عذرا أيتها الأيقونة شيرين أبو عاقلة
الشيخ رائد صلاح
شاهد أهل الأرض بالبث المباشر فاجعة مقتل الأيقونة الإعلامية وصوت فلسطين شيرين أبو عاقلة، ثمّ بعد مرور الساعات الأولى ثم الأيام الأولى على فاجعة مقتلها توالت ردود الفعل الغاضبة على مقتلها من برلمانات أهل الأرض ومن رجالات السياسة فيها، ومن رجالات الفكر والفن والأدب والإعلام، ومن جمعيات حقوق الإنسان، فظنّ شعبنا الفلسطيني وظنّت قناة الجزيرة، وظنت أسرة هذه الأيقونة المغدورة ، ظنَّ كلُّ هؤلاء خيرا، عندما سمعوا أن رجالات السياسة في أمريكا قد وقفت دقيقة حداد في مباني برلمانهم الفخم على مأساة هذه الأيقونة المغدورة، وظنّ كل هؤلاء خيرا عندما سمعوا أن بعض رجالات السياسة في أمريكا بدأت تطالب بفتح تحقيق شفاف حول ملابسات هذه المأساة وضرورة نيل القتلة العقاب المطلوب، ثم ظنّ كل هؤلاء خيرا عندما سمعوا أن رجالات السياسة في الكثير من الدول الأوربية على اختلاف أسمائهم ومناصبهم راحت تهدد بكلماتها الناعمة قتلة هذه الأيقونة المغدورة، بل تجرأت وأشارت بإصبع الاتهام صراحة إلى الاحتلال الإسرائيلي وحمّلته مسؤولية مقتل صوت فلسطين شيرين أبو عاقلة، ثم ظنّ كل هؤلاء خيرا عندما سمعوا أن رجالات السياسة في الصين واليابان وروسيا وبعض الدول الشيوعية- سابقا- خرجت عن صمتها وراحت تذرف دموع التماسيح على مشهد نعش هذه الأيقونة المغدورة بعد أن أسقطته قوات الاحتلال الإسرائيلي على الأرض وراحت تتوعد من ارتكب هذه الحماقة بالويل والثبور وعظائم الأمور، وراحت تطالب بضرورة الاستعجال بتقديم قتلة هذه الأيقونة المغدورة إلى محكمة الجنايات الدولية، ثم ظنّ كل هؤلاء خيرا عندما بدأت سلسلة من جمعيات حقوق الإنسان الدولية ومن وكالات الإعلام العالمية تعلن صراحة أنها أجرت تحقيقات جنائية حول ظروف مقتل صوت فلسطين شيرين أبو عاقلة فبيّنت كل التحقيقات أن الاحتلال الإسرائيلي هو المسؤول الوحيد عن مقتلها.
ثم مضى شهر على هذه الفاجعة، وكأني بكل هذه الأصوات قد إنخرست واختفت، وكأني بكل هذه الدموع التمساحية قد جفت وغارت في الأرض، وكأني بكل هذه التحقيقات الجنائية قد أوصدت عليها الأقفال، وبات القاتل مجهولا، أو فوق القانون، أو أعلى من المحاسبة، أو تحرم مساءلته، أو هو فوق البشر!! ثم باتت تصدر أصوات على استحياء من هذه المواقع المتكبرة- أمريكا وأوروبا والصين واليابان وروسيا- تطالب بعد مرور شهر على هذه الفاجعة بضرورة التحقيق في ملابسات مقتل صوت فلسطين شيرين أبو عاقلة، وكأن القاتل لا يزال مجهولا، أو كأنه نزل من صحن طائر وارتكب جريمته ثم طار إلى كوكب آخر، أو لعل هذه الأيقونة المغدورة- في حسابات تجار المخدرات السياسية هؤلاء- قد انتحرت ونحن لا نعلم!! لذلك أنا لا أعلم عن لعبة أقذر من هذه اللعبة القذرة التي يقوم بها هؤلاء!! فماذا ظنّ هؤلاء القوم المتكبرون في الأرض؟! هل ظن هؤلاء انّ شعبنا الفلسطيني وقناة الجزيرة وأسرة الأيقونة المغدورة هم مجرد أطفال سيرضوننا بمعسول الكلام؟! أم ظنوا أننا مجرد غاضبين بسبب هول صدمة هذه الفاجعة والمطلوب تنفيس غضبنا، مما دفع هؤلاء القوم المتكبرين في الأرض إلى مواصلة إطلاق فرقعاتهم الصوتية الجوفاء حتى إذا ما ظنوا أنه قد خمد غضبنا كفوا عن كل هذه الفرقعات الصوتية ثم وكّلوا مهمة مواصلة إطلاقها بين الحين والآخر وعلى موجة منخفضة جدا إلى بعض موظفيهم الذين يدورون في فلكهم ويُسبحون بأسمائهم.
ولذلك كم بات المشهد من المشاهد المضحكة المبكية عندما بدأت أقرأ من ضمن شريط الأخبار في الجزيرة أن أحد هؤلاء الموظفين الكبار يطالب بفتح تحقيق في ملابسات مقتل صوت فلسطين شيرين أبو عاقلة. أو عندما بدأت أشاهد مؤتمرا صحافيا لأحد هؤلاء الموظفين الكبار وهو يطل علينا من وراء البحار فيرفع يده تارة، ويلوي عنقه تارة أخرى، ويمط شدقيه تارة ثالثة، ويقلب عينيه تارة رابعة، ويرفع نبرته تارة خامسة معلنا كالليث الهزبر أنه يطالب بضرورة الإسراع بإجراء تحقيق في فاجعة مقتل هذه الأيقونة المغدورة وعدم التلكؤ في ذلك ولو لثانية واحدة!!!
وكل ذلك يعني أن قضية صوت فلسطين وصوت من لا صوت له، وصوت المظلومين والمستضعفين والمنكوبين، شيرين المغدورة، وشيرين التي سقطت مضرجة بدمائها، وشيرين المستهدفة في حياتها وبعد موتها، كل ذلك يعني أن قضيتها باتت في خطر، وهناك القوم المتكبرون في الأرض يسعون إلى طمس حقيقة مقتلها ومواصلة تصدقهم علينا ببعض الكلمات، وكأني بهم يواصلون المسح بأيديهم على رأس شعبنا الفلسطيني، وعلى رأس قناة الجزيرة، وعلى رأس أسرة الأيقونة شيرين أبو عاقلة، وكأني بهم يرددون وهم يمسحون على رؤوسنا: (اسكتوا يا شاطرين، وحافظوا على الهدوء، والتزموا بالنظام، ولا تزعجونا بأصواتكم، ولا تتوقعوا منّا أكثر مما أعطيناكم، فقد أعطيناكم أكثر مما تستحقون!!) نعم كأني بهم يمسحون على رؤوسنا بأيديهم المكسوّة بقفازات حرير أرستقراطية وهم يرددون هذه الجمل المغرورة التي باتت تشبه سجع الكهان وتمائم السحرة والضاربين بالمندل وهم يُلوّحون في الهواء بعصا هاري بوتر أو بمجامر بخور شعوذاتهم.
لذلك أمام هذا المشهد الذي يجسد اللعبة القذرة التي يقوم بها هؤلاء المتكبرون في الأرض فإنني أقترح على السلطة الفلسطينية وعلى قناة الجزيرة، وعلى أسرة الأيقونة المغدورة تشكيل طاقم محامين دولي من أمهر المحامين لمواصلة محاكمة قتلة صوت فلسطين شيرين أبو عاقلة في محكمة الجنايات الدولية، وعدم انتظار تحرك جدي ومخلص من هؤلاء المتكبرين في الأرض!! قبل أن نعض على أصابع الندم ونردد موجوعين متحسرين: إنك لا تجني من الشوك العنب!!، ولنعلم أنه يوم أن يستقيم ظل العود الأعوج، ويوم أن يعض الكلب ذيله، فقد يسقط من سراب هؤلاء المتكبرين في الأرض نقطة ماء.