لماذا أفرج السيسي عن 60 معتقلا رغم وعد العفو عن 1000؟
قرر النظام في مصر الإفراج عن نحو 60 معتقلا بعفو رئاسي، في قرار رغم ما يمثله من فرحة للمفرج عنهم وخطوة نحو أمل بانفراجة محتملة ومرتقبة ومطلوبة حقوقيا ومحليا ودوليا في ملف المعتقلين، إلا أنه جاء مخيبا لآمال أسر وأهالي المعتقلين.
وعصر الخميس، أعلن عضو لجنة العفو الرئاسي، طارق الخولي، عن 60 اسما أخلي سبيلهم، عبر صفحته بـ”فيسبوك”، فيما عرض عضو اللجنة محمد عبدالعزيز قائمة شملت 40 اسما فقط.
لكن عضو اللجنة المحامي طارق العوضي، تحدث عن عدد أكبر من 60 اسما، مشيرا إلى الإفراج عن 23 معتقلا من سجن طرة بالقاهرة، و26 من أبي زعبل، و8 من سجن القناطر بالقليوبية، و1 من سجن المنيا (بالصعيد)، و2 من سجن مركزي.
وأشار إلى الإفراج عن بعض العمال، لم يذكر عددهم، لافتا للإفراج عن موظفي شركات التأمين الـ18 المحبوسين منذ عام 2020.
وفي 27 نيسان/ أبريل الماضي، أعلن السيسي عن تفعيل لجنة العفو الرئاسي، وإعادة تشكيلها ضمن إعلانه الدعوة لحوار وطني شامل في رمضان الماضي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية.
وتنص (المادة 14) من قانون الطوارئ على أنه “يجوز لرئيس الجمهورية أن يخفف العقوبة المحكوم بها، أو أن يستبدل بها عقوبة أقل منها، أو أن يلغي كل العقوبات أو بعضها أيا كان نوعها أصلية أو تكميلية أو تبعية، أو أن يوقف تنفيذ العقوبات، كلها أو بعضها… “.
“من 1000 إلى 60”
وكانت لجنة العفو الرئاسي قد أعلنت أنه سيجري العفو عن نحو 1000 معتقل دفعة واحدة في ذكرى 30 حزيران/ يونيو الماضي، لكن تلك الذكرى مرت وبعدها 3 يوليو، الذكرى التاسعة للانقلاب، دون خروج أي معتقل، ليُعلن قبيل عيد الأضحى بيومين اثنين عن إخلاء سبيل 60 معتقلا فقط.
وفي 16 أيار/ مايو الماضي، قال عضو لجنة العفو الرئاسي طارق العوضي، في تصريحات تلفزيونية، إن “اللجنة تفحص ملفات 1074 من السجناء، تمهيدا لإصدار قرار نهائي بالإفراج عنهم، وهم بين محكوم عليهم ومحبوسين احتياطيا، ممن تنطبق عليهم المعايير التي حددتها اللجنة لعملها”.
وأكد نشطاء وسياسيون وإعلاميون أن عدد المفرج عنهم لا يرضي طموح المعتقلين ولا ذويهم، منتقدين الإعلان عن احتمالات الإفراج عن أكثر من 1000 معتقل، لينتهي الأمر بإخلاء سبيل 60 معتقلا فقط.
وأفرج النظام عن نحو 41 معتقلا في نيسان/ أبريل الماضي، بينهم الدكتور يحيى حسين عبدالهادي، والدكتور محمد محيي الدين، والصحفي مجدي قرقر، والناشط حسام مؤنس، وذلك عقب دعوة السيسي للحوار الوطني، الذي بدأت أولى جلساته الثلاثاء الماضي.
“سياق القرار”
إفراجات السيسي الخجولة والانتقائية، والتي تحدث على مضض، ولا ترضي الشارع الغاضب ولا المنظمات الحقوقية المصرية والأجنبية ولا المعارضة في الخارج، تأتي في ظل حراك سياسي واسع يشهده إقليم الشرق الأوسط بزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للسعودية، في قمة يشارك بها السيسي إلى جانب قادة الأردن والخليج والعراق.
وتسبق الإفراجات قدوم بايدن للمنطقة بأيام ولقاءه السيسي لأول مرة منذ توليه السلطة مطلع 2020، ولمدة عامين ونصف وجهت فيها الإدارة الأمريكية الانتقادات الحادة لملف مصر الحقوقي، بل واقتطعت نحو 30 مليون دولار من المعونة الأمريكية السنوية لمصر في 2021.
كما تأتي إفراجات السيسي بالتزامن مع أحكام جائرة وإجراءات تعسفية وقرارات اعتقال بحق مصريين، ما جعل البعض يرى في تلك الإفراجات مجرد محاولة لتجميل وجه نظام السيسي داخليا بالتزامن مع دعوته للحوار، وخارجيا بالتزامن مع زيارة بايدن.
والأربعاء، قالت منظمتا “فير سكوير” و”هيومن رايتس ووتش”، إن “مصر تستخدم منع السفر التعسفي لاستهداف أعضاء بارزين في المجتمع المدني بسبب عملهم السلمي، بمن فيهم محامو حقوق الإنسان، والصحفيون، والناشطات النسويات، والباحثون”.
وفي 4 تموز/ يوليو الجاري، قررت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ في مصر حبس باحث الأنثروبولوجيا في جامعة أوروبا الوسطى بالعاصمة النمساوية، فيينا، أحمد سمير سنطاوي، 3 سنوات حكما نهائيا، بعد اتهامه بنشر أخبار كاذبة.
ومطلع تموز/ يوليو الجاري، اعتقلت السلطات المصرية الناشطة آية كمال للمرة الثالثة من منزلها بمدينة الإسكندرية، برغم ما تعانيه من أمراض، وهو ما أكده المحامي خالد علي، موضحا أن تهمتها الانضمام لجماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة.
وفي 28 حزيران/ يونيو الماضي، أصدرت محكمة مصرية حكما بالإعدام شنقا بحق 10 أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين في ما يُعرف بقضية “كتائب حلوان”، بجانب أحكام بالسجن بين 25 عاما و10 سنوات على 154 معتقلا.
“خطوات مترددة”
وعن الانتقادات الموجهة للحالة الانتقائية التي يتعامل بها النظام في ملف العفو الرئاسي عن المعتقلين، قال الحقوقي المصري محمد زارع: “لا أحد يمكنه توضيح الأمر، والسؤال موجه بشكل مباشر للنظام الذي ينتقي بعض الأسماء ليفرج عنها ولا يفرج عن آخرين”.
رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، وفي إجابته عن سؤال “عربي21” بشأن تضارب الأرقام المعلنة من لجنة العفو الرئاسي وأرقام الإفراجات على الأرض، يعتقد أن “تلك الإفراجات خطوات مترددة غير محسومة، وأن النظام لم يتخذ القرار الفعلي ببدء صفحة جديدة”.
ويرى أنه “فقط يحاول كل فترة توضيح أن كل الخيوط والأوراق في يديه، وأنه قادر على عمل انفراجات في المستقبل، وهو بهذا يحاول توصيل رسالة لكل الأطراف، بما فيها اللجان التي تتفاوض معه ويقودها نقيب الصحفيين وبعض الخبراء، أن الأوراق كاملة في يده وحده”.
الحقوقي المصري، أكد أيضا أن “لجان الإفراج أو العفو الرئاسي تأتي في إطار جانبي، وتضاربهما يؤكد أنه لم يحسم أمره، وأنه متردد، وهو ما يكشف أن ما تقدمه الأطياف السياسية عبر وضع خطة للمستقبل والنهوض بالدولة تسير ببطء، وهذا معناه أن الملفات الأخرى وبينها المعتقلون تسير بنفس البطء”.
ويرى زارع أن “الانفراجات التي ستحدث في المستقبل مرهونة بحدوث توافق مجتمعي سياسي بين كل الأطراف مع النظام الحالي”.
ويعتقد أن “الإفراجات ليس لأعضاء لجان العفو قرار فيها، والقرار بيد الأجهزة الأمنية، ودور اللجنة استشاري ومعاون باقتراح الأسماء وبحث الملفات، وهو ما يؤكده قول بعضهم بخروج أكثر من 1000 معتقل تنطبق عليهم المعايير، لكن في النهاية الأجهزة تعترض أو تؤجل”.
“مسرحية هزلية”
وفي رؤيته لأسباب عدم التزام النظام المصري بوعوده بالعفو عن 1000 معتقل دفعة واحدة في ذكرى “30 يونيو”، والإفراج عن 60 فقط، قال السياسي والبرلماني المصري السابق، الدكتور عزالدين الكومي: “لا تزال سلطات الانقلاب تؤكد عدم التزامها بوعودها بالإفراج عن النشطاء السياسيين”.
وأضاف أن ذلك يأتي “بالرغم من الوعود المتكررة بالإفراج عن المعتقلين”، مؤكدا أن هذا “يتناقض مع دعوة النظام للحوار، ويثبت أن الأمر لا يعدو كونه دعاية للاستهلاك المحلي ليس إلا”.
عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى المصري الأسبق، أوضح أنه “بالرغم من القوائم التي أعلن عنها وتتضمن أسماء عدد من الذين كانوا يوما داعمين للنظام؛ إلا أن الدكتاتورية لا تفرق بين معارض وآخر، الكل بالنسبة لها خصوم وأعداء”.
وأشار الكومي إلى أن منظمة العفو الدولية “أمنيستي”، طالبت بـ”الإفراج الفوري وغير المشروط عن أي شخص محتجز لمجرد ممارسته حقوقه الإنسانية، بما في ذلك السياسيون والصحفيون والمحامون والمدافعون عن حقوق الإنسان”.
ولفت إلى تأكيد المنظمة على أن “قطاع الأمن الوطني حذّر العديد من الذين أفرج عنهم في نيسان/ أبريل الماضي، من الانخراط في أي نشاط، وإلا فسيُعاد اعتقالهم”.
وبين أن المنظمة طالبت المجتمع الدولي بالضغط على السلطات المصرية للإفراج عن جميع الذين اعتقلوا تعسفيا، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، ووضع حد لقمع المعارضة السلمية.
وقال الكومي إنه الوضع القائم “رغم الانتقادات المتكررة من المنظمات الحقوقية بالتخلي عن نهج القرارات الموسمية بإخلاء سبيل أعداد محدودة من المعتقلين كل بضعة أشهر مع الغياب التام لوجود آلية أو معايير أو ضوابط معلومة لاختيار المفرج عنهم أو رفض الإفراج عن غيرهم”.
وأكد أنه على الجانب الآخر، فإن “الأعداد الجديدة من المحبوسين بتهم سياسية تتجاوز أعداد المفرج عنهم”، خاتما بالقول: “وهكذا تدار عملية الإفراج عن المعتقلين السياسيين عبر مسرحية العفو الرئاسي الهزلية”.