معركة الوعي (116) الموحدة وسيناريوهات السقوط الحرّ
حامد اغبارية
وصلنا إلى نقطة الحسم. لكنه حسم داخل الهاوية، وليس منه مستفيدٌ في كلّ الأحوال إلا المشروع الصهيوني، والخاسر الأكبر فيه هم الذين أوهموا أنفسهم وأوهموا الناس أن في الإمكان الحصول على الزهور من الشوك أو استخراج العسل من الزنابير.
نحن الآن أمام ثلاثة سيناريوهات رئيسية تعترض طريق القائمة الموحدة ومن خلفها التنظيم الذي يرعاها ويسوّغ لها نهجها ويبرره بالشرعي تارة وبالوطني تارة أخرى. وهي سيناريوهات باتت مطروحة بقوة إزاء المشهد السياسي المرتبك جدا، الذي تعيشه حكومة بنيت- لبيد والهزات المتتابعة التي تضربها من كل ناحية؛ من داخلها ومن خارجها، من الشارع الإسرائيلي من جهة، وكذلك من الجانب الفلسطيني الذي فاجأها وهي في أسوأ أحوالها، فراح يهزّ عرشها في القدس وفي الضفة الغربية، بينما تقف غزة بالمرصاد، وبينما يقرأ الداخل الفلسطيني المشهد بتروٍّ وأناة وعينه على كل ما يدور، خاصة في المسجد الأقصى المبارك؛ وهذا فيما يبدو يهدد عرش بنيت ويبشر بإمكانية سقوط حكومته مع أول اختبار ذي شأن يخص مستقبل المشروع الصهيوني، وأظن هذا أقرب إلى هذه الحكومة من أرنبة أنف بنيت.
الأحداث الأخيرة، خاصة منذ انطلقت حملة التحريض الصهيونية في رمضان هذا العام، والاقتحامات الاستفزازية في المسجد الأقصى المبارك، ثم الممارسات القمعية واستخدام أقصى وسائل البطش ضد كل من يحتج أو يعترض أو يرابط أو يعتكف أو حتى يكتب معبرا عن رأيه؛ كلها أحداث وتداعيات وضعت القائمة الموحدة في وضع حرج لا خلاص لها منه. فقد كان قد سبق لها أن وضعت كل ما معها من بيض في سلة الائتلاف الحكومي، فلم تحفظ لنفسها خطَّ رجعة ولا ماءَ وجه.
هي سيناريوهات ثلاثة إذًا، أحلاها مرٌّ علقم، ليس أمام الموحدة إلا أن تختار أحدها رغم أنفها، بعد أن كانت قد اختارت بكامل قواها العقلية وتمام إرادتها السقوط في أحضان المشروع الصهيوني، ضاربة عرض الحائط كل الثوابت التي اجتمعت عليها كلمة أبناء المشروع الإسلامي حصرا، كما أجمع على أكثرها- بشكل أو بآخر- كل الطيف السياسي في الداخل الفلسطيني، على اختلاف توجهاته وأجنداته!
- السيناريو الأول: الانسحاب من الائتلاف- وأعتقدُ أن القائمة الموحدة لن تُقدم على هذه الخطوة، لأنها أولا دخلت الائتلاف عن قناعة (شرعية)، وأوهمت جمهورها أنها تملك من المسوّغات الشرعية ما يجعلها تواصل التبرير حتى النفَس الأخير. ولأنها ثانيا إن فعلت وانسحبت فسوف تفقد مصداقيتها أمام الجمهور، إذ ستعود خالية الوفاض وهي التي كانت قد أشبعت الفضاء الإعلامي بوعود السمن والعسل والخيرات الكثيرة والمحاصيل الوفيرة، ورسمت بريشة تلك الوعود لوحة جميلة لا يراها أحدٌ سوى أصحاب النهج الجديد، بينما الأرض تُنهب والشعبُ يُضرب والبلاد تخرب. لذلك فإن الإقدام على خطوة الانسحاب من الائتلاف سيكلّف الموحدة ثمنا كبيرا، إذ لن تجد لها في الشارع الفلسطيني في الداخل سندًا ولا حاضنة، ولا حتى أصواتا كافية توصلها إلى كارثة الكنيست من جديد، وستفقد مكانتها ودورها كأحد مكونات الطيف السياسي في الداخل. لهذا ستوغل الموحدة في طريقها وستتمسك بأسنانها وأظافرها بالشراكة مع المشروع الصهيوني، مُمنّيةً النفس بلعلَّ وعسى؛ لعل الأمور تتغير وعسى أن تنجح في استنبات الصخر، وهي التي تعلم في أدبيات تنظيمها أن الصخرَ أكثرُ ليونة واستجابة من المشروع الصهيوني ومن أصحابه. وهذا يعني أنها لن تحقق شيئا مما تطمع في تحقيقه، ولن تنال سوى المزيد من خيبات الأمل والفشل والمزيد من اتساع الفتق، والكثير الكثير من التنافر مع أبناء مجتمعها الذي علمته التجربة أن الحقوق لا تُنال بالأمنيات، ولا بالتنازلات ولا بالطأطأة ولا بالتأتأة، وأنه عند الجدّ فإن هوية هذا المجتمع وانتماءه وثوابته أعزُّ على نفسه من أي شيء سواها، حتى لو طوى جائعا.
نعلم أن هناك ضغوطا داخل الإسلامية الجنوبية ومن قيادات الصف الأول ومن القاعدة الشعبية لوقف هذه المهزلة وهذا النزيف وهذا السقوط، ليس لأن هذه القيادات مقتنعة بأن التنظيم ارتكب خطأ بالذهاب إلى الائتلاف، بل خوفا على مستقبله حيال تراجع التأييد الشعبي وتزايد موجات الانتقاد لنهج الموحدة وفشلها في تحقيق ما وعدت به، وتقلص القاعدة الشعبية الحاضنة. من أجل ذلك جاء تصريح عضو الكنيست منصور عباس بأن مجلس الشورى قرر منح الحكومة “فرصة أخيرة” لتحقيق ما وعدت به. وهذه الفرصة الأخيرة في الحقيقة ليست للحكومة بقدر ما هي لعباس نفسه، طمعا في أن يجلب لجمهوره ولو شعرة من ذيل الذئب! حتى لو جاءت هذه الشعرة على صورة “تفاهمات لتوسيع البيوت في القرى غير المعترف بها في النقب”!!!!
- السيناريو الثاني: سقوط حكومة بنيت- لبيد- عباس. وهذا أقرب الاحتمالات إلى الواقع. وعندها ستسقط الموحدة سقوطا مروِّعا، وأظن أنه لن تقوم لها قائمة بعد ذلك، وسوف تحتاج الإسلامية الجنوبية إلى سنين كثيرة وجهود كبيرة لإصلاح ما فسد ولالتقاط الأنفاس ومحاولة استعادة ثقة الناس بعد تغيير وجوه واتخاذ خطوات قاسية- كانت ذات يوم في غنىً عنها- للحفاظ على ما تبقى من أمل في الاستمرار، وسط متغيّرات متسارعة وأحداث تتفاعل بسرعة الضوء على الساحة المحلية والإقليمية والعالمية.
- السيناريو الثالث: استمرار حكومة بنيت- لبيد- عباس لفترة قادمة، من خلال دعم الموحدة للحكومة ومنعها من السقوط حاليا، ولو لبضعة أشهر قادمة، طمعا في أن تمر عاصفة الأحداث الحالية، وفي هذه الأثناء ستحاول الموحدة إقناع نفسها وجمهورها بإمكانية تحقيق ما فشلت في تحقيقه حتى الآن، من خلال ممارسة لعبة الضغوط. وهذا السيناريو قريب من الواقع كذلك، إذ أن الموحدة لا يمكنها التراجع قيد أنملة، بل ستواصل المزيد من الغرق في مستنقع السقوط الحرّ حتى تجد نفسها قد اصطدمت بجدار الواقع المرّ، والذي فيه السطر الأخير: الإنجازات صفر. وعندها سيكون حالها أسوأ بكثير من الحال الذي يمكن أن تصل إليه فيما لو اختارت السيناريو الأول. ومن متابعة سلوك الموحدة في دعم اقتراحات القوانين، وخاصة تلك المثيرة للجدل، فإن الموحدة لا يسعها إلا أن تصوّت إلى جانب قانون تمويل المنح الدراسية للجنود، والذي سيُطرح للتصويت يوم الاثنين القادم.