قلقيلْيَة.. مدينة فلسطينية حبيسة جدار الفصل العنصري
منذ 20 عاما، حوّل الجدار الإسرئيلي مدينة قلقيلْيَة شمال الضفة الغربية، والواقعة على خط الهدنة (حدود 1948)، إلى سجن كبير، غير أن آثاره ما تزال حاضرة في كل تفاصيل الحياة.
ويرى الفلسطينيون، أن الجدار الإسرائيلي يخنقهم، ويسرق جُلّ أراضيهم، وحوّلها إلى سجن، محاط بجدار أسمنتي وأسلاك شائكة.
وبدأت إسرائيل في بناء الجدار بين الضفة الغربية وإسرائيل، بذرائع أمنية عام 2002.
وفي عام 2004 اتخذت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة قرارا استشاريا، يقضي بإدانته وتجريمه.
ويحيط قلقيلية جدار بطول 11 كيلومترا، منها 3 كيلومترات مشيدة من الأسمنت المسلح بارتفاع 8 أمتار، ومزود بأبراج عسكرية وكاميرات مراقبة، و9 كيلومترات من الأسلاك الشائكة، والمزودة بمجسات إليكترونية.
وبعد بناء الجدار، أبقت إسرائيل مدخلا واحدا فقط للمدينة، من أصل خمسة، ويتحكم فيه الجيش الإسرائيلي.
وأظهرت صور جوية التقطها مصور الأناضول عبر طائرة تصوير مُسيّرة، أعمال تجريف إسرائيلية وبناء شبكة طرق في الجهة الغربية من الجدار، حيث أراضي المدينة المصادرة.
كما أظهرت صورا لأراضي زراعية خصبة، غير أن الوصول إليها صعب للغاية، بحسب مزارعين تحدثوا لوكالة الأناضول.
معاناة يومية
وبعد 20 عاما من بناء الجدار، يقول المزارع الفلسطيني علي زيد (55 عاما)، إن الجدار حوّل حياته إلى “معاناة دائمة ويومية”، حيث يملك نحو 50 دونما (الدونم يعادل ألف متر مربع)، خلف الجدار.
وأضاف، بينما يقف بجوار إحدى بوابات الجدار الفاصل قبيل دخوله إلى أرضه: “قبل الجدار كنت أصل المزرعة خلال دقائق معدودة، اليوم أحتاج نحو الساعة”.
ولفت إلى أن السلطات الإسرائيلية فرضت عليه الحصول على تصاريح خاصة لدخول أرضه.
وقال: “مُنعت من دخول الأرض لمدة 3 سنوات بدواعي الرفض الأمني، وبعد معركة قانونية سُمح لي بالحصول على تصاريح”.
ويزرع زيد في أرضه، حاليا، الحمضيات والمانجا، والأفوكادو، بينما كان يزرعها في السابق بالخضروات.
وأرجع تغيير نوع المزروعات إلى طبيعة الإجراءات الإسرائيلية، وعرقلة الدخول والخروج للمزرعة بسهولة.
ويضيف موضحا: “تتطلب الخضروات الوصول السريع للأسواق، في وقت محدد ولا يمكنها الانتظار”.
وتابع: “مزارعنا جنّة، لكنّ حياتنا تحولت بفعل الجدار إلى جحيم”.
وتعتبر قلقيلْيَة مدينة زراعية، لخصوبة أراضيها، ووفرة المياه فيها.
واتجه المزارعون في قلقيلية في السنوات العشر الأخيرة، إلى زراعة أشجار استوائية، حيث تمتاز المدينة بأجواء حارة ونسبة رطوبة مرتفعة لقربها من الساحل، ووفرة مياهها.
سرقة مياه وأراضي ومكره صحية
واتهمت عضو بلدية قلقيلية، منى عفانة، السلطات الإسرائيلية بسرقة أراضي المدينة ومياهها، وخلق مكرهة صحية، بفعل الجدار الفاصل.
وقالت عفانة بتصريح لوكالة الأناضول إن” السلطات الإسرائيلية عزلت خلف الجدار الفاصل 5 آبار مياه ارتوازية، من أصل 42 بئرا يملكها أهالي قلقيلية، وتقوم باستغلالها لمشاريع استيطانية، مما يُشكّل خرقا فاضحا للقانون الدولي”.
وأشارت إلى أن نحو 2500 دونم، من أخصب أراضي المدينة الزراعية، تمت مصادرتها خلف الجدار.
وتسبب الجدار في تدمير 600 منشأة حرفية وتجارية وزراعية، بحسب عفانة.
وأشارت عضو البلدية، إلى أن الجدار تسبب بمكرهة صحية في المدينة، حيث يمنع الجدار الأسمنتي والمُشيد من الجهة الغربية، تصريف مياه الأمطار، التي تتدفق مع مياه الصرف الصحي، وتُغرق المساكن والأراضي الزراعية والمدارس.
وقالت: “في فصل الشتاء تغرق المدينة، بفعل تجمع مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي، حيث خُصصت فتحتين فقط في الجدار لهذا الشأن.
وتابعت: “بقاء الجدار… يعني بقاء المعاناة”.
ويسكن مدينة قلقيلية نحو 65 ألف مواطن، في مساحة 4 آلاف دونم.
وبيّنت عفانة أن الكثافة السكانية في قلقيلية، تُعد عالية جدا، بواقع 15 ألف نسمة للكيلو متر الواحد.
وأشارت إلى أن ضيق المساحة، تسبب بعدم القدرة على التوسع العمراني، مما دفع للتوجه للبناء العامودي.
سجن كبير
ويقول، محمد أبو الشيخ، مسؤول ملف الجدار والاستيطان في محافظة قلقيلية (حكومي)، إن الجدار حوّل المدينة إلى سجن كبير.
وأضاف، إن “المدينة التي يسكنها نحو 65 ألف مواطن، تمت محاصرتها بجدار إسرائيلي من كافة الجهات، وأغلقت مداخلها الأربعة، وأبقت إسرائيل على مدخل وحيد”.
وتابع: “جندي إسرائيلي، وقت ما يشاء، يُغلق المدينة، وتتحول إلى سجن فعلي”.
وقال: “لا يوجد اليوم في مدينة قلقيلة مساحات للبناء، أو إقامة مشاريع كبيرة كمدارس مثلا”.
وأشار المسؤول الفلسطيني إلى أن إسرائيل تتحكم بدخول وخروج المزارعين الفلسطينيين من وإلى أراضيهم، داخل الجدار الفاصل، حيث تسمح لعدد محدد بالدخول لها عبر تصاريح خاصة، وفي أوقات معينة.