرحمن، في تصريحات صحافية، إلى أنه مخطط عمليات “داعش” في سورية، ومسؤول عن التمويل الذي يأتي للتنظيم من الخارج لدعم عملياته داخل سورية. واعتبر أن مقتل العقال سيربك عمليات التنظيم، التي تصاعدت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، سواء في مناطق سيطرة “قسد” أم مناطق النظام السوري.
ورأى الباحث سليمان العلاوي أن هذه الاغتيالات قد تحد من تحرك وتنقل قادة “داعش” خشية تعرضهم للانكشاف والاستهداف.
سليمان العلاوي: الاغتيالات قد تحد من تحرك قادة “داعش” خشية تعرضهم للاستهداف
وأضاف، أن التنظيم يأبى دوماً الاعتراف بآثار استهداف قادته على فاعليته، ويحاول في إصداراته أن يدرج ذلك في سياق التضحيات التي تدل على “صدق المنهج” وثبات الهدف. وأشار العلاوي إلى أن الإصدارات الأخيرة تحاول التركيز على مدى اتساع نشاط التنظيم في كل العالم، وليس في سورية والعراق فقط، حيث تشير إلى عملياته في غرب ووسط أفريقيا وجنوب شرق آسيا والهند وباكستان وأفغانستان والقوقاز، وسيناء المصرية.
وحول أسباب هذا “الانكشاف الأمني” للتنظيم وأسباب تسارع وتيرة الاغتيالات لقادته، أرجع العلاوي السبب إلى وجود خيانات ووشايات بين أفراد وقادة التنظيم، خاصة الذين يتعرضون للاعتقال، فيتم انتزاع معلومات منهم تساعد في ملاحقة الآخرين.
وأشار إلى أن هناك عدداً من القادة البارزين في التنظيم اعتقلوا من دون الإعلان عن هذا الأمر، وفضلوا التعاون مع الأجهزة الأمنية للكشف عن شبكات “داعش” وإسقاط قادته البارزين، خاصة في ظل وجود خلافات وصراعات داخل التنظيم بين المجموعات “العقائدية” وتلك النفعية أو الأقل التزاماً بالمنهج العقائدي.
يضاف إلى ذلك، بحسب العلاوي، وجود عمليات رصد واسعة، باستخدام الوسائل الإلكترونية والاستطلاعية، بالإضافة إلى عمليات استطلاع وتوظيف مئات المخبرين الميدانيين الذين يتم إغراؤهم بالمال، فضلاً عن التعاون بين مختلف أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية والتركية.
وفي السياق، نقل الباحث السوري كرم شعار معلومات وأرقاماً مهمة عن وزارة الدفاع الأميركية حول عملياتها في سورية. وكتب شعار، على صفحته على “فيسبوك”، أن عدد السوريين الحاصلين على رواتب من الإدارة الأميركية تحت برنامج “التدريب والتسليح لمكافحة داعش” يبلغ اليوم 16000 شخص، وتسعى وزارة الدفاع إلى زيادة هذا العدد في العام المقبل إلى 19500 شخص، للتركيز على حماية السجون عقب عملية سجن الصناعة.
وأشار إلى أنه فيما تتوقع الإدارة الأميركية إنفاق 35 مليون دولار في العام الحالي على تدريب وتسليح هؤلاء، فإنها ستنفق 120 مليون دولار إضافية على رواتبهم ودعمهم اللوجستي، ليصل إجمالي الإنفاق على البرنامج إلى 155 مليون دولار.