في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. التغطية من القدس مستمرة وكذلك الاستهداف والتنكيل
يحل اليوم العالمي لحرية الصحافة ثقيلا على العاملين في الحقل الإعلامي بمدينة القدس كل عام، لكن يُجمع صحفيو المدينة المقدسة على أن الأيام الماضية حملت هجمة قد تكون الأشرس ضدهم في محاولة لمنعهم من توثيق ونقل الأحداث المشتعلة في المسجد الأقصى إلى العالم.
استهداف المراسلين والمصورين خلال لحظات الاقتحام الأولى لباحات المسجد كان ملاحظا في الاعتداءات الأخيرة، ولوحظ أيضا تعمد إصابتهم بالأطراف العلوية من الجسم وتكسير كاميراتهم ومعداتهم.
المصور الصحفي المقدسي علي ياسين قال إن أحداث 22 نيسان/أبريل الماضي لن تمحى من ذاكرته وذاكرة كل الطواقم الصحفية التي وجدت نفسها بمجرد اقتحام الأقصى الهدف الأول لوابل من القنابل الصوتية والرصاص المعدني المغلف بالمطاط.
وفي التفاصيل أوضح ياسين “في الثواني الأولى لاقتحام الأقصى على يد القوات الخاصة وجدنا أنفسنا فجأة في منطقة مفتوحة غير محمية عند المتحف الإسلامي، ودون سابق إنذار استُهدفنا بوابل من القنابل الصوتية، فصرخنا بأعلى صوتنا بعد رفع أيدينا للأعلى (صحافة صحافة) لكن دون جدوى”.
الهدف.. الصحفيون ومعداتهم
كانت الكاميرات والمعدات أكبر دليل على هوية المستهدفين في تلك اللحظات، لكن قوات الاحتلال لم تأبه لذلك وهاجمت الموجودين بالدفع، وبمجرد تحركهم لإخلاء المكان بدأت بإطلاق الرصاص المعدني المغلف بالمطاط بشكل مباشر تجاههم فأصيب المصور ياسين برصاصة في عنقه.
وثقت كاميرته لحظة الإصابة واستمراره بالركض والصراخ من الألم حتى استلمته طواقم الإسعاف ونقلته إلى المستشفى، وهناك تلقى العلاج وأخبره الأطباء أن الإصابة حساسة جدا لدرجة أنه كاد يفقد صوته بسبب تضرر الأحبال الصوتية.
لم تكن هذه الإصابة الأولى لياسين ويجزم أنها لن تكون الأخيرة، وأمام هذا الواقع القاتم يرفض هذا الشاب الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة قائلا “لم أشعر يوما بالحرية في ممارسة عملي الصحفي، نحن ملاحقون ومقموعون دائما ونعمل في ظروف خطرة على مدار العام”.
تفاصيل هذا اليوم و8 أخرى اقتُحم خلالها المسجد الأقصى في شهر رمضان، وثقتها عدسة مصور دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس رامي الخطيب الذي تعرض لاعتدائين خلالها.
يقول الخطيب “كموظف في دائرة الأوقاف يعتبر توثيق أحداث الأقصى ضمن مهامي، وصلت يوم 15 أبريل/نيسان إلى الساحات للتغطية فتوجه لي مجموعة من القوات الخاصة مع ضابطهم الذي سألني من أنت رغم أنهم يعرفون جيدا من أكون.. أجبت بهدوء لكنهم انهالوا علي بالضرب بشكل جماعي”.
بالهراوات والركل اعتدت القوات الخاصة على المصور الخطيب وتركز الاعتداء على رأسه وأطرافه ومعداته، وكانت النتيجة تعرضه للرضوض في كافة أنحاء الجسم وكسر في يده اليمنى وتحطيم كاميرته وعدسته.
قرر رامي تخطي حاجز الصمت ولجأ إلى القضاء رغم إيمانه بانحيازه وعنصريته، لكنه يقول إن ما دفعه لذلك أن “قضيتي واضحة.. أحمل كاميرا بيد وبالأخرى هاتفا وأوثق بهما الأحداث خلال وجودي بمهمة رسمية في مكان عملي، لم أقترب أثناء التصوير منهم ولم يطلبوا مني الابتعاد عن المكان وكنتُ أسير بعكس اتجاههم.. هذه التفاصيل تحكيها 3 دقائق من التسجيل على الكاميرا”.
ولا تقتصر الانتهاكات على استهداف الصحفيين خلال التغطيات الميدانية بل تمتد لتشمل شن حملات اعتقال واستدعاء، ومن بين ضحايا هذين الانتهاكين الصحفية المقدسية كريستين ريناوي التي عملت على مدار أعوام مراسلة لتلفزيون فلسطين قبل أن يُغلق مكتب القناة في القدس بشكل دائم عام 2019.
وفي حديثها، قالت ريناوي “تعرضت للاعتقال والاستدعاء للتحقيق 9 مرات على خلفية عملي الصحفي مع القناة، وأشعر أنني ما زلت ملاحقة بعدما أكملت عملي الميداني عبر تغطية أحداث المدينة من خلال صفحتي الموثقة على فيسبوك، وتم استدعائي وتهديدي أيضا بادعاء أنني أمثل تلفزيون فلسطين من خلال ممارسة صحافة الموبايل”.
وعن رسالتها في اليوم العالمي لحرية الصحافة كصحفية تضيق مساحة عملها يوميا في المدينة المحتلة، قالت ريناوي “يجب ألا نتغنى بيوم عالمي لحرية الصحافة ونحن نمارس عملنا في القدس ونواصل تغطيتنا دون توفر الحد الأدنى من الحماية والحصانة التي يجب على الصحفي أن يتمتع بها”.
وأكدت ريناوي أن هناك حاجة لتحسين ظروف عمل الصحفيين بالمدينة بتذليل العقبات أمامهم، وتقديم إرشادات السلامة الشخصية والاستشارات القانونية لهم على الدوام ليتمكنوا من مواصلة عملهم بشكل آمن ومهني.
المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية “مدى” وثق خلال عام 2021 المنصرم 562 انتهاكا ضد الحريات الإعلامية في فلسطين، ارتكب الاحتلال 368 اعتداء منها بما نسبته 65% من مجمل الاعتداءات.
ويعتبر الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة من مناسبات الأمم المتحدة، واختير يوم الثالث من مايو/أيار كل عام إحياء لذكرى اعتماد إعلان ويندهوك التاريخي خلال اجتماع للصحفيين الأفريقيين نظمته اليونسكو عام 1991.
وينص الإعلان على أنه لا يمكن تحقيق حرية الصحافة إلا بضمان بيئة إعلامية حرة قائمة على التعددية، بالإضافة لضمان أمن الصحفيين أثناء تأدية مهامهم، وكفالة التحقيق في الجرائم ضد حرية الصحافة تحقيقا سريعا ودقيقا.