صحافيو مصر تحت الحصار الأمني
عام 2015 فوجئت سلمى (اسم مستعار) بفصلها تعسفيًا من الجريدة الخاصة التي عملت فيها لـ 7 سنوات. كانت سلمى، صحافية متخصصة في الشؤون السياسية، تتابع أخبار الأحزاب والائتلافات، وتتعقب مسارات عمل لجان السياسات في المراكز البحثية الحكومية والأهلية، وتجري حوارات مع أهم الرموز السياسية في مصر منذ ما بعد ثورة 25 يناير وتقدم قراءات عميقة في ملفها.
لكن فجأة قررت الصحيفة التوقف عن نشر هذا النوع من التقارير الصحافية والاكتفاء بنشر البيانات الرسمية فقط، والتواصل مع الشخصيات السياسية الموالية للانقلاب، ممن يثمنون جهود عبد الفتاح السيسي، ويشيدون بقراراته، ويرحبون بسياساته ويثنون عليها.
لم تتمكن سلمى من مجاراة التغييرات التي طرأت على الساحة الصحافية، فتراجع أداؤها وذبلت همتها، حتى فوجئت بقرار فصلها تعسفيًا، بحجة أنها لا تلتزم الحضور يوميًا في مقر الجريدة، ولا مواعيد الحضور والانصراف على طريقة الموظفين والإداريين.
غابت سلمى عن الوسط الصحافي بعدها لفترة، كاستراحة محارب، لكن عندما قررت العودة مجددًا، لم تجد لها مكانًا وسط هذه المتغيرات الكبرى التي دخلت على المجال الصحافي والإعلامي، فعملت مراسلة لجريدة إماراتية مختصة بأخبار المرأة والفن لفترة، بعدها أشرفت على محتوى حساب جمعية أهلية على موقع “فيسبوك” حيث تولت مراجعة التدوينات وتدقيقها قبل نشرها ضمن من عُرفوا أخيرًا بـ “صناع المحتوى”، قبل أن ينتهي بها الحال ربة منزل.
تجفيف منابع الصحافة وتصفيتها بمحاربة الصحافيين الموهوبين والمهنيين، طاول سلمى كما طاول المئات غيرها، عدا أولئك الذين تمكنوا من التحايل على الرقيب الأمني الجديد بالتحول للكتابة في الفنون والثقافة كمخرج من التملق والاعتماد على صحافة البيانات الرسمية والحكومية، أو كمدخل للاستمرار في العمل الصحافي من دون تأنيب ضمير.
وهناك من استمر في العمل الصحافي، مواصلًا مسيرته تحت ظروف بالغة الصعوبة، سواء أكانت أمنية أم اقتصادية، راضيًا بأجور هزيلة، وسقف منخفض، وتهديدات أمنية، ومواقع محجوبة، فكان مصير بعضهم السجن.
واقع مؤسف، تُرجم لأرقام وضعت مصر في قعر التصنيفات الدولية مع الأنظمة الديكتاتورية والحكومات القمعية. فحلت مصر في المساحة السوداء، حيث حالة الإعلام تنتقل من سيّئ إلى أسوأ في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود” المستقلة، بعدما حلّت في المرتبة الـ 168 في نسخة عام 2022.
كذلك أصبحت مصر أحد أكبر السجون في العالم بالنسبة إلى الصحافيين وفق ما ذكر تقرير المنظمة نفسها.
مصر التي كانت رائدة الصحافة في العالم العربي، بعدما أصدرت أول صحيفة في العالم العربي عام 1828، أصبحت لا تتوانى عن حملات الاعتقالات المستمرة بحق صحافيين، يقضي أغلبهم سنوات في الحبس الاحتياطي من دون أية تهمة أو حتى المثول أمام محكمة.
وبمحاذاة الرقيب الأمني، كان الرقيب الرقمي يشل حركة الصحافيين في مصر، حيث تعاملت السلطات المصرية بمختلف أجهزتها مع دور الصحافة والإعلام في مصر بصورة متماشية مع سياساتها المناهضة للحق في حرية الصحافة والإعلام، وعدائها الكبير لتداول المعلومات، بهدف تسييد رواية الحكومة الرسمية عن كل ما يحدث في البلاد، حسب تقييم حقوقي لحالة حرية الإعلام والحريات في مصر لعام 2021، صادر عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
وفي إطار حملة واسعة لحجب المواقع الصحفية بدأت منذ عام 2017، وقادتها جهة رسمية غير معلومة، بلغ عدد المواقع الصحافية التي تعرضت للحجب من قِبَل جهة رسمية غير معلومة أو الصادر بحقها قرار حجب مؤقت من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام 124 موقعًا صحافيًا على الأقل من بين أكثر من 550 موقعًا إلكترونيًا طاوله الحجب.