تعرف إلى أبرز ملامح “الجمهورية الجديدة” لقيس سعيّد
انتهت، ليل الثلاثاء/ الأربعاء، المهلة التي خصصتها لجنة “الجمهورية الجديدة” بتونس لأعضائها من أجل صياغة التصورات الجديدة للـ40 سنة القادمة، بحسب رئيس اللجنة الصادق بلعيد، الذي عيّنه رئيس البلاد قيس سعيّد.
ومطلع الشهر الماضي، أعلن سعيّد عن تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد، مؤكداً على أنها ستختتم أعمالها في غضون أيام، في خطوة أثارت ردود فعل غاضبة وانتقادات.
وصدر في الجريدة الرسميّة مرسوم رئاسي لإحداث هيئة وطنيّة مستقلّة تُسمّى “الهيئة الوطنيّة الاستشاريّة من أجل جمهوريّة جديدة” تتولّى “تقديم اقتراح يتعلّق بإعداد مشروع دستور لجمهوريّة جديدة، ويُقدّم هذا المشروع إلى رئيس الجمهورية”.
وتتفرّع من هذه الهيئة لجان ثلاث، هي “اللجنة الاستشاريّة للشؤون الاقتصاديّة والاجتماعية” و”اللجنة الاستشاريّة القانونية” و”لجنة الحوار الوطني”، بحسب بيان لرئاسة الجمهورية.
وبحسب خارطة الطريق التي كشف عنها الرئيس التونسي نهاية العام الماضي، فإن من المنتظر أن تكتب اللجنة المكلفة مشروع دستور جديد بناء على المقترحات المجمعة من الاستشارة الإلكترونية، التي لم يشارك فيها سوى 7 بالمئة من المعنيين بالحق الانتخابي، قبل أن يقع عرض المشروع على استفتاء شعبي في 25 تموز/ يوليو المقبل.
وبعد ذلك، سيدعو سعيّد التونسيين للمشاركة في انتخابات تشريعية، دون رئاسية، سابقة لأوانها بناء على النظامين السياسي والانتخابي الجديدين، في ذكرى اندلاع الثورة التونسية الموافقة لـ17 كانون الأول/ ديسمبر 2022.
ومن المنتظر أن تقدّم لجنة “الجمهورية الجديدة” مشروع الدستور للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في حدود تاريخ 30 حزيران/ يونيو الجاري، على أن يقع عرضه على استفتاء في 25 تموز/ يوليو، بحسب ما كشفه عضو هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري ، في تصريح سابق لعربي 21.
ومنذ ظهوره على الساحة السياسية في ربيع 2011 عقب الثورة كخبير ومختص في القانون الدستوري، فقد عبّر الرئيس التونسي الحالي قيس سعيّد عن رؤية مختلفة للدولة ولتنظيم السلطات.
وخلال النقاشات العامة حول دستور 2014، قدّم سعيّد عديد المقترحات حول صياغة الدستور في وثيقة حملت عنوان “من أجل تأسيس جديد”، قبل أن يضمنه في حملته الانتخابية عند ترشحه لرئاسيات 2019، بعد أن رفض المجلس الوطني التأسيسي تبني مقترحاته.
ومن المفترض، أن تنطلق لجنة “الجمهورية الجديدة، المخول لها كتابة الدستور الجديد، من وثيقة التأسيس التي طرحها سعيّد في 3 آب/ أغسطس 2013، والتي تضمنت فهما مغايرا لممارسة العملية الديمقراطية وفق “فكر سياسي جديد” وجبت ترجمته في “نص دستوري جديد”، على حد تعبير أستاذ القانون الدستوري في ذلك الوقت.
وبحسب الوثيقة، فإن سعيّد أطلق على مشروعه السياسي تسمية “البناء الديمقراطي القاعدي” القائم على مبدأ الديمقراطية المباشرة، حيث يتكون الهرم المقلوب من ثلاثة مستويات، وهي المجالس المحلية، والمجالس الجهوية، والمجلس الوطني الشعبي (البرلمان).
ويتكون هذا الهرم في أعلى مستوى له من مجالس محلية على عدد المعتمديات في تونس، أي 264 مجلسا محلياً، يتم انتخاب أعضائها وعضواتها عن طريق الاقتراع المباشر على الأفراد من كل عمادة (منطقة ترابية بحسب وزارة الداخلية، وهي أصغر قسم إداري بالجمهورية التونسية لا يتجاوز عدد سكانها الـ10 آلاف نسمة).
وينبثق عن هذه المجالس، مجالس جهوية على عدد الولايات في تونس البالغ عددها 24، فيما يعُد كل مجلسٍ عضوا واحدا ممثلا عن كل معتمدية.
أما البرلمان أو “المجلس الوطني الشعبي” فهو يمثل أسفل هرم السلطة وينبثق أعضاؤه عن المجالس المحلية، فيما يكون للناخبين حق سحب الوكالة من أعضاء البرلمان، عبر المجالس المحلية والجهوية.
1. المجالس المحلية
يتكون المجلس المحلي من: ممثل منتخب عن كل عمادة، والمشرف على الأمن، وممثلي الإدارات المحلية (لا يتمتعون بالحق في التصويت داخل المجلس) بالمعتمدية، إن وجدت، وممثل محلي عن ذوي الإعاقة.
ويتم انتخاب أعضاء المجلس المحلي بطريقة الاقتراع المباشر على الأفراد في دورتين انتخابيتين باحتساب ممثل واحد عن كل عمادة، فيما لا يُقبل الترشح من الهيئة المعنية إلا بتزكية سابقة من الناخبين.
ويشترط نظام التزكية على التناصف بين النساء والرجال في قائمة الناخبين، على أن يكون نصف الناخبين أقل من 30 سنة، فيما يكون 25 بالمئة من الناخبين من أصحاب الشهادات العليا.
في المقابل، يقع تعيين المشرف على الأمن، الذي يضطلع بدور الحكم في المجلس، فيما تتم تزكيته من قبل الأغلبية المطلقة من الأعضاء المنتخبين في المجلس المحلي.
ويضطلع المجلس المحلي بمهام وضع مشاريع التنمية في المعتمدية وسلطة الرقابة، على أن يمارس الناخبون الرقابة عبر القدرة على سحب الوكالة في أي وقت طيلة المدة النيابية.
وعن طريقة سحب الوكالة من أعضاء المجلس المحلي، قال الباحث في القانون عدنان الكرايني إن “النص الخاص بالرئيس لم يحدد هذا الإجراء. وهو ما يجعل التعسف في استعمال هذه الآلية ممكنا خاصة مع فتح باب الاجتهاد والتأويل على مصراعيه”.
وأضاف: “كان الأجدر تحديد جهة المبادرة بسحب الوكالة والعدد الأدنى المطلوب لصحة الإجراء شكلا، والجهة التي ستثبت في جدية المطلب وتطابق الوقائع مع الوضعية القانونية، وتكون الجهة القضائية هي التي تحكم بسحب الوكالة. لكن النص لا يتضمن هذا التنظيم”.
وعن الإمكانيات المالية لهذه المجالس، فقد اعتبر المختص في القانون أن “سعيّد يرى أن هذه المجالس ستعوض مؤسسات الحكم الحالية. لذلك فهو يعول كثيرا على أن تتولى مجالسه هذا الحكم وتصبح ميزانية الدولة تحت تصرفها. وهذا عين النظام المجالسي الذي كان سائدا في ليبيا زمن الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي”.
وفي إجابة عن سؤال “هل تنفذ هذه المجالس مشاريع التنمية أم تكتفي بوضعها؟”، أفاد الكرايني بأن “النص لم يوضح هذا الأمر. وهو نقيصة رئيسية فيه. والملاحظ أن فئة قليلة لها حق التصويت. ويحرم منها مديرو الإدارات الحكومية، وهي التي ستنفذ وهي التي ستكون معنية أكثر بتحويل المشاريع إلى إنجازات وهي التي تعلم علم اليقين مدى الإمكانيات المتاحة، وحرمانها من حق التصويت خلل كبير”.
وعن مصير الهياكل البلدية التي وضعها دستور 2014، اعتبر المختص في القانون أن “تصوّر سعيّد ينبني على إزاحة الديمقراطية التمثيلية التي تعتبر المجالس البلدية وهياكلها جزء منها، وبالتالي فإنها ستكون من العناصر التي سيتم إنهاء العمل كليا لها. وكثيرا ما انتقد قيس سعيد عمل البلديات وهو يشير إلى ضرورة العودة إلى المركز”.
2. المجالس الجهوية
يتكون المجلس الجهوي من ممثل عن كل مجلس محلي ومديري الإدارات الجهوية في الولاية (لا يتمتعون بالحق في التصويت داخل المجلس)، وممثل جهوي عن ذوي الإعاقة.
ويتمتع أعضاء المجالس المحلية باحتساب ممثل واحد عن كل معتمدية بحق التصويت في المجلس الجهوي، حيث يمثل كل عضو المجلس الذي ينتمي إليه لمدة محددة يضبطها القانون، ليعوض بآخر من نفس المجلس الذي هو عضو فيه وفق عملية قرعة تنظم في بداية كل مدة نيابية.
ويضطلع المجلس الجهوي بمهمة التأليف بين مختلف المشاريع التي تم وضعها على المستوى المحلي، وسلطة الرقابة، والتداول على تمثيل اللجان المحلية وفق قرعة تنظم في كل مدة نيابية.
وعن إطار الدور الإستشاري لممثلي الإدارات الجهوية في المجلس، فقد اعتبر عدنان أن “هذا خلل كبير، فإذا كان المجلس الجهوي هو الذي سيضع المشاريع عبر التأليف بين المشاريع المحلية، وهي عبارة تحتاج لمزيد التفصيل أكثر، فأليس من باب أولى أن تعطى الكلمة للإدارات وهي التي تمارس العمل تقنيا وماليا ولوجستيا؟”.
3. المجلس الوطني الشعبي
ويتكون المجلس الوطني الشعبي (البرلمان) من 264 عضوا ممثلين عن المجالس المحلية، دون تحديد عدد ممثلي التونسيين بالخارج، على أن يتم الاقتراع المباشر على ممثلي المجالس المحلية في البرلمان، على أن يتم الاقتراع على ما يسمى بالقائمات المفتوحة بالنسبة للتونسيين بالخارج.
ويتمتع المجلس بصلاحية التشريع وسلطة الرقابة، على أن يمارس الناخبون الرقابة عبر القدرة على سحب الوكالة من أي عضو في البرلمان في أي وقت طيلة المدة النيابية.
وبحسب الباحث في القانون عدنان الكرايني، فإنه “بفلسفة البناء القاعدي سوف لن يكون للمجلس كمؤسسة سلطة المبادرة التشريعية، ولكن سيكون رئيس الجمهورية له اليد الطولى في التشريع، فيما سيكون دور المجلس محدودا جدا باعتبار ضعف مشروعية انتخاب أعضائه”.