“برج اللقلق”.. متنفس أطفال وشباب بلدة “القدس” القديمة
تُشكّل جمعية برج اللقلق، متنفسا لآلاف من الأطفال والشباب في البلدة القديمة من مدينة القدس الشرقية، إذ تنتعش مرافقه، البالغة مساحتها 9.5 دونمات، والملاصقة للسور التاريخي للبلدة القديمة، بالكثير من النشاطات الرياضية والفكرية والاجتماعية على مدار ساعات النهار.
بوجوده على أرض مرتفعة، في زاوية سور البلدة القديمة الشمالية الشرقية، تُشكّل جمعية برج اللقلق، متنفسا لآلاف الأطفال والشباب في البلدة القديمة، من مدينة القدس الشرقية.
وبدءا من ساعات الصباح وحتى ساعة متأخرة من المساء، تنتعش مرافق جمعية برج اللقلق المجتمعي، بالكثير من النشاطات الرياضية والفكرية والاجتماعية.
ويمكن من خلال مقر الجمعية، البالغة مساحته 9.5 دونمات، والملاصقة للسور التاريخي للبلدة القديمة، مشاهدة المسجد الأقصى بوضوح.
ويمكن الوصول إلى الجمعية من أرجاء البلدة القديمة، وأيضا من خارجها، عبر مدخل يصلها من خلال باب الساهرة، وآخر عبر باب الأسباط.
وتأسست جمعية برج اللقلق، في العام 1991 بهدف “الحفاظ على أرض برج اللقلق من الاستيطان الإسرائيلي”، بحسب منتصر ادكيدك، المدير التنفيذي للجمعية.
ويضيف ادكيدك، “في عام 1991، تم نشر مخطط من قبل بلدية الاحتلال ووزارة الإسكان الإسرائيلية ببناء 240 وحدة استيطانية على أرض برج اللقلق”.
وأضاف: “انتبه إلى هذا الأمر مجموعة من الغيورين على مدينة القدس وعلى رأسهم الراحل (القيادي الفلسطيني) فيصل الحسيني، وتم التوجه الى هذه الأرض وبدء تنظيم الفعاليات والأنشطة فيها، والمبيت فيها لأكثر من 40 يوما، من أجل الحفاظ على هويتها”.
وتابع ادكيدك: “في تلك الفترة كانت هناك عدة مداهمات من قبل المستوطنين وشرطة الاحتلال، ولكن بعد 40 يوما، تم إثبات الملكية بأنها تعود إلى عائلتين مقدسيتين”.
ولكنّ الفلسطينيين لم يتمكنوا من استرجاع الأرض كاملة، إذ استولى مستوطنون من جمعية “عطيرات كوهانيم” الإسرائيلية على أكثر من 5 دونمات.
ويذكر فلسطينيون أن أرض برج اللقلق، هي الوحيدة في القدس الشرقية التي أقيمت عليها يوما، جلسة للمجلس التشريعي الفلسطيني (البرلمان الفلسطيني المؤقت).
كان ذلك في العام 1998، حيث وصل أعضاء المجلس التشريعي الأول برئاسة أحمد قريع، ولكنهم تعرضوا لاعتداء كبير من قبل الشرطة الإسرائيلية.
وقال ادكيدك: “في العام 1998 أقدم مستوطنون على وضع منشآت لهم على الأرض، فعُقد على أرض برج اللقلق أول اجتماع للمجلس التشريعي الفلسطيني وتم تكسير هذه المنشآت، ووقعت صدامات على الأرض وأعلنت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو تراجعها عن إقامة المستوطنة”.
وأضاف: “في حينه، تم تثبيت ملكية الأرض بنسبة 100٪ لعائلتين مقدسيتين، وتم التراجع عن المخطط الاستيطاني، ومنذ ذلك الحين تقع جمعية برج اللقلق على أرض بمساحة 9.5 دونمات من أصل 15 دونما، والباقي سيطر عليه المستوطنون”.
وتقدم الجمعية، الخدمات للأطفال والشباب بالبلدة القديمة، منذ تأسيسها، ولكنها توسعت منذ ذلك الحين، لتصبح من كبرى الجمعيات في القدس الشرقية.
وقال ادكيدك: “برج اللقلق، هو عبارة عن مركز مجتمعي بالكامل، ونحافظ على الأرض لخدمة الأطفال والشباب والنساء المقدسيين”.
وأضاف: “لدينا ملعب كرة قدم رئيسي، وهو القلب النابض لهذه الجمعية، وملعب كرة سلة، تجري فيه تدريبات للفتيات بكرة السلة، وخيمة البرج، التي تنظم فيه الأنشطة الرياضية المختلفة مثل الجودو والتايكواندو”.
وتابع: “لدينا منارة البرج التي يتم فيها تنظيم دورات المهارات الحياتية، بشكل يومي للشباب المقدسي ومكاتب إدارية، وروضة البرج التي فيها صفين و40 طالبا من أبناء حارة باب حطّة، ومعمل الخزف فيه 6 طالبات يتعلمن في كل فصل دراسي صيفي فن الخزف كتعليم مهني، ومختبر الحاسوب الذي تنظم فيه الدورات التي تتعلق بالحاسوب وغيرها من الأنشطة”.
ويوضح ادكيدك أن ما بين 300 إلى 500 شخص يزورون الجمعية بشكل يومي، للمشاركة في برامج مختلفة، مضيفا: “البرنامج الرياضي وحده فيه مئات المشاركين، وباقي الدورات والمهارات تغطي على مدار الأسبوع 200 إلى 300 مشارك”.
ويعتبر ادكيدك، الذي كان يتحدث في داخل الجمعية: “هذا المكان هو مساحة آمنة اليوم للشباب والأطفال والنساء المقدسيين، ويأتون من أجل الاستفادة من خدماتنا وبشكل مجاني أو رمزي جدا”.
وتلاصق الجمعية حارة باب حطة، وهي من كبرى الحارات الفلسطينية في بلدة القدس القديمة، وأيضا حارة السعدية، وهي أيضا من كبرى الحارات في البلدة.
.وقال ادكيدك: “عندما تتكلم عن مكان مثل حارة باب حطة أو حارة السعدية، فأنت تتكلم عن أكثر من 14 ألف نسمة والأطفال بحاجة إلى مساحات وأماكن للعب وبرامج تعليمية وترفيهية ما بعد المدرسة، وأيضا برامج مساندة لهم للدراسة وبالتالي فإن برج اللقلق وغيره من المراكز الأخرى هي أماكن مريحة ومساندة للشباب”.
وأضاف: “برج اللقلق هو المكان الأكبر بعد المسجد الأقصى المبارك، كمساحة مفتوحة داخل أسوار البلدة القديمة، وهنا التحدي الكبير في الحفاظ على البرج وتقديم ال =خدمات للأطفال والشباب”.
وترفض الغالبية العظمى من الجمعيات الشبابية الفلسطينية في القدس الشرقية، الحصول على أي تمويل مالي من المؤسسات الإسرائيلية، وهذا ما يجعل هذه الجمعيات تعتمد على التبرعات المحلية والمساعدات الخارجية.
ولكنّ هذه المساعدات غالبا، لا تكفي لتمويل نشاطات الجمعيات الفلسطينية، وخاصة الكبيرة منها مثل برج اللقلق.
وقال ادكيدك: “مثل أي مؤسسة مقدسية، نحن نواجه مشاكل في التمويل، لأنه لا يوجد ديمومة في التمويل وبعض التمويل مشروط ونحن نرفضه، فنحاول ان يكون تمويلنا من خلال جهات مقبولة لا تحمل أي تمويلا مشروطا، وهدفنا أن يكون تمويلنا واضحا وصريحا، وبرامج واضحة وصريحة في خدمة الأطفال، ولكننا نتغلب في قضية التمويل ونستقبل فقط المال الذي لا خلاف فيه او إشكالية”.
وحاليا، يعمل في جمعية برج اللقلق المجتمعي، 13 موظفا.
وقال ادكيدك: “في بعض الأحيان كان عدد الموظفين يصل الى 27 موظفا، ولكن رفضنا للتوقيع على بعض المنح المشروطة، أجبرنا على خفض العدد بسبب ضعف إمكانيات التمويل”.
وبين الفينة والأخرى، تداهم الشرطة الإسرائيلية مقر الجمعية.
وقال ادكيدك: “كلنا نعرف أن هذا المكان يحافظ على هوية فلسطينية واضحة للمدينة، وهي هوية نفتخر بها، وسيبقى هذا المكان بهويته الفلسطينية وهم سيحاولون دائما فرض الهوية الإسرائيلية وهو صراع لن ينتهي”.
وأضاف أن السلطات الإسرائيلية “منعت دوري العائلات المقدسية في العام 2019 وكانت الحجج واهية وهي ادعاء تمويل الدوري من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية، بينما كان التمويل من رجل أعمال فلسطيني، وبالتالي كانت حجة لإيقاف دوري كرة قدم، قادر على جمع الكل المقدسي في أرض البرج، وأن يكون هناك أكثر من 3 آلاف متفرج بشكل يومي”.
وتابع: “هذا الدوري انطلق في العام 2017 بمشاركة 73 عائلة، وفي العام 2018 كانت 128 عائلة، وفي النسخة الثالثة وصلنا إلى 175 عائلة ولكن الاحتلال أوقف الدوري ومنعه”.
ومع وصول جمعية برج اللقلق إلى مراتب متقدمة، فإن لمنتصر ادكيدك “حلم”.
ويقول في هذا الصدد: “نحلم أن يتم تطوير هذا المكان ليكون حاضنة حقيقية لكل الأطفال والشباب المقدسيين، فهي بحاجة للبناء، وبحاجة لمسابح، إلا أن الاحتلال يمنع منح أي رخصة للبناء هنا، وحاولنا تقديم تنظيم ورخصة لبناء مسبح للأطفال ولكن تم رفض المخطط بشكل كامل”.
وأضاف ادكيدك: “نحن نطمح ونحلم أن يكون لدينا مسبح يليق بأبناء هذه المنطقة والبلدة القديمة، لخدمتهم بشكل حقيقي”