بعد كلام وزير المالية عن “المجاعة”كيف يبدو وضع مصر الغذائي؟
ألقت تصريحات وزير المالية المصري، محمد معيط، بشأن مخاوف بلاده من استمرار أزمة ارتفاع أسعار السلع الغذائية والأساسية من أن تتطور إلى “مجاعات”، الضوء على مدى قدرة الحكومة المصرية على توفير احتياجاتها بالعملة الصعبة.
وحذر معيط قبل أيام في لقاء صحفي من حدوث مجاعات قد تنتج عنها أعداد كبيرة من الضحايا؛ نتيجة لعدم القدرة على توفير الطعام والشراب، مطالبا الدول “بصرخة” من أجل العمل على حل الأوضاع الحالية قبل فوات الأوان.
وتعد مصر في قلب الأزمة، إذ حذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو” من أن مصر تواجه تحديات فيما يتعلق بالأمن الغذائي، خاصة أن أكثر من نصف المصريين (45.4%) لا يستطيعون تحمل تكلفة نظام غذائي كاف، وغالبيتهم (84.8%) لا يستطيعون تحمل تكلفة نظام غذائي صحي.
وتقول المنظمة الدولية إن مصر لا تمتلك مصر سجلا جيدا عندما يتعلق الأمر باستدامة النظام الغذائي بشكل عام، إذ تسجل دراسة الفاو البلدان على أساس استدامة الغذاء من الصفر إلى 1، ويشير الصفر إلى التصنيف الأدنى والـ 1 هو الأعلى، وحصلت مصر على 0.32 مقارنة بـ0.38 لتونس والمملكة العربية السعودية و0.52 للإمارات و0.70 للولايات المتحدة.
عدم اكتفاء ذاتي
تشير أحدث بيانات لجهاز الإحصاء بمصر إلى تدني نسب الاكتفاء الذاتي للعديد من أنواع الغذاء خلال عام 2020، لتصل النسبة إلى أقل من 1% للعدس وفول الصويا، و17% للفول الجاف و23% لبذور عباد الشمس و26% للبقوليات، و41% للقمح، و42% للحوم البقر، و45% للذرة الشامية، و50% لمجموع الحبوب، و78% للأسماك.
وتقول الحكومة المصرية إن ارتفاع أسعار القمح لأعلى مستوياتها على الإطلاق، مع الضغط الحالي على العملة المحلية، سيكلّف الدولة 3 مليارات دولار أعباءً إضافية، لافتا إلى أن بقاء سعر برميل النفط عند 122 دولار سيكلّف الموازنة 7.2 مليار دولار، ما يعني أكثر من 10 مليارات دولار زيادة في بندين اثنين.
كشف تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أن حوالي 193 مليون شخص في 53 دولة أو إقليما عانوا من انعدام الأمن الغذائي الحاد في عام 2021، وسط توقعات قاتمة لعام 2022.
أزمة غذائية بمصر
وإذا ما كانت هناك أزمة غذائية تلوح في الأفق، يقول مستشار وزير التموين سابقا، إسماعيل تركي، إن “الأزمة الغذائية في مصر أشد مما هو ظاهر للعيان، وسياسة وزارة التموين تقوم على تأجيل انفجار الأزمة حتى لو أدى إلى استنزاف الموارد، كما تقدم حلولا وهمية على حساب غيرها، فبدلا من وضع سعر عادل وحقيقي للرغيف السياحي، فإنها قامت بتحديد سعره بجنيه واحد، وألزمت به أصحاب المخابز، دون أن تفي هي بالتزاماتها بتقديم الدقيق بالسعر الذى حددته للمخابز، وكذلك فعلت مع الفلاح؛ اشترت منه القمح بسعر يساوى نصف السعر العالمي”.
وأوضح في تصريحات لعربي21، “تقوم وزارة التموين بتقدير الاحتياطي بناء على كمية الاستهلاك للعيش المدعم، والذى يستفيد منه 60% فقط من السكان، دون أن تضع في حسابها بقية السكان. ومع قلة المعروض من الخبز السياحي وارتفاع سعره، ازداد استهلاك الأرز، ما رفع سعره من 6 جنيهات للكيلو إلى 16 جنيها. ومع قلة الموارد المائية من جراء تبعات سد النهضة، فيتوقع أن تتحول مصر من دولة مصدرة للأرز إلى دولة مستوردة له، ما يفاقم الأزمة الغذائية”.
على مدار السنوات الماضية، أهدرت مصر -بحسب تركي- فرصا كبيرة؛ بسبب سياسات الحكومة الخرقاء، التي أدت لتوقف وسائل الإنتاج، وضعف الإنتاج الزراعي، ورفع مقدار المديونية، بحيث أصبح مقدار خدمة الدين أعلى من إجمالي الإيرادات، ما يحول دون قدرة الدولة على توفير الغذاء لكافة المواطنين، وينذر بحدوث انفجار وشيك”.
أزمة الغذاء في مصر “مزمنة”
بدوره، يؤكد أستاذ العلوم الزراعية، الدكتور عبد التواب بركات، أن “الأزمة الغذائية في مصر حقيقية وعميقة، بدليل ارتفاع أسعار الغذاء لأكثر من 15 بالمئة الشهر الماضي، وفق جهاز الإحصاء، وهي نسبة قريبة جداً من معدل ارتفاع أسعار الغذاء في أوكرانيا في الشهر ذاته، وكأن رحى الحرب تدور في مصر وليس في أوكرانيا”.
مضيفا، “وفي تقديري أن نسبة المصريين الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة الغذاء والذين لا يستطيعون الوصول إلى نظام غذائي كاف حاليا أكبر من النسبة التي أعلنتها منظمة الفاو نهاية السنة الماضية؛ بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا على ارتفاع أسعار الخبز وزيت الطعام والأعلاف، التي أدت إلى ارتفاع أسعار الدواجن والبيض ومعظم الأغذية”.
معاناة المواطن المصري بسبب ارتفاع أسعار الغذاء قديمة ومزمنة، كما يقول بركات، لكنها تفاقمت إلى مستويات حادة بعد 2013؛ بسبب حذف واستبعاد ملايين المصريين من منظومة دعم السلع التموينية والخبز، وتآكل قيمة الدعم النقدي، وهي التي كانت توفر الحد الأدنى من الأمن الغذائي المصري، والأداء الاقتصادي الفاشل، وتفاقم أزمة البطالة، وغياب المشاريع الزراعية الإنتاجية، وإهمال خطط الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الأساسية وعلى رأسها القمح والأرز والذرة والقطن.
داعيا في الوقت ذاته إلى “إعادة المحذوفين من منظومة دعم السلع التموينية والخبز بصفة عاجلة؛ لتقليل آثار الأزمة الغذائية على المواطنين، خاصة أنه حصل على مساعدات مالية كبيرة من دول الخليج ومؤسسات دولية لتأمين استيراد القمح والسلع التموينية”.
احتياطي غذائي آمن
في محاولة لطمأنة الشارع المصري، تقول الحكومة إن الأمن الغذائي في وضع مستقر حتى الآن، وإن الاحتياطي الاستراتيجي من السلع الغذائية يكفي 6 أشهر، وإن السلع متوفرة في الأسواق.
وقّعت مصر، مطلع الشهر الجاري، الاتفاقية الإطارية المعدلة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة بشأن توريد السلع الأساسية بحد ائتماني بقيمة 6 مليارات دولار.
وانخفض احتياطي البلاد من النقد الأجنبي إلى 35.5 مليار دولار نهاية أيار/ مايو الماضي من 37.1 مليار دولار في نيسان/ أبريل الماضي، وفق البنك المركزي المصري.