يوم الجمعة ويوم عرفة.. نور على نور وبركة على بركة
الشيخ كمال خطيب
هذا اليوم العظيم الذي تجتمع فيه أمة الإسلام يوم الجمعة ويوم عرفة، ولو لم يكن في هذا اليوم إلا أنه فقط يوم الجمعة لكان فيه خير عظيم، ولو لم يكن هذا اليوم إلا أنه يوم عرفة لكان فيه نفع عميم، فكيف وقد اجتمع والتقى يوم الجمعة ويوم عرفة فإنه الخير العظيم والنفع العميم والعطاء الجزيل لأمة الحبيب محمد ﷺ.
وإذا كان الله تعالى قد أكرم المسلمين بأن اختصهم بأزمنة شرّفها، واختصهم كذلك بأماكن شرّفها، فإذا كان الله سبحانه قد شرّف أماكن مثل المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، بل إنه شرّف مكة والمدينة والقدس وكل بلاد الشام وكل المساجد في كل الأرض، فإنه سبحانه قد شرّف أزمنة كليلة القدر بل كل شهر رمضان وكل أيام الحج، وإن من أعظم الأزمنة شرفًا وكرامة يوم عرفة ويوم الجمعة، فكيف إذا التقى اليومان الشريفان في يوم واحد، إنه إذًا نور على نور وبركة على بركة.
فضل يوم الجمعة
اختص الله يوم الجمعة بأن جعله أفضل الأيام، وقد قال في ذلك رسول الله ﷺ: “خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة”.
اختص الله يوم الجمعة بأن جعل فيه الصلاة هي أفضل الصلوات، وقد قال سبحانه {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} آية 9 سورة الجمعة.
فيوم الجمعة وهو كيوم العيد، في صلاة الجمعة يلتقي المسلمون يتحدثون ويسمعون ما هو خير لهم في دينهم ودنياهم.
*اختص الله يوم الجمعة بما جعل من مكانة لصلاة الفجر فيه على غيره من سائر الأيام، قال رسول الله ﷺ: “أفضل الصلوات عند الله عز وجل صلاة الفجر يوم الجمعة في جماعة”.
*اختص الله يوم الجمعة بأن من مات فيه أو في ليلته بما قاله رسول ﷺ: “ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله تعالى فتنة القبر”.
*اختص الله يوم الجمعة باستحباب الإكثار فيه من الصلاة على حبيبه محمد ﷺ الذي قال: “إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ”.
*اختص الله يوم الجمعة بأن جعل فيه ساعه إجابة لا يسأل العبد المسلم فيه ربه إلا أعطاه إياه واستجاب له دعاءه، قال في ذلك ﷺ: “فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله فيها شيئًا إلا أعطاه إياه”. وإن كان العلماء قد قالوا كثيرًا في تحديد تلك الساعة، فمنهم من قال إنها بين الأذان قبل صلاة الجمعة، ومنهم من قال إنها الساعة ما قبل غروب الشمس يوم الجمعة، ومنهم من قال إن الله قد أخفاها حتى يظلّ العبد يرجو ربه ويدعوه بكل ساعات يوم الجمعة.
*اختص الله يوم الجمعة وليلته بأن خصّه باستحباب قراءة سورة الكهف فيه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: “من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء الله له ما بين الجمعتين”.
* اختص الله يوم الجمعة للبس أجمل الثياب والتطيب بأحسن الطيب، فمن فعل ذلك فإنه ضمان مغفرة ما بين الجمعتين كما قال رسول الله ﷺ: “من اغتسل يوم الجمعة فأحسن غسله وتطهر فأحسن طهوره ولبس من أحسن ثيابه، ومسّ ما كتب الله له من طيب أهله ثم أتى الجمعة ولم يلغ ولم يفرق بين اثنين غفر له ما بين الجمعة والأخرى”.
فضل يوم عرفة
إنه اليوم التاسع من ذي الحجة يسبقه يوم التروية اليوم الثامن، ويأتي من بعده يوم النحر اليوم العاشر من ذي الحجة. إنه اليوم الذي فيه يقف حجاج بيت الله الحرام على صعيد جبل عرفات حتى مغيب شمسه ثم يفيضون إلى مزدلفة {فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍۢ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ ۖ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ*ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} آية 198-199 سورة البقرة. ولقد اختص الله يوم عرفة بخصائص وميّزه بمزايا هي ليست لغيره من سائر الأيام والأزمنة:
*إنه أفضل الأيام عند الله تعالى كما قال رسول الله ﷺ: “أفضل الأيام يوم عرفة”.
* يوم عرفة، هو اليوم الذي به يباهي الملائكة بضيوفه الحجاج الذين وقفوا على جبل عرفات، قال النبي ﷺ: “ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا فيباهي أهل الأرض أهل السماء”. وفي رواية: “إن الله يباهي بأهل عرفة ملائكته فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي قد أتوني شعثًا غبرًا ضاحين”.
*يوم عرفة، إنه اليوم الذي به أكمل الله الدين وبه أتمّ الله النعمة على أمة الإسلام وقد رضي لنا الإسلام دينًا، قال سبحانه: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا” آية 3 سورة المائدة. إنها الآية المباركة التي نزلت في يوم عرفة مشيرة إلى إكمال الدين وتمام النعمة والرضا بالإسلام لنا دينًا ، فالحمد لله على نعمة الإسلام وكمال الدين وتمام النعمة وكفى بها من نعمة.
*يوم عرفة، هو يوم عيد وقد قال ﷺ: “يوم عرفة هو يوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام فهي أيام أكل وشرب”. فليس العيد هو فقط يوم النحر وإنما يسبقه يوم عرفة ولذلك فقد سن النبي ﷺ التكبير بعد كل صلاة بدءًا من صلاة فجر يوم عرفة وحتى نهاية أيام التشريق في إشارة إلى أن يوم عرفة هو يوم عيد كذلك.
*يوم عرفة، صيامه يكفّر ذنوب سنتين، سنة قبله وسنة بعده كما قال ﷺ: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده”. وقد شرع الصيام في يوم عرفة لغير الحجاج بينما ينشغل فيه الحجاج بعبادات أخرى وهم وقوف على جبل عرفات، وأفضل العبادة يومها الدعاء.
*يوم عرفة، هو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار كما قال ﷺ: “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وأنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ إشهدوا ملائكتي أني قد غفرت لهم”. فاللهم يا رب اغفر لنا ذنوبنا واجعلنا من عتقائقك من النار في هذا اليوم العظيم يا رب العالمين.
*يوم عرفة، هو يوم الدعاء يدعو به الحاجّ ربه وهو واقف في عرفات، ويدعو به غير الحاج وهو صائم حيث الصائم مستجاب الدعوة بإذن الله تعالى. وقد اختص يوم عرفات بخير دعاء كما قال النبي ﷺ: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير”.
*إذا اجتمع يوم الجمعة ويوم عرفة في يوم واحد
إنه اجتماع نور على نور وبركة على بركة واجتماع عيد على عيد، فيوم الجمعة يوم عيد ويوم عرفة يوم عيد، فإنه اجتماع الفضلين والنورين والبركتين.
أما ما يردده بعض الناس من أن الذي يكون حجه ووقوفه بعرفات في يوم جمعة فإنه يعدل بذلك اثنتين وسبعين حجة فهذا لا أصل له، وكل ما ورد في ذلك فإنه باطل ولا يصحّ نسبه لرسول الله ﷺ.
لكن ذلك لا ينفي بل إن من التقى يوم حجه ووقوفه بعرفات وكان يوم جمعة، فإنه ينال بذلك شرف مشابهة حجه بحج رسول الله ﷺ الذي كان قد حجّ مرة واحدة هي حجة الوداع، وكان قد اجتمع فيها يوم الجمعة ويوم عرفة تمامًا قبل يومنا هذا، فليس لنا إلا أن نغبط من شابه حجه حج رسول الله ﷺ لكن دون اعتبار أن تلك الحجة تعدل اثنين وسبعين حجة.
جاء يهودي من أهل المدينة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين آية تقرأونها في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت ونعلم اليوم الذي نزلت فيه لاتخذناه عيدًا، قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله ﷺ بعرفة يوم الجمعة ونحن واقفون معه بعرفة”.
فالحمد لله على نعمة يوم الجمعة، والحمد لله على نعمة يوم عرفة، والحمد لله على نعمة القرآن، والحمد لله على نعمة أننا من أمة محمد ﷺ والحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها من نعمة.
ومما زادني عزًا وفخرًا وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيّرت أحمد لي نبيًا
ومع فهمنا الشرعي بحقيقة أن ليس في اجتماع يوم عرفة ويوم الجمعة في يوم واحد أي دلالة أكثر مما تقدم ذكره، لكن هذا لا يمنعنا ولا يحرم علينا أن نتفاءل خيرًا ببركات هذا الالتقاء على الحجاج وعلى الصائمين وعلى سائر المسلمين، ولعل لله سبحانه وتعالى حكمة وإرادة ادّخرها في علم الغيب عنده بأن يجعل من هذا الالتقاء خيرًا وفرجًا على أمة محمد ﷺ.
اللهم ها هم حجاج بيتك الحرام قد وقفوا على بابك وقد أتوك شعثًا غبرًا، فاللهم فلا تردهم خائبين، اللهم لا تردهم إلا وقد غفرت لهم يا رب العالمين. اللهم لا يأتي الحجّ القادم إلا وقد فرّجت كرب أمة حبيبك محمد ﷺ وبعثت فينا من يجدد أمر ديننا، إلا وقد طهّرت المسجد الأقصى من ظلم المحتلين وطهّرت المسجد الحرام من المفسدين يا رب العالمين
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.