معركة الوعي (119).. “الأزرار”: قبّعة الإخفاء- من مئير كهانا إلى متان كهانا
حامد اغبارية
سواءً كان اسمه “متان كهانا” أو “مئير كهانا” فإن المرض واحد والمنطلقات واحدة والفكرة واحدة والهدف واحد. إنها النفوس المريضة والقلوب المليئة بالحقد والكراهية، والتي لا تطهّرها مياه المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار، بما فيها الأنهار التي سطا عليها المشروع الصهيوني في فلسطين، ناهيك عن اعتذار كاذب حاول “كهانا” بواسطته التخلص من ورطته.
ولا يظننّ أحدٌ أن المسألة مقتصرة على اليمين الإسرائيلي المتطرف أو على أفراد مصابين بذلك الوباء. فقد سبق لرئيس حكومة يعتبره كثيرون من “العرب الجيّدين” رجل اليسار الأول في المشروع الصهيوني، هو إسحق رابين، الذي كان عنده حلم أكثر تواضعا من حلم “متان كهانا”، حيث تمنى (فقط) أن يستيقظ ذات يوم ليجد أن غزة قد غرقت في البحر. ومثله “كهانا” الأكبر الذي أراد إبادتنا كليّا، ومثله رحبعام زئيفي الذي أراد تحميلنا في شاحنات وإلقائنا وراء الحدود، وعلى غرارهم أريئيل شارون وشمعون بيرس وبنيامين نتنياهو، كلّ حسب طريقته في “إخفائنا” من الوجود، ومثلهم نفطالي بينيت، “شريكنا الَّلزَم”.
القضية إذًا هي قضية مشروع وفكر وعقيدة وليست قضية أشخاص هنا وهناك.
قبل يومين أعرب نائب وزير الأديان الصهيوني “متان كهانا”، عضو حزب “يمينا” الذي يرأسه “شريكنا الَّلزم” نفطالي بنيت، عن أمنيته لو أنه كان يملك “زرًّا” يضغط عليه ليرسل جميع العرب في قطار سريع إلى سويسرا. وليس عبثا اختار “سويسرا” تحديدا. فهو لم يخترها لجمال طبيعتها، بل لأن “سويسرا” بالعبرية تعني “شفايتس”. وهنا لا يسعُك إلا أن تتخيّل أنه لم يكن يقصد “شفايتس” وإنما كان يقصد “أوشفايتس”؛ أحد معسكرات الإبادة التي استخدمها النازيون لإبادة اليهود. ومعروف أن القطار كان وسيلة النازيين لنقل اليهود إلى معسكرات الإبادة، وإلا ما الداعي للقطار مع “زرٍّ سحري” أشبه بقبّعة الإخفاء؟ الفكر النازي يتجلي في أوسخ صورة!
قال “كهانا” ما قاله أمام طلاب المدرسة الثانوية “ديرخ أفوت” في مستوطنة “أفرات” في الضفة الغربية المحتلة عام 1967.
والسؤال: بماذا تختلف هذه النظرية الكاهانية عن نظرية “الحلّ النهائي” لقضية اليهود في ألمانيا وأوروبا؟
إنه نفس المنطلق العنصري الذي يؤمن أصحابه بأنهم هم العرق الأفضل من بين سائر الأعراق البشرية، وأن هذه الأفضلية تمنحهم الحق في تخليص الفضاء مما علق به من طحالب وشوائب الأعراق الأخرى التي تسبب لهم الإزعاج لمجرد وجودها!!
وإذا كان لدى أحد شكّ في أن هؤلاء الطارئين على الوطن الفلسطيني يمارسون على شعبنا ما مارسته النازية عليهم فإن عليه أن يراجع معلوماته ويعيد قراءة التاريخ والأحداث، ويبحث عن خلفيات نظرية “العربي الجيد هو العربي الميّت”، وسائر نظريات “الحلّ النهائي” الذي يسعى المشروع الصهيوني بوسائل مختلفة إلى تنفيذه بحقّ الشعب الفلسطيني.
قبل سنوات كنتُ أراجع مع ابنتي الصغرى فقرة في أحد كتب التاريخ للصف السادس الابتدائي. وكانت الفقرة تتحدث عمّا تعرّض له اليهود في أوروبا عامة وفي ألمانيا خاصة في النصف الأول من القرن الماضي (قبل الحرب العالمية الثانية وأثناءها وبعدها). أخذت تلك القطعة من كتاب التاريخ وحذفت منها كل لفظ يشير إلى اليهود، ثم طلبت من طفلتي أن تقرأها. وبعد أن فعلتْ سألتُها: مَن هم الذين تتحدّث عنهم القطعة؟ فقالت دون تردد: عن الفلسطينيين.
نعم… إنها نفس المشاهد وذات الممارسات التي مارسها الاحتلال ضد أبناء شعبنا الفلسطيني إبان النكبة عام 1948 وفي الضفة والقطاع بعد احتلالهما عام 1967. وقد أكدت لي طفلتي أنها تتذكر كل هذه التفاصيل جيدا لأنها تشاهدها يوميا في التلفاز. لقد كانت الممارسات نسخة طبق الأصل دون نقصان.
ومما قاله “الكهانا الصغير” ذاك في تلك المحاضرة إنه لا يؤمن بحل الدولتين. “لقد طردونا من دولتنا قبل 2000 سنة، وانتظرنا الفرصة، فعدنا إلى دولتنا. نحن نؤمن أن “المُقدّس تبارك هوَ” (يقصد ربّ الجنود!!) منحنا الدولة، ولا يقولنّ لي أحد أنها ليست لنا كلّها… وطبعا عند العرب رواية أخرى يحكونها لأنفسهم، ونحن نعرف أنها كلام فارغ…”.
الآن لا بدَّ من توضيح من هو الذي “كلامه فارغ”!
- الحقيقة أن الله تعالى كان قد كتب الأرض المباركة لعباده الصالحين من بني إسرائيل، كما كتبها لعباده الصالحين الذين سبقوا بني إسرائيل، وكما كتبها لعباده الصالحين الذين جاءوا بعد عباده الصالحين من بني إسرائيل. فالشرط” إذًا، هو أن يكون من يستحق هذه الأفضلية من الصالحين. فهل يعتبر “متان كهانا” نفسه من الصالحين؟ وكيف يمكنه أن يثبت أنه كذلك؟ وهل هو أصلا من أحفاد بني إسرائيل الأصليين، أم أنه لا علاقة دم ولا نسب بينه وبينهم، وأنه من سلالة أناس انتسبوا لليهودية لاحقا، ولا علاقة لهذه السلالة ببني إسرائيل الذين تتحدث عنهم التوراة ويتحدث عنهم القرآن الكريم؟! إن هذا “المسخ” العنصري الذي نتحدث عنه لا يتمتع حتى بنسب السلالة مع بني إسرائيل سواء كانوا من الصالحين أو من غير الصالحين، وفي التالي لا يحق له أن يتحدث عن وعود وهمية يزعمون أن الربّ قطعها لـ “الشعب المختار”.
- جاء في توراتهم أن “الرب قال لإبراهام: اذهب من أرضك وعشيرتك ومن بين أبيك إلى الأرض التي أُريك. فذهب أبراهام كما قال الربّ، فأتَوْا إلى أرض كنعان، وظهر الرب لأبراهام وقال: لنسْلِك أُعطي هذه الأرض”. وفي مكان آخر من كتابهم: “وفي ذلك اليوم قطع الرب مع إبراهام ميثاقا وقال: لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات”.
هذا النصّان على الأقل يشكلان وحدهما ردّا على مقولة المسخ “كهانا الصغير” بخصوص رواية العرب التي يقول إنها “كلام فارغ”. فالعرب هم كذلك من نسل إبراهيم عليه السلام، الذي تتحدث عنه نصوص التوراة. فهم من نسل إسماعيل عليه اسلام، وإسماعيل هو بكر إبراهيم عليه السلام وأخو إسحق عليه السلام. فهل يحق لنسل إسحق ما لا يحق لنسل إسماعيل؟ هذا إنْ كان “كهانا الصغير” من نسل إسحق نسبا ودما أصلا! ولنترك لتقنية الـ “دي إنْ إي” تعطينا الجواب، إذا رغب “كهانا” في هذا، ولا أظنه يفعل!! لأنه ربما يخشى أن تقوده جيناتُه الوراثية إلى شعب أوروبي كان يؤمن بتفوُّق عرقه على سائر أعراق الدنيا!
- ولاحِظْ أن نص التوراة نفسه يتحدث عن أن الأرض أصلا هي أرض كنعان الذين هم من العرب. هذا إن كنا نريد أن نتحدث عمّن سبق الآخر في السكنى في هذه الأرض. ولستُ عن هذا أتحدث، وإنما عن منح الأرض المباركة لعباد الله الصالحين، وهو القائل سبحانه لداود عليه السلام في “الزَّبور: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّٰلِحُونَ} (الأنبياء 105). وداود عليه السلام هو من أنبياء بني إسرائيل، الذين لم يتركوا نقيصة أخلاقية إلا وألحقوها به (في توراتهم وتلمودهم) عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك يدّعون الانتساب إليه ويطالبون بما يزعمون أنها كانت مملكته في الأرض المقدسة!!
- فهل كانت هذه الأرض حقا خالصا لهذه المجموعة من البشر التي عرفت في التاريخ بنسل إسحق عليه السلام ومن بعده يعقوب عليه السلام؟ ألم تقل التوراة في سفر التكوين: “وظهر الرب لإبراهيم وقال له: “إن نسلك سيكون غريبا في أرضٍ ليست لهم”. فكيف يكون للغرباء حق في أرض ليست لهم؟؟
- ألم تذكر التوراة أن إبراهيم (عليه السلام) لما كبرت سنّه قال لخادمه: لا تأخذ زوجة لابني (المقصود إسحق) من بنات كنعان الذين أنا ساكنٌ في أرضهم، بل إلى أرضي وإلى عشيرتي تذهب”. وهذا اعتراف من إبراهيم (عليه السلام) بنصّ التوراة أنه يسكن في أرض ليست له، وأن له أرضا أخرى أمر عبده بالذهاب إليها! ثم إذا كان هؤلاء القوم يزعمون أن الرب وعد إبراهيم بالأرض المقدسة، وهذا يعني أنها ملك له ولنسله من بعده، فلماذا، إذًا، يدفع من ماله ثمن قطعة الأرض التي دفن فيها زوجه سارة عليها السلام في الخليل؟ ولمن دفع ثمنها؟ بنصّ التوراة: لأصحابها من كنعان!
- حقيقة المسألة أنها أكذوبة كذوبها وصدّقوها ووجدوا من يصدّقها من شعوب الأرض. وحقيقة المسألة أن الأرض المقدسة أو الأرض المباركة إنما هي حقٌّ خالصٌ لمن قبِل الشرط وحفظ العهد، بغض النظر عن نسبه وسلالة الدم التي ينتسب إليها. وهذه قاعدة ربانية لا تتغير ولا تتبدل من لدُن آدم عليه الصلام والسلام مرورا بنبي الله نوح فنبي الله إبراهيم فإسماعيل فإسحق فيعقوب فموسى فعيسى عليهم جميعا صلوات الله وسلامه، الذين جاءوا إلى أقوامهم برسالة السماء الواحدة التي هي الإسلام، وصولا إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم خاتم الأبيناء والمرسلين، الذي جاء للبشرية جمعاء برسالة الإسلام الواحدة التي سبق وجاء بها من سبقوه من أنبياء الله ورسلِه، وهي رسالة الإسلام الواحد الذي يحمل رسالة التوحيد الخالصة.
- معنى هذا الكلام أن نسب الدم أو العرق أو القومية أو الجنس لا يمنح أيًّا كان حقا في أن يدّعي له حقًّا في هذا الأرض.
- وللتفصيل أكثر أنصح بقراءة كتاب “أمة واحدة.. نبوّة واحدة” لفضيلة الشيخ رائد صلاح، ففيه الجواب الشافي على هذه المسألة لمن كان يبحث عن الحق.
- المُدهش في كلّ هذه المسألة أنك تتساءل: لو أن مشروع الحركة الصهيونية قد نجح تنفيذه في الأرجنتين أو أوغندا، فهل كان القوم سيدّعون وعدًا إلهيا لهم في أرضنا المباركة؟ أم كانوا سيجدون “نصوصا” تقول بأن الرب قد أعطى لأبرهام ونسله الأرض (المقدّسة) في الأرجنتين أو في أوغندا؟ وهل كان “متان كهانا” سيتمنى عندها لو أن عنده “زرّا” يضغط عليه ليرسل الأرجنتينيين إلى أستراليا أو الأوغنديين إلى الهند، رغم أن الأرجنتينيين والأوغنديين عندهم قصة ورواية يزعمون فيها أن لهم حقا في تلك البلاد، لكنه يبقى كلاما فارغا؟