مدى الكرمل يعقد مؤتمرا حول العنف والجريمة في المجتمع الفلسطيني بالبلاد
عقدَ مركز مدى الكرمل – المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة مؤتمره السنويّ للعام 2022، يوم السبت الماضي، في القصر الثقافيّ في مدينة رهط. تناول المؤتمر في هذا العام “مقارَبات نظريّة وتطبيقيّة حول العنف والجريمة في المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل”، وطرح نقاشًا حول موضوع العنف والجريمة من خلال أبحاث ودراسات ذات وجهة ونظرة جديدتين وزوايا مختلفة.
ويُعَدُّ هذا المؤتمر جزءًا من النشاط الأكاديميّ الذي يسعى من خلاله مركز مدى الكرمل إلى إنتاج مقارَبات جديدة بشأن الحالة السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة في المجتمع الفلسطينيّ.
رحّب، في بداية المؤتمر، المدير العامّ لمدى الكرمل، مهنّد مصطفى، بالحضور من أهل البلد والجمهور ومئات المتابعين عبْر البثّ المباشر، وأكّد على أهمّيّة عَقْد المؤتمر في النقب عمومًا، وفي مدينة رهط على وجه الخصوص، ولا سيّما بعد التحريض الدمويّ الذي يتعرّض له النقب ودمغه بالعنف والجريمة بشكل جماعيّ عنصريّ. وأكّد مصطفى في حديثه على المقولة الأساسيّة للمؤتمر، وهي العلاقة بين العنف والجريمة في المجتمع الفلسطينيّ بالنظام السياسيّ، إذ تتطرّق أغلب الأوراق إلى هذا الجانب.
ورحّب رئيس بلديّة رهط، الشيخ فايز أبو صهيبان، في كلمته بمدى الكرمل وجمهور المؤتمر والحضور، وتطرّق إلى حديث الساعة في المجتمع العربيّ الفلسطينيّ، وهو العنف والجريمة، وأشار إلى أهمّيّة المؤتمر في نشر التوعية بشأن موضوع العنف بين مختلف الأجيال، صغارًا وكبارًا.
ورحّبت رئيسة الهيئة الإداريّة لمدى الكرمل، بروفيسورة نادرة شلهوب – كيـفـوركيان، بالحضور، ونبّهت إلى أهمّيّة أوراق المؤتمر، مشيرةً إلى مفهوم العنف البنيويّ عن طريق طرح أسئلة حول الاستيطان الاستعماريّ، وذلك حتّى نتمكّن من فهم العنف. بعد ذلك، تطرّقت إلى تأثير الاستعمار والمنظومة السياسيّة على العنف والجريمة في المجتمع العربيّ الفلسطينيّ في الداخل، كما أكّدت على أهمّيّة السلاح الفكريّ في مكافحة الجريمة من قِبَل الشعوب الواقعة تحت الاستعمار.
وقدّم مدير وحدة السياسات في مدى الكرمل، د. إمطانس شحادة، محاضرة تحليليّة بشأن نتائج استطلاع للرأي حول الحالة السياسيّة والعنف. في البداية، عرض الأسئلة السنويّة القائمة في الاستطلاع لفحص وعرض القضايا السياسيّة والأساسيّة والتغيُّرات الطارئة على المجتمع على مدار السنوات. من ثَمّ عُرِضت نتائج الاستطلاع بشأن الأسئلة التي تفحص العوامل للعنف والجريمة في المجتمع العربيّ الفلسطينيّ في الداخل. كذلك عرَضَ الاستطلاعُ النتيجة التي بموجبها يتّضح أنّ هناك تذويتًا في المجتمع الفلسطينيّ للمزاعم التي تروّجها المؤسّسة الإسرائيليّة والشرطة، ومُفادُها أنّ العاملَيْن الثقافيّ والاجتماعيّ في المجتمع العربيّ هما العاملان المركزيّان لتفشّي العنف والجريمة في المجتمع الفلسطينيّ في الداخل.
وفي الجلسة الأولى، التي كان عنوانها “مقاربات سياسيّة ونظريّة مقارنة حول العنف”، والتي أدارتها المحاضِرة في قسم الحقوق في كلّيّة سابـير، د. راوية أبو ربيعة، قدّمت طالبة الدكتوراة في علم الاجتماع والأنثروبـولوجيا في الجامعة العبريّة بالقدس، شهرزاد عودة، مداخلة بعنوان “تجارب مجتمعيّة في مكافحة العنف والجريمة”، فيها قالت عودة إنّ هناك أهمّيّة كبرى لفهم جذور المشكلة لإيجاد حلول مجتمعيّة والإصغاء بصورة أعمق لحالة المجتمع. كذلك أكّدت على أهمّيّة البحث الأكاديميّ في الإصغاء لحالة المجتمع، مستشهِدة بحالات عالميّة أكّدت على دَوْر التنظيمات المجتمعيّة الداخليّة في مكافحة العنف من خلال مفهوم العدالة التصالحيّة لا العقابيّة فقط.
وقدّمت طالبة الدكتوراة في قسم السياسة والحُكْم بجامعة “بن غـوريون” في بئر السبع، ميرفـت أبو هدّوبة، مداخلة بعنوان “الأقلّيّات والجهاز الشُّرَطيّ: الأقلّيّة العربيّة – العنف الطاغي وغياب الشرطة”. خلال المداخلة، تطرّقت أبو هدّوبة إلى العلاقة القائمة بين الشرطة والأقلّيّات في حالات عالميّة، كما ادّعت أنّ فهم العلاقة بين الشرطة والمجتمع الفلسطينيّ في الداخل يقوم على فهم الخلفيّة التاريخيّة السياسيّة لإقامة دولة إسرائيل، كالنكبة والحكم العسكريّ والتهديد الأمنيّ والمبنى السياسيّ لدولة إسرائيل التي جزء لا يتجزّأ منها هو الشرطة، فضلًا عن غياب الثقة بالشرطة بسبب فكر وممارسات الأخيرة تجاه المجتمع الفلسطينيّ المتّسمة بالعدائيّة.
وقدّمت العاملة الاجتماعيّة العلاجيّة، والمرشَّحة لنَيْل درجة الدكتوراة في الخدمة الاجتماعيّة من الجامعة العبريّة في القدس، هبة زيدان، مداخلة بعنوان “العلاقة بين التعرُّضِ لعوامل الإجهاد النفسيّ على خلفيّة اجتماعيّة سياسيّة، وممارسةِ العنف الزوجيّ لدى الفلسطينيّين”. وادّعت زيدان خلال مداخلتها أنّ الفرد بمجرّد انتمائه إلى أقلّيّة في الدولة معرَّض لاكتئاب وإجهاد وضائقة نفسيّة. وقرنت زيدان بين مظاهر العنصريّة الفرديّة والجماعيّة من جهة، والعنف بين الأزواج من جهة أخرى.
وعَقَّبَ على هذه الجلسة رئيس لجان إفشاء السلام المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، الشيخ رائد صلاح. بدأ بكلمة ترحيب بالجمهور، ثمّ تطرّق إلى أهمّيّة لجنة إفشاء السلام وعملها الميدانيّ، وعرض مخطَّط اللجنة العمليّ والإستراتيجيّ. وأسهب بعملية بناء لجان إفشاء السلام، موضحا التحديات التي تواجه اللجان في المرحلة القادمة، وأشار إلى أن إستراتيجية عمل اللجان سيكون نحو بناء منظومات وقائية، ورادعة وفي نفس الوقت تصالحية.
ورأست الجلسةَ الثانية مديرة برنامج الدراسات النسويّة في مدى الكرمل، د. عرين هوّاري، وكانت بعنوان “مقارَبات منهجيّة ومعرفيّة لدراسة العنف في المجتمع الفلسطينيّ”. واستهلّت هوّاري كلمتها بالتطرّق إلى أهمّيّة المرجعيّة والبيانات لتوثيق الجرائم ضدّ النساء على مدار السنوات لتسهيل عمليّة البحث بشأن موضوع العنف ضدّ المرأة.
شارك الـمُحاضِر في قسم الاقتصاد بكلّيّة نوكس، إلينوي، الولايات المتّحدة، د. مهيب زيدان، بمداخلة بعنوان “تطوير إستراتيجيّات وآليّات لتوثيق جرائم القتل: دروس مستخلَصة من مشروع بحث حول جرائم قتل النساء في فلسطين قبل النكبة”. وخلال المداخلة، عُرِضت نتائج البحث الأوّليّة، وكان ثمّة أهداف عدّة من بينها إبراز الأرشيفات وتذويت المعلومات حسب التسلسل الزمنيّ. وتطرّق زيدان إلى أهمّيّة المعطيات التي تمكِّنُ من بحث الموضوع بصورة أكبر وأعمق، وكذلك اقترح العمل على قاعدة بيانات مرجعيّة شاملة يمْكن الاعتماد عليها لتطوير وتحديث البيانات بصورة ممنهَجة. وتحدّث زيدان كذلك عن أهمّيّة توثيق الجرائم ضدّ النساء التي حصلت قبل العام 2000.
وقدّمت د. ميسم بشارة (حاملة بوست دكتوراة، من كلّيّة التربية في جامعة حيفا) ورقةً بعنوان “الخطاب الأكاديميّ الإسرائيليّ حول ظاهرة العنف في المجتمع الفلسطينيّ داخل إسرائيل: مسح ونتائج أوّليّة”. وخلال المداخلة، قامت بشارة بعَقْد مقارنة بين العنف في المجتمع العربيّ والعنف في المجتمع اليهوديّ في إسرائيل، وعرضت بيانات ومعطيات حول عدد المقالات والأطروحات التي نُشِرت، وقوميّة المؤلّفين، ومكان حدوث العنف، وأهمّ المقولات فيها. وأضافت أنّ الجريمة عامّة والجريمة المنظَّمة لم تحظَ باهتمام بحثيّ بحجم وقعها، وأخيرًا عرضت كيفيّة إسهام هذا البحث في اقتراح أجِنْدات بحثيّة مستقبليّة بشأن الظاهرة.