معركة الوعي (122) عندما يتحدث المُفسدون عن “التربية الجنسية” في المدراس!
حامد اغبارية
وكأنّه لم يكْفِ المؤسسة الإسرائيلية ضربُ عُمق مجتمع الداخل الفلسطيني بوباء العنف الذي هيّأت له كل الظروف المناسبة والأدوات المختلفة كي يعمل على تفكيك هذا المجتمع، حتى تخرج علينا مؤخرا بخطة جديدة ووسيلة إضافية – أشدّ فتكا – للإجهاز على مجتمعنا أخلاقيا، من خلال إلزام المدارس بتعليم ما تطلق عليه “التربية الجنسية” في مختلف مراحل التعليم، من الابتدائية إلى الثانوية!
ليست هذه هي المرة الأولى التي يطرح فيها موضوع “التربية الجنسية” في المدارس، إلا أن الموضوع جُمّد في حينه ولم ينفذ، على الأقل في المدارس العربية، علمًا أن الموضوع يدرّس في المدارس اليهودية ضمن الفعاليات اللامنهجية، فما الذي دفع الوزارة الآن إلى جعله إلزاميا في جميع المدارس اعتبارا من العام الدراسي القادم؟ وهل ما يناسب المجتمع اليهودي يناسب بالضرورة المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل؟
إنك إذا استعرضت الحالة الإسرائيلية من جميع جوانبها وعلى جميع مستوياتها ستكتشف أن الهاجس الجنسي يكاد يكون أكثر ترسخا من الهاجس الأمني، وستجد أن حالات الاغتصاب والاعتداءت الجنسية والتحرشات متمكنة من العقلية الإسرائيلية على مستوى الأفراد والمجتمع، وكل ذلك بسبب انهيار القيم الأخلاقية في ذلك المجتمع واعتماده أسلوب الحياة الغربية المنفلتة من عقالها. والغريب أنك تجد هذا كله في المستوى السياسي والعسكري والشرطي والأمني والديني وفي المدارس وفي المستشفيات وفي مختلف المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، على الرغم من أنهم يعتمدون ما يسمونه “التربية الجنسية” التي يبدو أنها “آتت أكلها” على الصورة الفظيعة التي نراها. يحدث هذا عندهم بينما لا تكاد تجده في مجتمعنا “المتخلف” وغير “المثقف جنسيا” ، حسب المزاعم الإسرائيلية، إلا فيما ندر.
لقد اعتمدت الوزارة خطة “تدريس” في هذا الموضوع وضعتها ما تسميه “طواقم مهنية من الخدمات النفسية الاستشارية في وزارة المعارف”!! وكأن حلّ عقدة المسألة ذات بُعد نفسي فقط، ولذلك تحتاج فقط إلى خبراء نفسيين، ولا علاقة لها بالتربية الدينية والأخلاقية والتوعية الحضارية. وهذا يعني – بالنسبة لنا على الأقل- أن أبناءنا يعانون من حالة نفسية تحتاج علاجا نفسيا؟
إن القضية أبعد ما تكون عن كونها كذلك، بل إن المشكلة النفسية في حقيقة الأمر تكمن في رؤوس الذين اخترعوا هذه المسألة، لأن مجتمعهم يعاني فعلا من حالة انهيار نفسي جماعية تحتاج إلى علاج سريع، وهذا في التالي لا علاقة به لمجتمعنا العربي الفلسطيني المسلم في أغلبه، والذي لديه مرجعية من القيم الأخلاقية والدينية هي أبعد ما تكون عن تلك العقلية المريضة التي تريد أن تفتك بجيل المستقبل بحجة “التربية الجنسية”!!!
إن هذا البرنامج التعليمي الجديد الذي تريد الوزارة فرضه على المدارس، بما فيها المدارس العربية، هو في حقيقته جزء من منهاج التعليم التخريبي الذي لو راجعتَ مضامينه لاكتشفت أنه ليس أكثر من مسلسل من الأضاليل وعمليات غسل الدماغ. وهذا يشمل تقريبا جميع مواضيع التدريس وعلى رأسها التاريخ واللغة والمدنيات والدين وغيرها.
وما الذي تريد وزارة المعارف أن تعلمّه لأولادنا وبناتنا في المدارس تحت مسمّى “التربية الجنسية” المضلِّل؟
بحسب الخطة سيشمل البرنامج جميع الصفوف بدءًا من الصف الأول الابتدائي. ومما يتضمنه البرنامج ما يلي:
التعامل أو التأقلم مع حالات الإثارة الجنسية- فأي شيء سيتعلمه الأبناء والبنات عن هذا الموضوع شديد الحساسية!، والذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية تماما؟ وقد يسأل سائل: ولماذا تتوقع أن تكون النتائج عكسية؟ أنا لا أتوقع وحسب. بل هذا ماثل للعيان أمامنا في المدارس اليهودية التي يتلقى طلابها نوعًا من “التربية الجنسية”، إذ أن التحرشات والاعتداءات الجنسية وحالات الاغتصاب قد ارتفعت نسبتها في تلك المدارس بشكل كبير، بحسب تقارير الوزارة نفسها.
“هناك أسرار تقال وأخرى لا تقال”- فما معنى هذا الكلام؟ وما هي الأسرار التي يمكن البوح بها وتلك التي لا يمكن البوح بها؟ تخيل معي نقاشا في الصفوف حول هذا الموضوع، وما الذي سيقال أثناء ذلك. ستكون التفاصيل مرعبة للغاية! وهذا أقل ما يقال…
“اللمس المسموح واللمس الممنوع”- والمقصود هنا اللمس بين الطلاب والطالبات. فهل هناك لمس مسموح به وآخر غير مسموح به؟؟ إن كانت هذه المفسدة الأخلاقية موجودة في المجتمع اليهودي، وهي موجودة فعلا، في المدارس وفي غيرها من أعلى الهرم إلى أسفله، فلماذا يريدون فرضها على مجتمعنا؟ نحن مجتمع محافظ يربي أبناءه على حفظ المسافات بين الجنسين، وفي التالي لا مجال للحديث عن لمس مسموح به وآخر غير مسموح به. ومجرد فرض هذه القيمة الفاسدة كمضمون تعليمي سيفتح المجال للدخول في مربعات هي غير موجودة أصلا في مجتمعنا. وهذا ينسحب على المجتمع المسلم والمسيحي والدرزي، والمتدين وغير المتدين. فهناك سلوكيات وقيم يتميز بها مجتمعنا، يريد هؤلاء المفسدون الإجهاز عليها نهائيًا.
سيتعلم الطلاب كذلك عن نمو الجسم والتغييرات التي تطرأ عليه في مرحلة البلوغ- وهذا بحدّ ذاته مدخل من مداخل الإفساد والفساد، لأنه سيتطرق إلى التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالبلوغ الجنسي.
في الصفوف الثامنة مثلا، والتي تمثل مرحلة عمرية انتقالية من مرحلة الطفولة إلى مرحالة البلوغ سيتعلم الطلاب عن الحب والعلاقة الزوجية. فماذا سيتعلمون هناك عن هذا الموضوع؟ وماذا سيقول المربي؟ وكيف سيكون رد فعل الطلاب والطالبات؟ تخيّل معي حالة الفوضى اللفظية والتفكيرية وهدم الكثير من الحواجز وصولا إلى مراحل قد تكونه وخيمة…
“التحرش الجنسي يختلف عن التودّد”- عنوان في ظاهره جيد لكن حقيقة نتائجه على أبنائنا وبناتنا من أسوأ ما يمكن أن تتخيله. لماذا؟ لأن مجرد الحديث عن وجود فرق بين التحرش الجنسي (السيء) وبين التودد (المحمود!!) (بالعبرية يسمون ذلك “حيزّور”- أي التودد للفتاة أو للشاب لنيل الإعجاب وربط علاقة حب)، يعني أن التودد لا شيء فيه، وطالما أنه كذلك فإن ممارسته مباحة. فهل يمكن أن تتخيل جيلا من الذكور والإناث في سنّ المدرسة يمارس التودد الذي سيؤدي بالتأكيد إلى ما بعد التودد وما بعد بعد التودد؟!! هذا قد يكون مناسبا للمجتمع اليهودي، وهو كذلك فعلا، وهم أحرار بفسادهم، فلماذا يُفرض على مجتمعنا المختلف عنهم كليا في كلّ شئ؟ وهل الكوارث الجنسية والأخلاقية تكمن فقط في التحرش؟ وهل التودد قيمة اجتماعية أخلاقية من النوع الرفيع والراقي؟ وما (ومَن) الذي سيضمن الحفاظ على الخط الفاصل بين التودد المزعوم والتحرش المحتوم؟
“الأفلام الإباحية ليست حُبًّا”- إن مجرد الحديث عن هذا الموضوع بهذه الطريقة وتحت هذا العنوان هو كارثة تربوية بحدّ ذاتها. فالمربي (ولا أدري إن كان صاحب خبرة واختصاص أم هو أشبه ما يكون بمعلم الرياضة الذي يدرس موضوع الدين أو الرياضيات كما يحدث عادة) يريد من الطالب والطالبة أن يفهما أن الأفلام الإباحية ليست تعبيرا عن الحُبّ العاطفي، ولكي يثبت ذلك سيدخل في موضوع ما هو الحبّ وكيف يكون، وما هي أنواعه وأشكاله، وعندها سيُدخل الطالب- من حيث يدري أو لا يدري- في دوائر مستنقعية موحلة يصعب الخروج منها.
وبالتأكيد سيكون هناك حديث عن شيء اسمه “تقبُّل الآخر”! وليس المقصود هنا تقبل الاختلاف الفكري أو الديني أو العقائدي، وإنما الاختلاف الجنسي. وهذا يعني الخوض في الحديث عن الشذوذ الجنسي الذي يملأ هذه الأيام فضاءنا بالضجيج والكثير من القمامة والعفن. أوليست هذه عملية شذوذ تربوية غير مسبوقة؟؟
بطبيعة الحال لستُ ضد التوعية الجنسية للأبناء. ولكن…!! وضع تحت “ولكن” ألف خط.
هل وزارة المعارف الإسرائيلية بتاريخها الحافل في تدمير أجيال من أبناء مجتمع الداخل هي العنوان؟
مبدئيا فإن المؤسسة الإسرائيلية لا تريد خيرا بنا ولا بمجتمعنا، فكيف أثق بها؟ كيف أثق بوزارة تعمل ليلا نهارا على أسرلة تفكير وسلوك أبنائنا من خلال مضامين مناهج التعليم؟
لا يمكنك أن تثق بدولة فاسدة تمارس الاحتلال على شعب آخر، حتى لو أوهمت الناس بأنها ستفرش لهم الطريق بالورود، وحتى لو كان الذين سيتسلمون زمام الأمر في موضوع “التربية الجنسية” هم من أبناء جلدتنا. ويمكنك مراجعة سياسات الدول الاستعمارية التي دمّرت مجتمعاتنا في الشرق الإسلامي، فهناك الخبر اليقين.
إذا كانت وزارة التعليم الصهيونية تريد أقناعنا بأن “التربية الجنسية” في المدارس سوف تعالج المظاهر والظواهر الجنسية السلبية في المجتمع فإن لنا في أوروبا وأمريكا عبرة. فهناك يدرّسون “الثقافة الجنسية” في مدارسهم، لكنّ هذه الدول تسجل يوميا أعلى نسبة من الجرائم الجنسية على مستوى العالم… وفي هذا ما يكفي… فالواقع والتجربة هما الحكم في مثل هذه المسائل.
كيف يمكن معالجة هذه القضية؟
إن دولة تهيئ للمجتمع كل أسباب الانحراف في الإعلام وفي الفن وفي الثقافة العامة وفي الأفكار، لا يمكنها أن تشتكي من انحراف الأفراد ومن التحرشات والاغتصابات وكل أنواع الاعتداءات الجنسية، ثم تأتي لتقول إنها تريد وضع حد لهذه المشكلة عن طريق “التربية الجنسية” في المدارس. إن عليها أولّا أن تطهّر الحيّز العام من كل الأسباب التي تؤدي إلى هذا الوضع المتردي، وإلا فإن ما تفعله الآن هو كمن يعالج مرض السرطان بحبّة أكامول.
إذا أرادت الوزارة فعلا أن تعالج هذه القضية فلتضعها في أيدٍ أمينة، وبدلا من “التربية الجنسية” التي نعرف نتائجها الكارثية لا بد من وضع خطة “للتربية الدينية” التي تضبط السلوك والأخلاق والعلاقات. وأول مدخل للحل هو التعليم المنفصل؛ مدارس للإناث ومدارس للذكور.
أخيرا- إن على الأهل في مجتمعنا أن يرفضوا هذه الخطة ويعلنوا عن طريق لجان الآباء أنهم لن يتعاملوا معها ولن يسمحوا لأبنائهم وبناتهم أن يتعاطوا معها، فتعاطيها لا يقل خطورة تعاطي السموم والمخدرات.