في إسرائيل..”جيش يملك دولة”
تاريخيًّا، كان المستعمر القادم من خلف البحار أقوى من ضحيته، لكنه رحل مجبراً بعد طول مكوث مع فارق الإمكانات المادية والعسكرية، فقد “أدمت بعوضةٌ مقلة الأسد”.
هذا الجيش الذي تفاخرت به “إسرائيل” منذ نشأتها، يلوث الآن سمعتها الأخلاقية في العالم وهو يرتكب جرائم متكررة، و قادته متهمين بارتكاب جرائم حرب.
لا تعد القوة التدميرية والقدرة العسكرية عوامل حاسمة في صراع المستعمر مع ضحية يمارس معها تفرقة عنصرية وعدوانا ينتهك صراحة القوانين الدولية والإنسانية كافة.
في إسرائيل “جيش يملك دولة” ويدير دفّة الصراع على الأرض بيد طليقة وإمكانات هائلة تخصف على سوءته دول حليفة أسقطت من حساباتها معادلة “الأيام دول” وهي تدوس كرامة الإنسان وتجيز المحرم.
تفوق الجيش الإسرائيلي على محيطه في الشرق الأوسط منذ نشأة “إسرائيل” عام 1948م، لكنه في العقدين الماضيين مع تنامي قوة المقاومة من حوله، أضحى عاجزاً عن حسم المشهد لصالحه رغم امتلاكه أسلحة دمار شامل.
ويعد جيش “إسرائيل” عاشر قوة عسكرية في العالم من حيث عدد الجنود والعتاد الحربي واللوجستي؛ فهو عاشر قوة برية قوامها 187 ألف جندي نظامي، و565 ألف احتياطي، و1964 طائرة، منها 689 مروحية، و3230 دبابة، إضافة إلى 64 قطعة عسكرية بحرية.
جيش يملك دولة
لم يفقد الجيش الإسرائيلي فقط جزءًا مهماً من قوة ردعه، بل تهاوت سمعته الأخلاقية والقانونية أمام قفص المحكمة الجنائية الدولية التي تتجهز كل مرة لاستقبال قادته بعد ارتكاب جرائم حرب.
أداء وحدات الجيش الإسرائيلي وشرطة “إسرائيل”، مرتبك، وتعاني من ثغرات رغم إمكاناتها المتفوقة عن محيطها في مرحلة من الصراع تشبه صلف المستعمر الفرنسي قبيل تحرير الجزائر، أو انتهاء زمن التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا.
ويؤكد الخبير في الشئون الإسرائيلية ناجي البطة، أن الجيش الإسرائيلي تعود نشأته لتأسيس عصابات “الهاجاناه” عام 1921م، ومنها تشكلت النواة الأولى لجيش “إسرائيل” عام 1948م.
ويضيف، “كما قال بن غوريون, إسرائيل جيش له دولة، وهذا غريب، لكن بن غوريون يؤكد أن إسرائيل لا مكان فيها للضعفاء؛ لأن لها جيش يحميها وكل أعباء منظومة دولة إسرائيل ملقاة على الجيش”.
وأصدر الكنيست الإسرائيلي العام 1976 قانوناً أساسيًّا عرف فيه الجيش الإسرائيلي بأنه: (جيش الدفاع الإسرائيلي، هو جيش الدولة، وأن الجيش خاضع لإمرة الحكومة) وحسب القانون الأساسي فإن التجنيد للجيش الإسرائيلي هو إجباري.
يتفوق الجيش الإسرائيلي على محيطه في الإمكانات التكنولوجية والأسلحة عامةً، وتصدر المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية أسلحة وقدرات نوعية لدول العالم، خاصة في مجال “الهايتك”.
وتشير كثير من المصادر أن “إسرائيل” التي أسست برنامجها النووي عام 1952م تملك ما بين 100 و200 قنبلة نووية بينما يُعد امتلاكها سرب طائرات إف 35 مؤخراً، تفوقا كبيرا على دول الجوار.
ويقول الخبير في الشئون العسكرية اللواء يوسف شرقاوي، إن الجيش الإسرائيلي يعاني في السنوات الأخيرة من تضرر صورته في الداخل والخارج أمام العالم بسبب ارتكابه جرائم كبيرة.
ويتابع، “قتل الجيش الصحفية أبو عاقلة، وهذا أظهر حقيقته أمام العالم وأمام المجتمع الإسرائيلي نفسه، وهو مشغول مؤخراً بتصاعد المقاومة في جنين والقدس، خاصة بعد معركة سيف القدس، وارتفاع مستوى تحدي الفلسطينيين له”.
كسر الفلسطيني مع تصاعد المقاومة الشعبية في السنوات الأخيرة حاجز الخوف وهو يتصدون لجيش مدجج بالسلاح، وتلاشى عامل الخوف حسب كثير من المراقبين، الأمر الذي أفقد الجيش جزءًا كبيرًا من هيبته خاصة مع تطور أداء المقاومة داخل وخارج “إسرائيل”.
طاقة محدودة
تعديل قواعد الاشتباك مع تطور أداء المقاومة الفلسطينية واللبنانية منذ عام 2000م، وسقوط نظرية “جيش لا يقهر” منذ هزيمته في حرب 1973م، يرخي بظلاله على أداء ومستقبل الجيش الإسرائيلي.
ونشرت تقارير إسرائيلية قبل عام عن زيادة في أعداد المتسربين من الجيش، وتفضيل معظم الجنود العمل في وحدات السايبر والعمل الأمني خشية التماس مع مقاومين أشداء أوقعوا جنوده أسرى وقتلى.
ويرى الخبير البطة أن للجيش الإسرائيلي اجتماعا أسبوعيا غير معلن بعيدا عن الأضواء، تُقيِّم فيه قيادة القوات المسلحة كل يوم أحد المشهد من خلال اجتماع 24 ضابطا من رئاسة الأركان وقادة الأسلحة والمستشارين.
ويصف الخبير البطة الجيش الإسرائيلي بأنه جيش احترافي محدود العدد، يعتمد على الأمن لاختراق دول الطوق والإقليم، وله تحالفات عالمية، ويحاول تأسيس تحالفات عسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية ودول مجاورة.
لا يعبأ الجيش والمخابرات في المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية لأي اعتبارات وهو ينفذ مهمات سخر من أجلها كل الإمكانات؛ لأن مهماته مقدسة، ويدافع حسب تحليل الخبير “البطة” عن وجود الكيان.
ورفض الجيش الإسرائيلي القيام بتحقيق منذ الساعات الأولى لاغتيال مراسلة الجزيرة الصحفية شيرين أبو عاقلة مايو الجاري، متجاهلاً كل الانتقادات لجرائمه الصريحة كما يحدث في جرائم الإعدام الميداني وعدوان غزة المتكرر.
يخشى الجندي الإسرائيلي من التماس مع المقاتل الفلسطيني، ويعد أسر جندي إسرائيلي واحد أمر حساس حسب رؤية الخبير “البطة”، خاصةً إذا كان من الجنود “الإشكناز” وليس جنديا من “الحريديم” أو عربيا يخدم في الجيش.
ويتابع: “للكيان تركيبة اجتماعية خاصة، فهو يعتمد على الهجرة الوافدة وليس النمو السكاني، والصراع الديمغرافي مسألة خطيرة في “إسرائيل” والجنود باتوا يتهربون من الجيش وخدمة الاحتياط، خاصة بعد تعرض بعضهم للقتل بيد الجيش حين أسرت المقاومة عدداً منهم وفق بروتوكول هنبعل”.
ولا تلبي القوة البشرية برامج الجيش الإسرائيلي وطموحه التوسعي؛ لذا فإن مستقبل المواجهة والصراع الديمغرافي بين الإسرائيليين والفلسطينيين لن يخدم “إسرائيل” ويكشف ضعفها الواضح.
وحسب اتفاقية عام 1947م في “إسرائيل” يعفي اليهود “الحريديم” والعرب داخل “إسرائيل” من التجنيد الإجباري، وبذلك يكون 40% من سكان الكيان لا يخدمون في الجيش.
ويفسر الخبير “شرقاوي” سلوك الجيش الإسرائيلي المعتمد على القتل المباشر مؤخراً؛ بأنه محاولة لرفع معنويات جنوده المتهاوية لإرهاب الفلسطينيين حتى يصلوا لمرحلة الإذعان وكسر الإرادة.
ويتابع: “كسر الإرادة بالقوة تقابل الآن بتحدٍّ أكبر وردة فعل متحدية، وانفجار غزة والضفة الوشيك سببه عدوان الجيش وجرائمه، وانسداد الأفق السياسي، وأخطاء السلطة الفلسطينية، وإحباط الشبان الفلسطينيين”.
“جيش يملك دولة..” ظاهرة تنفرد بها “إسرائيل” في العالم بعد أن نفذ الجيش تطهيرا عرقيا في نكبة 1948م؛ حيث يركز الجيش على إقحام عقدة الخوف في قلوب العرب.