أخبار رئيسيةأخبار وتقاريرعرب ودوليومضات

سجون أميركا… قُصّر وراء القضبان

أُودعت القاصر الأميركية ذات الأصل الأفريقي تيارا ويليامز في دار رعاية مخصصة للأطفال المدانين بارتكاب مخالفات قانونية، عقب إدانتها بالسرقة باستخدام السلاح في عام 2017.

حينئذ كان عمرها 15 عاما، وبدلا من إحالتها إلى محكمة البالغين بحسب قانون الولاية، تقدمت المدعية العامة السابقة بمحكمة الأحداث في لويزيانا، دافني روبنسون، بتوصية إلى المحكمة من أجل محاسبتها وفق ما يعرف بـ Status Offenses (مخالفات قانونية يعاقب عليها القصر).

اتخذت روبنسون قرارها بعدما كشفت التحريات عن ظروف مزرية عانتها ويليامز التي جرى تغيير هويتها حفاظا على خصوصيتها، إذ تبين أن الشخص البالغ الذي تقدم بشكوى ضدها كان يتاجر بها، كما اتضح حملها من شخص آخر، وبالفعل قررت المحكمة إطلاق سراحها لتعيش مع أحد أقاربها تحت رعايتها، بحسب إفادة روبنسون والتي وثقت القضية في كتابها الصادر عام 2021 بعنوان “الجانح (مراهق يخرج عن القانون): كيف يخذل نظام قضاء الأحداث الأميركي الأطفال السود”.

ما أقدمت عليه المدعية العامة السابقة، من وجهة نظرها هو “أفضل بديل للقاصر” لتجنيبها المحاكمة والحبس في سجون البالغين كما هو معمول به في الولايات التي لا تطبق قانون إصلاح قضاء الأحداث Juvenile Justice Reform Act الصادر عام 2018، والذي يمنع احتجاز أو سجن الأطفال لقيامهم بأفعال قبل سن 18 عاما، إذ تعتبر بعض الولايات مثل نيويورك ونورث كارولينا الأطفال في عمر 16 أو 17 عاما من البالغين، ما يخلف تبعات يعاني منها أولئك الأطفال وسط غياب البرامج الإصلاحية المخصصة لهم.

قُصّر داخل سجون البالغين

يجري حبس 1 من كل 14 قاصرا في سجون البالغين بعد إدانتهم بارتكاب جرائم جنائية، في حين يتم إيداع الآخرين في مؤسسات خاصة بالأحداث تشبه السجون والمعتقلات، بحسب ما يوثقه تقرير سجن جماعي: القصة الكاملة 2022 “Mass Incarceration: The Whole Pie 2022” الصادر في 14 مارس/آذار 2022 عن مبادرة سياسة السجون (مؤسسة بحثية).

وبلغ عدد المساجين ممن هم دون الثامنة عشرة، 49 ألف سجين حتى مارس/آذار الماضي، من بينهم 1400 سجنوا بسبب قيامهم بأفعال يجرمها القانون لمن هم أقل من 18 عاما، مثل الهروب من البيت أو التغيب عن المدرسة، وهي سلوكيات لا تعد انتهاكا للقانون بالنسبة للبالغين، ووفقا للتقرير ذاته يوجد 5000 شاب وراء القضبان لانتهاكات غير جنائية تتعلق بوضعهم تحت المراقبة، وليس بسبب ارتكابهم جرائم جديدة.

ويحال القصّر إلى محاكم البالغين في حال تنازلت محكمة الأحداث عن النظر في القضية، بشرط أن الأمر يتفق مع قانون الولاية، كما توضح ليزا ثوراو المديرة التنفيذية لمنظمة استراتيجيات الشباب STRATEGIES for YOUTH (تعنى بالتدريب وبرامج التوعية ومراجعات السياسات في 20 ولاية أميركية)، ومن بين تلك الولايات فيرمونت التي تسمح بتحويل الأطفال في عمر 16 عاما إلى محاكم البالغين.

ويجري إيداع الأطفال قبل أو خلال المحاكمة في مراكز التوقيف، بحسب الدكتورة ميليسا سيكموند، مديرة المركز الوطني لقضاء الأحداث في بنسلفانيا، والتي تضيف أن من يُدان يحال إلى السجن، أو مراكز مشددة الحراسة منها ما تديرها الولايات وبعضها تُدار من قبل مؤسسات خاصة، ويطلق عليها العديد من الأسماء مثل البيوت الجماعية Group home ومرافق العلاج السكنية Residential treatment facilities ومعسكرات البرية Wilderness camps.

ويصل عدد الأطفال الموقوفين سنويا في الولايات المتحدة إلى 107 ألف حالة، وفق تقرير “الأطفال في سجون البالغين: تقييم وطني” الصادر في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 عن مكتب برامج العدالة وهو وكالة فيدرالية تتبع وزارة العدل وتعمل على تحسين قدرة الدولة على الحد من الجريمة.

السجن مدى الحياة

تتباين العقوبات التي تطبق على القصرّ باختلاف الولاية والقاضي وطبيعة المخالفة القانونية، وفي حالات ارتكاب جرائم القتل أو الاعتداء الجنسي قد يتعرض الجاني لعقوبات مثل التي تطبق على البالغين، بينما في مخالفات مثل خرق قوانين حظر تجوّل الأحداث في الأماكن العامة والشوارع، استنادا إلى الوقت المحدد في كل ولاية وغالبا ما يكون من 11 ليلا إلى السادسة صباحا في أغلب المدن، قد تكون عقوبتها وضع الطفل في مركز توقيف حتى يتسلمه والداه ودفع غرامة أو القيام بخدمة عامة مثل تنظيف الشوارع، وقد يمتد العقاب للوالدين عبر دفع غرامات إذا ثبت سماحهم له بمخالفة القانون، بحسب سيكموند.

وحكم على 8600 شخص بالسجن مدى الحياة لإدانتهم بجرائم ارتكبوها عندما كانوا قصّرا، من أصل 200 ألف شخص نالوا هذه العقوبة، وفق تقرير “لا نهاية في الأفق: اعتماد أميركا الدائم على السجن مدى الحياة” والذي أصدره مشروع إصدار الأحكام (منظمة غير ربحية تدعو لتعزيز العدالة) بتاريخ 17 فبراير/شباط 2021، إذ تطبق هذه العقوبة في كل من “لويزيانا، مسيسيبي، ألاباما، تينسي، جورجيا، فلوريدا، ساوث كارولاينا ونورث كارولاينا”، وهذه الولايات يوجد فيها سجناء محكومون مدى الحياة، في حين خلت الولايات “نيومكسيكو، ميزوري، إلينوي، إنديانا، مينيسوتا، نيويورك، نيوهامبشر، وماين” من سجناء محكومين بهذه العقوبة رغم تطبيقها فيها، بينما ألغي تطبيقها في كل من “تكساس، داكوتا الشمالية وداكوتا الجنوبية”، بحسب ما رصدته ورقة صادرة عن منظمة مشروع إصدار الأحكام في 24 مايو/أيار 2021 بعنوان “حياة الأحداث دون الإفراج المشروط: نظرة عامة”.

ويتوقع الناشط جوشوا روفنر، كبير المتعاونين في المنظمة السابقة، ارتفاع عدد الولايات التي تلغي تطبيق عقوبة السجن مدى الحياة على الأطفال مستقبلا رغم عدم حظر تطبيقها من قبل المحكمة العليا الأميركية.

انتهاكات جنسية وانتحار

أبلغ 1.9% من القصر عن تعرضهم للإيذاء الجنسي من قبل زملاء موقوفين معهم في عام 2018، بحسب استطلاع رأي أجراه مكتب برامج العدالة في 12 فبراير 2021، وتكشف نتائجه أن 5.8% من القصّر أبلغوا عن سوء سلوك جنسي من قبل موظفي المنشأة، بينما كانت نسبة من أبلغوا عن سوء سلوك جنسي من قبل موظفي المنشأة باستخدام القوة أو الإكراه 2.1%، وهو أقل بكثير من المستويات المبلغ عنها في عام 2012.

ونتيجة الشعور بفقدان الأمل وضياع المستقبل لدى القصر المسجونين تتعزز لديهم أفكار الانتحار بحسب الأستاذة المساعدة بمدرسة العدالة وعلم الإجرام في جامعة كاليفورنيا، فرانسيس أبديرهالدين، إذ كان معدل الانتحار بين السجناء دون سن الرابعة والعشرين 36 سجينا من كل 100 ألف سجين في الفترة الممتدة بين عامي 2000 وحتى 2004، وانخفض العدد إلى 20 من كل 100 ألف سجين في الفترة الزمنية الممتدة من 2015 حتى 2019، وفق تقرير “الانتحار في السجون المحلية والفيدرالية” الصادر عن مكتب برامج العدالة.

وبحسب ما ترصده فرانسيس فإن السجناء الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عاما في سجون البالغين أقل عرضة للانتحار من أقرانهم الموجودين في المراكز المخصصة لهم، بسبب الإشراف وتشديد حراسة تلك المؤسسات، الأمر الذي يضاعف حالة الإحباط وفقدان الأمل لدى هؤلاء الأطفال.

الأطفال السود الأكثر تجريما

يعامل 76 ألف طفل كبالغين، أغلبهم من ذوي البشرة السوداء، بمعدل 8.6 أضعاف مقارنة بأقرانهم البيض، وفق تقرير “الانتقال التلقائي: المكاسب والفرص المستقبلية”، الصادر عن حملة عدالة الشباب Campaign for Youth Justice في مايو/أيار 2020.

وتصف أليسون كليمنتس المديرة التنفيذية للشبكة الوطنية لعدالة الأحداث بالنيابة نظام العدالة في الولايات المتحدة الأميركية بأنه “غير منصف”، خاصة حين يتعلق الأمر بالأميركيين من أصول أفريقية، قائلة: “إنه نظام عقوبات وليس نظام عدالة”، وتؤكد ما ذهبت إليه عبر ما جاء في تقرير أصدرته الشبكة في سبتمبر/أيلول عام 2017 بعنوان “التحيز الضمني”، إذ يُنظر إلى الأطفال السود على أنهم أكبر سنا من عمرهم الحقيقي وأكثر خطورة استنادا لأحكام منحازة، كما حدث للطفل الأميركي من أصول أفريقية بريس ليندلي (10 سنوات) الذي اتهم بالاعتداء على زميله لمجرد أنه رمى بالكرة على وجهه خلال مباراة في ملعب في المدرسة بمدينة ديترويت بولاية ميشيغان في 31 إبريل/ نيسان 2019، وفق كليمنتس، ثم أسقطت عنه التهمة، لكن والدته تصر على أن العنصرية كانت وراء معاملة ابنها وفق نهج مختلف عن زملائه البيض ممن قاموا بنفس فعلته.

ويتفوق عدد القصّر السود المسجونين بعد توقيفهم على نظرائهم البيض، بحسب الإحصائيات الواردة في تقرير “التباين في حبس الشباب السود” Black Disparities in Youth Incarceration والذي أعده مشروع إصدار الأحكام في 15 يوليو/ تموز 2021، إذ سجن 315 موقوفا من بين 1000 طفل من ذوي البشرة السوداء، فيما سجن 72 من بين 1000 طفل من أقرانهم البيض.

وترجع روبنسون سبب احتجاز وسجن الأطفال من ذوي البشرة السوداء بشكل أكبر لكونهم يعيشون في مناطق تشهد حضورا أكثر لرجال الأمن، ويرتادون مدارس تسمح بعمل أفراد شرطة مسلحين كأعوان أمن فيها، وهذا المستوى من التأمين المبالغ فيه يؤدي إلى ارتفاع نسب التوقيف والسجن بحسب قولها.

الإصلاح بديل عن حبس الأطفال

تأتي أميركا في المرتبة الأولى عالميا من حيث عدد الأطفال المحتجزين قبل المحاكمة بمعدل 60.5 من كل 100 ألف طفل، في حين يحتجز 14.49 من بين كل 100 ألف في كندا، ولا يتعدى الاحتجاز معدل 5.05 في دول أوروبا الغربية، وفق دراسة صادرة عن الأمم المتحدة عام 2019 بعنوان “الأمم المتحدة: دراسة عالمية حول الأطفال المحرومين من الحرية”.

ويقتضي تحسين وضع عدالة الأحداث تمرير تدابير حمايتهم قانونيا من قبل الكونغرس عبر تحديد سن للحد الأدنى الذي يمكن فيه معاقبة القصر في حال ارتكابهم لجرم جنائي، إذ يعتمد عمر 14 عاما في العديد من الدول كمعيار لهذا الشأن، وفق تقرير “عمل عدالة الشباب 2021” الصادر عن الشبكة الوطنية لعدالة الأحداث، والذي يقول أن الحكومة الفيدرالية و28 ولاية أميركية تحدد أي عمر أدنى لتوقيف الأطفال بسبب هروبهم من البيت أو تغيبهم عن الدراسة على سبيل المثال، بالإضافة إلى حظر تمويل تواجد الشرطة بالمدارس وبدلا من ذلك توجيه الميزانية لتوظيف مستشارين وأخصائيين اجتماعيين، بحسب ما تطالب به الشبكة الوطنية لعدالة الأحداث بالتنسيق مع الائتلاف من أجل قضاء الأحداث.

وترى إيمي بورور، مديرة نظام العدالة (منظمة غير ربحية تنشط في مجال الدفاع عن الأطفال السجناء) أن “الكثير من الإجراءات والعقوبات التي تستهدف الأحداث يجب إلغاؤها من أجل حصولهم على العدالة ومن أبرزها وقف تحويل الأطفال إلى محاكم وسجون البالغين وإلغاء عقوبة السجن مدى الحياة، لأن أغلب مخالفاتهم تدخل في خانة سوء تصرف المراهقين”، ويؤكد ذلك جوشوا روفن، كبير مساعدي المناصرة في مشروع إصدار الأحكام بقوله إن كلا من محاكم البالغين أو الأحداث ليست أماكن مناسبة للأطفال، فالأهل بإمكانهم معاقبة أطفالهم من دون الحاجة إليها، كما أن العدالة الإصلاحية تحتاج إلى برامج تشمل المنخرطين في الانتهاك القانوني وتقوم على التواصل والحديث بين المعتدي والضحية، وهذه الطريقة أثبتت نجاعتها للمعتدين والضحايا على حد سواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى