معركة الوعي (117).. دلالات اقتراح قانون نقل معتقلي الداخل إلى سجن “عوفر”
حامد اغبارية
ما الذي تهدف إليه المؤسسة الإسرائيلية من خلال مقترح القانون الجديد الذي يسمح بنقل معتقلين من فلسطينيي الداخل للتحقيق والاعتقال في سجن “عوفر” سيء الصيت الذي أقامه الاحتلال في الأراضي المحتلة عام 1967 غربي مدينة رام الله؟
خطوة خطيرة ذات دلالات كثيرة يستطيع المراقب أن يقرأها بسهولة. وخطورة هذه الخطوة تكمن في أنها المرة الأولى (العلنية) التي يجري فيها الحديث عن إخضاع فلسطينيي الداخل لتحقيقات “الشاباك” خارج ما يسمى “الخط الأخضر”، وتحديدا في الضفة الغربية، تحت إجراء قانوني هو في الأصل غير قانوني، حسب القانون الدولي، الذي يعتبر أراضي الضفة الغربية محتلة، وفي التالي لا يجوز للقوة المحتلة أن تحقق مع مواطنيها خارج حدودها.
هناك دلالتان رئيسيتان في هذا القانون، الذي أعتقد أنه سيُقرّ في نهاية المطاف، لأن المؤسسة الإسرائيلية بصفتها الرسمية (كدولة) وكقوة محتلة كذلك ليس هناك ما يردعها عن تنفيذ مخططاتها، لأن الجهات الدولية التي تتحدث عن ضبط القانون الدولي هي ذاتها التي توفر كل غطاء وكل حماية لممارسات الاحتلال.
أما الدلالة الأولى فهي الرسالة الخطيرة التي يمكن أن تفهمها من هذه الخطوة من أنه لا فرق – بالنسبة لتل أبيب- بين سجن في الداخل وبين سجن في الضفة الغربية. وهذا معناه أن الضفة الغربية في نظر الاحتلال هي جزء من المؤسسة الإسرائيلية. وهذا ما يسعى الاحتلال إلى تحقيقه. فهو يبذل كل مسعى لضم أراضي الضفة الغربية إلى سلطة الدولة العبرية. وهذه بحدّ ذاتها جريمة احتلالية. أضف إلى ذلك أنه ليس من حق الكنيست الصهيوني مناقشة قوانين تتعلق بأرض يعرّفها المجتمع الدولي على أنها محتلة. فالكنيست مؤسسة تشريعية وظيفتها التشريع للمواطنين الذين يعيشون في حدود الدولة التي يعترف بها المجتمع الدولي.
وأما الدلالة الثانية فتتعلق بما سيتعرض له المعتقلون من فلسطينيي الداخل من أساليب تحقيق جهنمية في دهاليز الشاباك بعيدا عن أي رقيب قانوني أو جماهيري، ناهيك عن أن المؤسسة الإسرائيلية بصفتها قوة احتلال قمعية تستطيع أن تمنع أي نشاط داعم للمعتقلين قرب سجن عوفر بحجة أنه منطقة أمنية أو عسكرية، وتستطيع أن تتذرع بأي مبرر لمنع وصول المتضامنين مع المعتقلين، كما يمكنك أن تتخيل كيف سيكون شكل التعامل مع المحامين الذين يرافعون عن المعتقلين. فهو بالتأكيد سيكون مغايرا للتعامل معهم عندما يكون المعتقل موجودا في سجن في الداخل. وهذا يعني المزيد من المعاناة، والمزيد من التضييق على المحامين والتعامل معهم بأسلوب القوة المحتلة لا بأسلوب ما يُعرف بـ “دولة القانون”، وكذلك المزيد من تعرض المعتقل نفسه إلى أساليب تحقيق شاباكية معروفة لنا جميعا، وهي موثقة في آلاف الملفات لدى العديد من المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية.
فرغم أن ما يسمى بالقانون الدولي يمنع استخدام التعذيب الجسدي والنفسي ضد المعتقلين بهدف الحصول على معلومات أو اعترافات، إلا أن المؤسسة الإسرائيلية تمارس أقسى أنواع التعذيب ضد المعتقلين، سواء في دهاليز التحقيق في الداخل أو في أراضي الضفة المحتلة عام 67. بل إن المؤسسة الإسرائيلية اضطرت أكثر من مرة – أمام الضغط وأمام الأدلة- إلى الاعتراف بأن جهاز الشاباك مارس التعذيب المتجاوز للمعقول (الشاذ)!! من أجل الحصول على اعترافات أو معلومات، ورغم هذا الاعتراف إلا أن شيئا لم يتغير.
في عام 1999 أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارا جاء فيه أن جهاز الشاباك لا يملك الصلاحية القانونية لاستعمال “وسائل التحقيق البدنية” ضد الذين يجري التحقيق معهم. ورغم أن قرار المحكمة العليا ذاك سمح بممارسة الضغط والحرمان من الراحة إلى حد معين، باعتبار ذلك وسيلة لضرورات التحقيق فقط وليس كوسيلة لتحطيم معنويات الذين يجري التحقيق معهم، إلا أن محققي الشاباك مارسوا صنوف التنكيل ضد معتقلين، ومع ذلك لم يتعرض أي من مسؤولي الشاباك للمساءلة، ولم يقدم أي منهم للقضاء. وهذا بحد ذاته يعني منح هذا الجهاز ممارسة ما يريد دون رادع حقيقي.
هناك وسائل تعذيب لا يمكن أن يتخيلها العقل السليم يمارسها محققو الشاباك ضد المعتقلين من أراضي الضفة أو غزة أو القدس، ويأتي مقترح القانون الجديد ليطبق هذه الأساليب على معتقلي الداخل في أقبية سجن عوفر. ومن تلك الأساليب العزل التام عن المحيط الخارجي، بما في ذلك عدم السماح بمقابلة محام لفترة طويلة، بهدف ممارسة الضغط النفسي، وكذلك الحرمان من الحركة والنشاط البدني بهدف إضعاف الجسم، والعزل داخل زنازين متعفنة تنبعث منا روائح كريهة، وتوجيه الإهانات والشتائم خاصة للأمهات والزوجات والأخوات، والتهديد بإحضارهن وإهانتهن أمام المعتقل، والتهديد باعتقال أفراد العائلة، والتفتيش العاري مع السخرية والبصق والصراخ، والحرمان من النوم لفترات طويلة، وشد القيد الحديدي بشكل مؤلم، وإلزام المعتقل بالجلوس في وضعيات مرهقة جدا مثل الشبح أو وضعية القرفصاء أو وضعية الموزة وغير ذلك من أساليب التعذيب الجهنمية.
ورغم أن الكثير من المعلومات حول هذه الأساليب قد خرجت إلى الملأ، إلا أن السلطات، بما فيها القضائية (المحكمة العليا) توفر كامل الحماية لجهاز الشاباك ومحققيه، حيث لم يقدم محقق شاباك واحد للقضاء رغم أن هناك معتقلين فارقوا الحياة تحت التعذيب، وهناك من يعانون من عاهات مستديمة، بل وهناك من فقدوا عقولهم.
والآن تخيل معي أن هذه الاساليب/الجرائم يمكن أن يتعرض لها معتقلو الداخل في أقبية سجن عوفر.
من أجل ذلك يجب العمل على منع إقرار هذا القانون، على المستوى الحقوقي، وممارسة الضغط الشعبي، وفضح ممارسات المؤسسة الإسرائيلية تجاه فلسطينيي الداخل الذين تزعم أمام الرأي العام الدولي أنهم مواطنون متساوو الحقوق!