الصين استغرقت 4 عقود لإقناع العرب بالتخلي عن تايوان
– مصر وسوريا كانتا أول دولتين عربيتين تعترفان بالصين الشعبية في 1956
– دعم الصين الشعبية لحركات التحرر خاصة في فلسطين والجزائر فتح لها أبواب المنطقة العربية
– تمسك دول عربية مثل السعودية والأردن وعُمان بالاعتراف بتايوان أخّر إقامة علاقات رسمية مع الصين
– القذافي لم يقطع علاقاته بتايوان إلا في 1978 رغم رغبته في إقامة علاقات وثيقة مع الصين منذ 1969
– 13 دول عربية صوتت لصالح استعادة الصين الشعبية مقعدها في الأمم المتحدة مع اعتراض السعودية
تمثل تايوان قضية الصين المركزية، وعلى أساسها تعادي أو تصادق، وإن كانت أغلب الدول العربية تؤيد “مبدأ الصين الواحدة”، إلا أن ذلك لم يمنع بعضها من إقامة علاقات تجارية مع تايبيه، أو حتى الاعتراف بها في عقود سابقة.
فقضية تايوان اندلعت في 1949، بعد أربعة أعوام من انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وزوال الخطر الياباني الذي احتل أجزاء من الصين بما فيه جزيرة تايوان.
حيث أدى انتصار الشيوعيين بزعامة ماو تسي تونغ، على الحكومة القومية بقيادة شيانغ كاي شيك، إلى لجوء الأخيرة لجزيرة تايوان، ومعها احتياطات الصين من الذهب، وأعلنت مدينة تايبيه عاصمة مؤقتة لما يسمى “جمهورية الصين”.
وبفضل الدعم الأمريكي والغربي لتايبيه احتفظ القوميون بتمثيل الصين في الأمم المتحدة إلى غاية 1971، رغم سيطرة الشيوعيين على البر الرئيسي.
بداية التوغل الصيني
واجهت الصين الشعبية في أعوامها الأولى صعوبات في الحصول على اعتراف دولي، لكن مشاركتها في مؤتمر باندونغ بإندونيسيا عام 1955، إلى جانب العديد من الزعماء الآسيويين والأفارقة وعلى رأسهم الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فتح لها أبواب العالم العربي.
وتبَنِّي الصين لقضايا التحرر في الوطن العربي وخاصة فلسطين والجزائر حينها، منذ مؤتمر باندونغ، فتح لها أبواب النفوذ إلى المنطقة العربية، بدعم من عبد الناصر.
وكانت مصر وسوريا أول دولتين عربيتين تعترفان بالصين الشعبية في 1956، تلتها بعد ذلك عدة دول عربية خاصة التي تبنت النظام الاشتراكي، أو الحديثة الاستقلال، والتي اعترفت بها بكين.
واعترفت الصين الشعبية بالحكومة الجزائرية المؤقتة في 1958، حتى قبل استقلال البلاد، وكانت أول دولة غير عربية تعترف بها.
وفي نفس العام، اعترفت الصين الشعبية بنظام الحكم الجمهوري الذي تأسس في العراق، بعد الثورة التي أطاحت بالنظام الملكي.
وتأثير الصين على الدول العربية كان واضحا، خاصة في الحالة الجزائرية، حيث أطلق قائد جيش التحرير الوطني هواري بومدين، عندما استقلت الجزائر في 1962 على جيش البلاد اسم “الجيش الوطني الشعبي”، والذي لم يكن يحمل هذا الاسم حينها سوى الجيش الصيني، بحسب مذكرات العقيد الطاهر الزبيري، قائد الأركان الجزائري (1964-1967).
كما أن صورا تاريخية تظهر استعراضا عسكريا للجيش الجزائري بُعيد الاستقلال يرتدي الزي العسكري الصيني، وكذلك الرئيس الجزائري أحمد بن بله (1962-1965)، الذي التقطت له صورة بزي صيني في العام الأول للاستقلال.
حيث كانت الصين من أكثر الدول خارج العالم العربي دعما بالسلاح للثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954-1962)، ووقفت الصين إلى جانب العرب في حربي 1967 و1973 ضد إسرائيل، وعارضت الغزو الأمريكي للعراق في 2003.
الدعم العربي للصين
بالمقابل، قدم العرب دعما دبلوماسيا لا يقدر بثمن للصين الشعبية، من أجل استعادة مقعدها في الأمم المتحدة، الذي كانت تشغله “جمهورية الصين” (تايوان)، والاعتراف بممثل حكومتها باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للصين.
حيث تقدمت حينها 23 دولة بمشروع هذا القرار، بينها ثمان دول عربية هي: الجزائر، والعراق، وسوريا، واليمن الشمالي واليمن الجنوبي (قبل الوحدة)، والسودان، وموريتانيا والصومال.
واعتمد قرار استعادة الصين الشعبية لمقعدها بالأمم المتحدة في 25 أكتوبر/تشرين الأول 1971، بأغلبية 76 صوتا واعتراض 35 صوتا وامتناع 17 عن التصويت.
وبحسب وكالة شينخوا الصينية، فإن 13 دولة عربية صوتت لصالح القرار وهي: الجزائر ومصر والعراق والكويت وليبيا وموريتانيا والمغرب واليمن الشمالي واليمن الجنوبي والصومال والسودان وسوريا وتونس.
بينما امتنعت كل من البحرين والأردن ولبنان وقطر عن التصويت، حيث لم تكن تقيم علاقات دبلوماسية مع بكين، في حين صوتت السعودية ضد الصين.
ففي عام 1971، أقامت الصين علاقات مع عدة دول عربية على غرار الكويت ولبنان، واعترفت في نفس العام باستقلال كل من الإمارات وقطر والبحرين.
العرب وتايوان
السعودية كانت آخر دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع الصين الشعبية في 1990، وذلك بالنظر إلى علاقاتها القديمة مع جمهورية الصين (تايوان) ورفضها للفكر الشيوعي وتحالفها مع الولايات المتحدة.
فاعتراف السعودية بجمهورية الصين (تايوان) كان السبب الرئيسي في عدم إقامة الصين الشعبية علاقات رسمية مع عدد من الدول العربية التي ترتبط بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة.
والمثير للغرابة أن ليبيا في عهد معمر القذافي (1969-2011)، لم تُقم علاقات رسمية مع الصين الشعبية إلا في 1978، رغم أنها لم تكن محسوبة على المعسكر الأمريكي، بل كانت على النقيض منه، وتسعى منذ الانقلاب على الملك إدريس السنوسي في 1969 لربط علاقات مع البر الصيني الرئيسي.
إذ صوتت ليبيا لصالح قرار استعادة الصين الشعبية لمقعدها في الأمم المتحدة في 1971، دون أن تربطها علاقات رسمية ببكين.
وسر هذه المفارقة، أن القذافي لم يكن يؤمن بالصين الواحدة، ويتبنى سياسة “الاعتراف المزدوج” بجمهورية الصين (تايوان) والصين الشعبية، الأمر الذي رفضته الأخيرة بشدة، رغم اعترافه بها في 1971.
ولم يتم إقامة علاقات رسمية بين البلدين إلا بعد سحب طرابلس اعترافها بجمهورية الصين في 1978.
التبادل التجاري مع تايوان
تعترف حاليا جميع الدول العربية بالصين الشعبية، إلا أن ذلك لم يمنعها من إقامة علاقات تجارية، خاصة أن تايوان تحتكر لوحدها أكثر من ثلثي إنتاج العالم من الرقائق الالكترونية (أشباه الموصلات) التي تدخل في صناعة السيارات والطائرات والأسلحة وكل ما هو الكتروني تقريبا.
فتايوان مصنفة في المرتبة 22 عالميا من حيث الناتج الإجمالي الخام الذي بلغ 668.5 مليار دولار في 2020، بحسب موقع “ترايدينغ إكونوميكس”، وهي من النمور الآسيوية ذات الاقتصادات القوية والصاعدة.
ولذلك من الصعب على بعض الدول العربية تجاهل هذه الحقائق رغم علاقتها القوية بالصين.
فرغم العلاقات التاريخية بين القاهرة وبكين، إلا أن التبادل التجاري بين مصر وتايوان بلغ في 2020، أكثر من 500 مليون دولار، بزيادة تقارب 11 بالمئة مقارنة بعام 2019، وفق مكتب تايوان الاقتصادي بالقاهرة.
حيث لم يرتبط البلدان بعلاقات تجارية إلا في عام 2000، عقب اتفاقهما على افتتاح أول مكتب تجاري تمثيلي لتايوان في مصر.
بينما التبادل التجاري بين الكويت وتايوان، فبلغ 10 أضعاف نظيره المصري مع تايوان.
وبلغ التبادل التجاري بين الكويت وتايبيه في 2018، أكثر من 5 مليارات دولار، بفضل صادرات النفط الكويتية الكبيرة لتايوان التي بالمقابل تصدر الأجهزة الكهربائية والالكترونية.
إلا أن السعودية تعتبر أكبر شريك تجاري لتايوان في المنطقة العربية، بأكثر من 8 مليارات دولار في 2019، متراجعة عن أكثر من 13 مليار دولار في 2013، ما يوضح أحد أسباب تأخر قطع علاقاتها بتايبيه.
وفي ليبيا، سمح القذافي لتايوان باستخدام اسم “المكتب التجاري لجمهورية الصين لدى ليبيا” إلى غاية 1997، رغم معارضة الصين الشعبية لاستخدام تايوان لاسم “الصين”، نظرا لتعارضه مع مبدأ “الصين الواحدة”.
وتكرر الأمر في الأردن في 2018، عندما طلبت عمان من تايوان تغيير اسم “المكتب التجاري لجمهورية الصين”، إلى “مكتب تايبيه الاقتصادي والثقافي”، بضغط من بكين.
فالصين الشعبية تمكنت من التوغل إلى الوطن العربي عبر بوابة دعم حركات التحرر، ولعب الدعم العربي لها في الأمم المتحدة دورا بارزا في استعادة مقعدها في الأمم المتحدة كممثل وحيد للصين، وعزل تايوان دبلوماسيا رغم الدعم الأمريكي القوي لها.
وتَشدُّد بكين في رفض “ازدواجية الاعتراف” بالصين الشعبية وجمهورية الصين، تسبب في عدم إقامة علاقات رسمية مع عدة دول عربية وعلى رأسها السعودية وسلطة عمان والأردن، بل وحتى ليبيا في عهد القذافي.
حاليا كسبت “الصين الشعبية” معركة الاعتراف الدولي بشكل كاسح في العالم العربي، خاصة بعد تحولها من دولة تعاني من الحروب الأهلية والمجاعة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
إلا أن ذلك لم يمنع دولا عربية مثل السعودية والكويت والأردن وحتى مصر بإقامة علاقات تجارية مع تايوان، التي تعد من النمور الآسيوية، وتكاد تحتكر صناعة الرقائق الالكترونية المتطورة.
ولم تعترض الصين الشعبية على إقامة علاقات تجارية بين الدول العربية وتايوان، إلا أنها ضغطت باستمرار لعدم استخدام اسم “جمهورية الصين” في أي من المكاتب التجارية المفتوحة في هذه الدول.