الوسيط الأمريكي يزور لبنان.. وتعويل إسرائيلي على التطبيع
بعد خلاف دام أكثر من ثلاثين عامًا على إجراء مفاوضات مهمة بين لبنان وتل أبيب، فقد اتفقا على العودة للمفاوضات بشأن حدودهما البحرية المشتركة، من خلال الاتفاق على “إطار عمل مشترك للمباحثات البحرية”.
ويأتي ذلك بهدف التفاوض على حل للنزاع على الحدود البحرية المشتركة المتنازع عليها في مياه البحر المتوسط، وأن تكون الولايات المتحدة وسيطا بينهما، ومكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، مع أن المنطقة البحرية مثار المفاوضات غنية بحقول الغاز الطبيعي.
تزعم السلطات الإسرائيلية أن التوصل الى اتفاق بحري مع لبنان من شأنه توسيع فوائد التعاون بين الدول الإقليمية، وتشمل إسرائيل ولبنان وقبرص ومصر، وحتى سوريا وتركيا، وصولا إلى مشاريع إقليمية، وفي ضوء القرب الجغرافي للجانبين، فإن تل أبيب لديها توقعات اقتصادية كبيرة، بجانب مصالحها السياسية والأمنية الحساسة من المفاوضات المتوقعة، وترجيح بتوصلهما إلى حل وسط بشأن اتخاذ ترتيبات محددة وموضوعية تأخذ بعين الاعتبار مسائل ثنائية وإقليمية أوسع نطاقاً.
السفير آلان بيكر، الخبير القانوني، أشار في ورقة بحثية نشرها معهد القدس للشئون العامة والدولة، أن “الاختلاف الأهم بين لبنان وإسرائيل يتعلق بطريقة ترسيم حدودهما البحرية، فالأخيرة تفضل تخطيط الحدود باستخدام تسمية الخط بزاوية 90 درجة قرب الحدود البرية، أما لبنان فيفضل رسم الخطوط العريضة للحدود كاستمرار مباشر للحدود البرية، وهذا الاختلاف ليس مسألة فنية، بل طريقة مقصودة يسعيان من خلالها للحصول على مساحة قصوى من قاع البحر على حساب الطرف الآخر لجميع فوائدها الاقتصادية”.
وأضاف أن “هناك العديد من المحاولات الدبلوماسية لحل الخلاف الحدودي البحري بينهما، لكن هناك صعوبات سياسية حالت دون حله، في ضوء صراعاتهما المتتالية، حتى جاءت الاتفاقيات التطبيعية في سبتمبر 2020، بين تل أبيب وكل من الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين برعاية وإشراف الولايات المتحدة بقيادة الرئيس السابق دونالد ترامب، وقد شكل توقيعها إيذانا بإمكانية إيجاد حل للخلاف البحري اللبناني الإسرائيلي، للتوافق أخيرا على حدودهما البحرية المشتركة، في ضوء مساعي دول المنطقة لإيجاد بيئة إقليمية سلمية، تسمح لجميع الدول بالاستفادة من بعضها، والموارد المتاحة في البحر وأماكن أخرى”.
والثلاثاء، أعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي أن الوسيط الأميركي آموس هوكستين، سيزور البلاد، لبحث ملف ترسيم الحدود البحرية مع الاحتلال الإسرائيلي.
وقال بري في مستهل اجتماع للمجلس وسط بيروت نقلتها وسائل إعلام محلية رسمية، إن الوسيط الأميركي سيأتي يوم الأحد أو الإثنين للبحث في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.
والإثنين، قال وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس، خلال اجتماع للكتلة البرلمانية لحزب “كحول لفان” برئاسته، إن الخلاف مع لبنان بشأن الغاز البحري سيتم حله بإطار المفاوضات بوساطة أمريكية.
وبين لبنان والمؤسسة الإسرائيلية منطقة متنازع عليها تبلغ 860 كلم مربع، بحسب الخرائط المودعة من جانب لبنان وإسرائيل لدى الأمم المتحدة، وتعد هذه المنطقة غنية بالنفط والغاز.
وانطلقت من أجل ذلك مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أمريكية، وعُقدت 5 جولات من التفاوض آخرها كان في أيار/ مايو 2021.
وكان وفد بيروت قدم خلال إحدى المحادثات خريطة جديدة تدفع باتجاه 1430 كلم إضافياً للبنان، وتشير أن المساحة المتنازع عليها هي 2290 كلم، وهو ما رفضته إسرائيل وأدى إلى توقف المفاوضات.
يستخلص الإسرائيليون من هذه التطورات الإقليمية المتلاحقة إلى الحديث عن مراحل تطور العلاقات مع لبنان، بزعم أنه لا يمكن إنكار حقيقة أن الاعتراف المتبادل يحدث بينهما تدريجياً، بعد فترة طويلة من نهاية آخر نزاع مسلح رسمي وفاعل بينهما في تموز 2006، رغم المخاوف الإسرائيلية القائمة من تجدد حالة الحرب في أي لحظة، في ضوء التحضيرات الاسرائيلية لما تصفها بحرب لبنان الثالثة، أو حرب الشمال الأولى.
تضع المحافل السياسية والدبلوماسية الإسرائيلية فرضية الدخول مع لبنان إلى خطوة جديدة نحو التطبيع، بإيجاد تسوية ما مع تل أبيب، تحت أي مسمى كان، بزعم أنه للمرة الأولى، لم يعد القادة اللبنانيون يستخدمون مصطلح “العدو” عند الإشارة إلى إسرائيل، في ضوء ما يوصف بأنه “مناخ هادئ” أسفرت عن اتفاقيات التطبيع الدبلوماسي مع عدد من دول الخليج العربي، مما يضع اهتمام لبنان بتعزيز مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية الحيوية داخل حدوده البحرية في صدارة أجندته السياسية.