إثيوبيا تستعد للملء الثالث… ومصر تراهن على “تعثره”
يؤكد دبلوماسي مصري أن “التحركات المصرية الدبلوماسية لم تتوقف في جميع المستويات الرسمية وعلى جميع الأصعدة الدولية، من أجل احتواء أزمة سد النهضة الإثيوبي”، وذلك على الرغم من قول مسؤول في وزارة الموارد المائية والري المصرية إن هناك اعتقاداً لدى بعض المسؤولين في الوزارة بعدم قدرة إثيوبيا على استكمال عملية ملء سد النهضة في الوقت المحدد (الملء الثالث)، نتيجة ظروف فنية وطبيعية.
سد النهضة… تحركات دبلوماسية مصرية غير فعّالة
ويؤكد مسؤول في وزارة الخارجية المصرية، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الدبلوماسية المصرية تكثف تحركاتها في الوقت الحالي من أجل حشد الدعم الدولي لموقف مصر في قضية السد”. من جهته، يقلّل دبلوماسي مصري سابق وخبير في الشؤون الأفريقية من أهمية التحركات المصرية على المستوى الدولي. ويقول المصدر إنه “بعدما فشلت الدبلوماسية المصرية مرتين في مجلس الأمن الدولي، وهو أهم وأقوى هيئة تنفيذية دولية، لم تعد هناك أهمية لأي تحركات على المستوى الدولي”.
الدبلوماسية المصرية تكثف تحركاتها لحشد دعم دولي لموقف مصر في قضية السد
ويضيف المصدر أن “الظاهر حالياً هو الدعم الدبلوماسي الأوروبي لمصر في قضية سد النهضة، وهو ما عبّر عنه بيان الاتحاد الأوروبي قبل أيام، والذي أكد فيه الاتحاد أهمية نهر النيل كمصدر وحيد للموارد المائية والحياة في مصر، في إطار الندرة المائية الفريدة بها”.
لكن الحقيقة، بحسب المصدر، هو أن موقف الاتحاد الأوروبي “لا يعدو كونه كلاماً دبلوماسياً لن يؤدي إلى نتيجة حاسمة، لا سيما أنه رحّب بالبيان الرئاسي لمجلس الأمن حول السد، الصادر في 15 سبتمبر/ أيلول الماضي، حول التوصل إلى اتفاق مقبول لكافة الأطراف وملزم حول ملء وعملية تشغيل السد”. ويعني ذلك، وفق الدبلوماسي المصري السابق، أنه “ترك الكرة في ملعب الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، واشترط حول التوصل إلى حل أن يكون مرضياً لكل الأطراف”.
ويشير المصدر إلى أن موقف الاتحاد الأوروبي “الداعم لمصر ظاهرياً في قضية السد، تأكد في الثالث من يوليو/ تموز الحالي، عندما أعلن وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالنبرغ أن بلاده تؤيد حق مصر في حصتها في مياه النيل”.
وأعلن شالنبرغ، الأحد الماضي، أن النمسا تدعم حق مصر في حصتها من مياه نهر النيل. وقال شالنبرغ للصحافيين في العاصمة المصرية القاهرة، إن “تدفق مياه النيل ليس مصدر قلق لدولة واحدة، بل لكل الدول التي يمر من خلالها النهر”، وذلك عقب لقائه نظيره المصري سامح شكري.
ويقول الدبلوماسي المصري السابق إن “الموقف الأوروبي الحالي من قضية سد النهضة يمكن فهمه في سياق حاجة أوروبا الآن إلى مصر كشريك استراتيجي مهم في مجال الطاقة، حيث إن القارة العجوز تعاني حالياً من نقص حاد في واردات الغاز الطبيعي، بعد تقليل روسيا كميات الغاز التي كانت تضخها إلى أوروبا، ولذلك تسعى الأخيرة إلى تعويض تلك الكميات بأي وسيلة، وخصوصاً قبل حلول فصل الشتاء الذي تتضاعف فيه الكميات المستهلكة من الغاز للتدفئة”. ولهذا السبب، تعول أوروبا، بحسب المصدر، على مصر “في مشروع نقل الغاز الطبيعي الوارد من دولة الاحتلال الإسرائيلي إليها، بعد أن يمر بمحطات الإسالة المصرية في إدكو ودمياط”.
ويوضح المصدر أن “أوروبا تحاول الآن أن تتقرب من مصر بسبب هذا الموضوع، ولذلك يتم إطلاق التصريحات الدبلوماسية الداعمة للقاهرة في قضية سد النهضة”.
ويضيف المصدر أن “المراقب لتصريحات المسؤولين المصريين، وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، في الفترة الأخيرة، يكتشف أن أزمة سد النهضة تراجعت بشدة في قائمة الأولويات، حيث أصبح الحديث دائماً عن تعظيم الاحتياطي الاستراتيجي من المياه، عبر معالجة مياه الصرف وغيرها، والتأكيد على اتباع سياسة الصبر والدبلوماسية”.
مصر… تركيز على مشاريع المياه واستبعاد الحل العسكري
وفي 27 مايو/ أيار الماضي، قال مدير مشروع السد كيفلي هورو، في تصريحات تلفزيونية، إن الملء الثالث لسد النهضة سيتم في أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول المقبلين، مؤكداً استحالة وقف الملء فنياً، ونافياً احتمال انهياره.
وبينما رفضت وزارة الخارجية السودانية وقتها هذا الإعلان، تجاهلت القاهرة لنحو أسبوعين الرد. وبالتزامن، أعادت مصر إلى الواجهة التمسك بأهمية إبرام اتفاق قانوني، وذلك في 5 مباحثات أوروبية وأفريقية للرئيس المصري خلال الفترة من 30 مايو/ أيار الماضي وحتى منتصف يونيو/ حزيران الماضي.
وكانت تصريحات السيسي للصحافيين في 13 يونيو الماضي أول رد مصري على الملء، كاشفاً اعتماد بلاده ثلاثة محاور لمواجهة دبلوماسية وفنية وسياسية. وقال السيسي: “لا أحد سيقترب من مياه مصر. كيف يتم ذلك؟ نتكلم بالدبلوماسية (…) وأعطيت الفرصة (للإثيوبيين) وننفذ مشروعات للاستفادة القصوى من المياه (…) أنا عملت كل ما يمكن عمله”. واعتبر مراقبون هذا الكلام تأكيداً مصرياً على استبعاد أي عمل عسكري ضد السد.
وكشف أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية المصري عباس شراقي عن أن الملء الثالث لسد النهضة الإثيوبي من المقرر أن يبدأ مطلع الأسبوع المقبل. وأشار شراقي في منشور على صفحته على موقع “فيسبوك”، أول من أمس الثلاثاء، إلى أن “مستوى بحيرة سد النهضة انخفض بمقدار أربعة أمتار حتى منسوب 572 متراً فوق سطح البحر خلال الشهور الثلاثة الأخيرة بعد فتح بوابتي التصريف، بإجمالي ملياري متر مكعب”.
أزمة سد النهضة تراجعت بشدة في قائمة أولويات القاهرة
وقال شراقي إنه “مع زيادة الأمطار في نهاية يونيو وبداية يوليو الحالي، بدأت البحيرة تستعيد تلك الكمية تدريجياً، إلا أنها ما زالت أقل من العام الماضي كما هو واضح من مقارنة الصور الفضائية يوم الثلاثاء الماضي، مع صور أغسطس الماضي، وظهور بعض الجزر، والابتعاد عن سد السرج”، وأضاف أنه “من المتوقع أن تستعيد مستوى العام الماضي بإجمالي 8 مليارات متر مكعب في بداية الأسبوع المقبل”.
وكان أستاذ إدارة المياه والتنمية المستدامة في جامعة آخن الألمانية هاني سويلم قد حذر من وجود تشققات في الواجهة الخرسانية لسد السرج (وهو السد المساعد أو المكمل لمشروع سد النهضة)، أظهرتها صور حديثة التقطتها الأقمار الاصطناعية، وهي النظرية التي شكّك فيها البعض.
وأضاف سويلم أن التشققات ظهرت في الواجهة الخرسانية للسد دون وصول المياه، إنما فقط بتأثير الظروف الجوية، وخصوصاً مع هطول الأمطار الغزيرة، مضيفاً في منشور على “فيسبوك”، أول من أمس الثلاثاء، أن هذا “لا يبدو بمثابة سد مستقر لحجز 50 مليار متر مكعب”.
وبحسب تصريحات رسمية، فقد وضعت مصر خطة تصل لعام 2037 باستثمارات تصل إلى 100 مليار دولار لإقامة مشاريع تعظم من موارد المياه، منها التحول لنظم الري الحديث، والمعالجة، وحيث لديها اجتماعات دورية لبحث كميات المياه الواصلة لبحيرة السد العالي من نهر النيل، أحدثها تم في 7 يوليو الحالي.
مباحثات البرهان – أبي
وتخشى مصر، التي تعتمد بشكل أساسي على نهر النيل كمورد للمياه، من أن يؤثر سد النهضة الإثيوبي الكبير وعملية ملء خزانه البالغة سعته 74 مليار متر مكعب سلباً على إمداداتها المائية، في حين يخشى السودان من أن يضر السد بتدفق المياه إلى سدوده.
وبحث رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، أول من أمس، في لقاء مغلق على هامش انعقاد قمة طارئة لمنظمة “إيغاد” (الهيئة الحكومية للتنمية)، قضية إعدام 7 جنود سودانيين اعتقلهم الجيش الإثيوبي على الحدود بين البلدين، والملء الثالث لخزان سد النهضة. وكتب أبي، بعد الاجتماع، على “تويتر”: “في مشاوراتي مع الجنرال عبد الفتاح البرهان، اتفقنا على أن بلدينا لديهما الكثير من المجالات التعاونية للعمل عليها بشكل سلمي”، وأضاف: “الروابط المشتركة بيننا تتجاوز أي انقسامات. وقد أكدنا التزامنا بالحوار والحل السلمي للقضايا العالقة”.
وحول مباحثات البرهان وأبي أحمد، يقول الدبلوماسي المصري السابق إن “إثيوبيا تسعى دائماً لإحداث اختراق في الموقف الموحد لكل من مصر والسودان في مسألة سد النهضة، وهي دائماً تحاول استمالة الجانب السوداني بعيداً عن مصر عبر تقديم وعود بأن يستفيد السودان من الكهرباء التي سيولدها السد”.
ويشير المصدر إلى أن “موقف الخرطوم من قضية سد النهضة يعتمد أحياناً على علاقتها بأديس أبابا، فعندما تسوء العلاقات يتبنى السودان موقفاً تصعيدياً والعكس صحيح”. ويؤكد المصدر أنه “على أي حال، يجب أن يقف السودان في معسكر واحد مع مصر في هذه القضية الحساسة التي تؤثر على حياة الملايين من البشر في البلدين باعتبارهما دولتي مصب”.