بداية النهاية..
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
على الرغم من محاولات المؤسسة الإسرائيلية أن تظهر للعالم قوتها العسكرية ومكانتها السيادية السياسية على مستوى المنطقة بشكل خاص، ومستوى العالم بشكل عام، إلا أن بوادر الضعف، والهزال باتت واضحة على كينونتها، خاصة بعد موجة الاستقالات المتتالية التي سببت هشاشة في الاستقرار الحكومي، لا سيّما بعد الحالة غير المسبوقة من الانقسام الداخلي الذي تعيشه المؤسسة الإسرائيلية، والذي مرجعه إلى عدم التجانس والتوافق بين أطياف المجتمع الإسرائيلي الذي جاء من دول عدة وثقافات مختلفة، واختلافات عرقية واجتماعية، وصراعات بين العلمانيين والمتدينين، واليهود الأشكناز واليهود الشرقيين.
فكل هذه الصراعات ظهرت على السطح وبشدة مع غياب جيل المؤسسين للدولة الصهيونية، الذين كان جلّ همّهم وأعظم أهدافهم بناء الدولة والعمل على توطيد أركانها، وكذلك تولي جيل الأبناء سدة الحكم، والسير على خطى المؤسسين في خلق فترة الرخاء الاقتصادي والتطور العمراني والقوة العسكرية المهولة.
جاء جيل الأحفاد الذي همه الأول مصالحه الشخصية والحزبية، وتقديمها على مصلحة الدولة، بدأنا نلحظ معاول الهدم الذاتي تعمل عملها في جسد الدولة الإسرائيلية! وكأنها تؤكد نبوءة أن دولة اسرائيل لن تعمر أكثر من 80 سنة، وهذا ما يتخوف منه قيادات المؤسسة الإسرائيلية، الذين يظنون أن لعنة العقد الثامن ستصيبهم، كما أصابت العديد من دول أخرى كذلك. فعلى سبيل المثال: أمريكا التي نشبت فيها الحرب الأهلية في العقد الثامن من عمرها، والإتحاد السوفياتي الذي تفكك في العقد الثامن من عمر الثورة الشيوعية، وألمانيا تحوّلت إلى دولة نازية في عقدها الثامن مما أدى إلى انقسامها، وإيطاليا تحوّلت إلى دولة فاشية في عقدها الثامن، وثورات الربيع العربي التي قامت في العقد الثامن من عمر تلك الدول.
لذلك، هنالك تخوفات باتت واضحة من هذه العقدة، وقد ظهرت هذه التخوفات على لسان قادة وساسة ومحللين تفيد أن هنالك نبوءات تلمودية تؤكد زوال دولة إسرائيل في العقد الثامن. ومن أهم هذه التخوفات ما أفصح عنه:
- رئيس الوزراء الأسبق إيهود بارك: الذي أعرب عن مخاوفه من انهيار إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ 80على تأسيسها.
- بنيامين نتنياهو: الذي صرّح خلال خطاب له في العام 2017 أنه حريص أن تبلغ إسرائيل المئوية الأولى، لكن التاريخ يخبره أنه لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة في كل تاريخها.
- المحلل الإسرائيلي آري شافيط: اجتزنا نقطة اللاعودة وإسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة، ولا طعم للعيش فيها، والإسرائيليون يدركون منذ أن جاؤوا إلى فلسطين أنهم ضحايا كذبة اخترعتها الحركة الصهيونية استخدمت خلالها كل المكر لإقناع العالم أن فلسطين أرض بلا شعب وأن الهيكل المزعوم تحت المسجد الأقصى. واختتم مقالته: حان وقت الرحيل إلى سان فرانسيسكو أو برلين.
- أبراهام بورغ رئيس الكنيست الأسبق: ذكر في مقال نُشر في صحيفة “واشنطن بوست”، أن إسرائيل على أبواب نهاية الحلم الصهيوني وتتجه نحو الخراب، ودعا في مقالته الإسرائيليين إلى امتلاك جواز سفر آخر، كما أوضح أنه هو نفسه يمتلك جواز سفر فرنسيًا.
ومن الجدير ذكره أن هذه التخوفات لم تأت من فراغ، وإنما جاءت من خلال صمود الشعب الفلسطيني ورفضه للاستسلام، خلال كل هذه المدة من الاحتلال، وكشف حقيقة أن هذه أرض لشعب له جذور وتاريخ فيها ليس كما يدعي الصهاينة، وأن وقفة هذا الشعب الفلسطيني أمام مؤامرات تهويد وتقسيم المسجد الأقصى والتصدي لاقتحامات المستوطنين، لهي خير دليل على أن هذا الشعب يعود لهذه الأرض، وأن مقولة غولدا مائير: الكبار يموتون والصغار ينسون قد أثبتت فشلها، وأظهرت أن الصغار ثابتون متشبثون بهذه الأرض، وما نراه من مشاهد للإرهاب الإسرائيلي وعنف الشرطة المفرط ما هو إلا دليل ضعف لا دليل قوة، فقد أصبحوا كمن يرقص الرقصة الأخيرة، لذلك فكما أنهم يعيشون بنفسية مهزوزة تنتظر النهاية، فنحن نعيش بنفسية المنتصر والظافر ولو بعد حين لأننا نؤمن أن النصر والتمكين من نصيب المظلومين لأن الظالمين يوقعون على شهادة زوالهم بظلمهم وجبروتهم.