مسيرة الانهزام والسيادة الوهمية
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
من المفارقات العجيبة الغريبة، أن ندّعي السيطرة والسيادة وفي ذات الوقت نحتاج إلى قوة عسكرية ودعم شرطي وأساليب إرهابية لإثبات هذه السيادة الوهمية!
وقد رأينا هذا الأمر منذ أيام خلت، وبالتحديد فيما يُسمى “بيوم القدس” أي اليوم الذي سيطر فيه الجيش الإسرائيلي على شرق مدينة القدس في 7 حزيران عام 1967. ومنذ ذلك الحين يحتفل المستوطنون بهذا اليوم، ويرفعون فيه الأعلام الإسرائيلية ويقومون برقصات ويؤدون طقوسًا تلمودية، في إشارة إلى سيطرتهم على مدينة القدس والاحتفال بهذه المناسبة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يحتاج من يملك السيادة الحقيقية تأمين وحماية هذه السيادة بأعداد هائلة من عناصر الشرطة والجيش؟! وهذا ما يحصل منذ أن نُظّمت هذه المسيرة للمرة الأولى في بداية السبعينيات على يد أحد الحاخامات وتحوّلت إلى تقليد سنوي، بدعم من جمعيات دينية وبلدية الاحتلال في القدس ووزارة التربية.
وقد مرّت هذه المسيرة بالكثير من التغييرات، وفق سياسة الحكومات المتعاقبة بين مد وجزر، حيث كانت في البداية تنطلق من القدس الغربية وتقتحم البلدة القديمة من خلال باب الخليل مرورًا بالحي الأرمني وصولًا إلى حائط البراق. إلا أنّ هذا المسار تغيّر في فترة نتنياهو ليتحول مساره باختراق باب العامود مرورًا بحي الواد وصولًا إلى حائط البراق.
هذا ومن الجدير ذكره أن قطعان المستوطنين وحتى تثبت أنها صاحبة السيادة الموهومة، فإنها تستبيح في هذا اليوم- وتحت حماية الشرطة الإسرائيلية- كل ما هو فلسطيني، فتعتدي على الفلسطينيين داخل البلدة القديمة وتعتدي على ممتلكاتهم من محلات تجارية وسيارات. لذلك تعمد شرطة الاحتلال إلى إغلاق كافة المحلات الفلسطينية في البلدة القديمة، وتنصب الحواجز الشرطية، وتفرض إغلاقًا عسكريًا لساعات عدة على سكان البلدة القديمة، وكأنها بهذه التصرفات تشفي صدور المستوطنين، الذين “كذّبوا الكذبة وصدقوها” في أن القدس تحت سيادتهم المزعومة.
ومن أبرز الداعين والداعمين لمرور هذه المسيرة من الحي الإسلامي، المدعو “إيتمار بن غفير” العنصري المتطرف أحد تلامذة العنصري “مئير كهانا” و “بتسلئيل سموتريتش” زعيم تحالف الصهيونية المتدينة. وهما كذلك ممن ينفذون مع قطعان المستوطنين اقتحاماتهم المتكررة للمسجد الأقصى في الآونة الأخيرة، ويدعون لأداء “السجود الملحمي” داخل ساحات المسجد الأقصى، ذلك أنه أحد أهم الطقوس التوراتية، ظنّا منهم أنّ رفع الأعلام الإسرائيلية في فضاء القدس والانبطاح على أعتاب الأقصى وفي ساحاته، يثبت لهم حقًا في مدينتنا الإسلامية.
ويعتبر “السجود الملحمي” من العبادات القربانية في سبيل تحويل المسجد الأقصى، لمركز روحي لليهود، ضمن سعيهم لهدمه وإقامة هيكلهم المزعوم، لذلك يتعمد المستوطنون تأدية هذا السجود على أبواب المسجد الأقصى على أمل أن يسرّع هذا من عملية بناء الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى. وكل هذا يحدث طبعًا تحت حماية مؤسسة الشرطة الإسرائيلية التي توفر الغطاء والحماية لقطعان المستوطنين لأداء طقوسهم التلمودية داخل المسجد الأقصى!
لكن المحير في الأمر، أنهم يريدون بناء هيكلهم المزعوم، على يد من يقبضون ثمن مشاركتهم في الاقتحامات، وهذا ما سمعنا به وقرأنا عنه في إعلاناتهم إبان “فصحهم الأخير” ومحاولتهم إدخال القرابين إلى داخل المسجد الأقصى وذبحها داخل ساحاته، إذ سعّروا لكل عبادة ثمنًا لها، فعلى سبيل المثال: من يدخل القربان إلى باحات المسجد الأقصى يقبض مبلغًا من المال، ومن يقوم بالذبح يقبض مبلغًا مختلفًا، بل إنهم يدفعون الأجر لكل مستوطن يدخل إلى المسجد الأقصى خلال الاقتحامات.
بالله عليكم، كيف ستتغلب عقيدة يأخذون الثمن في سبيل تحقيقها، على عقيدة يُبذل الغالي والنفيس لأجلها. كيف لا؟! وهي ثابت من ثوابتنا العقدية مفادها أن الأقصى للمسلمين وحدهم، وأنّ هذه الأرض لا تتقن إلا اللغة العربية، لغة القرآن.
لكن وبفضل الله تعالى، ووجود المرابطين والمرابطات في ساحات المسجد الأقصى، سيبقى المسجد الأقصى إسلاميًا خالصًا، وستبقى القدس موحدة تحت سيادة أهلها الأصليين، وسيبقى صوت التكبير يصدح في سماء القدس ولن نرى في القدس إلا أنت أيها المرابط وأنت أيتها المرابطة ،أنت أيها الصامد وأنت الصامدة يا من لا يضركما من خالفكما أو خذلكما لأنكما من الطائفة المنصورة، إن شاء الله.