الشيخ رائد صلاح في مقابلة شاملة.. أكد على التلاحم بين السلم الأهلي في الداخل والثوابت الإسلامية العروبية الفلسطينية
الشيخ رائد صلاح:
- حذّر من أجواء التحريض ضده: من يحرضون يصنعون أجواءً تسهل إعدامي في كل لحظة، ولا أدري متى يحدث ذلك، في أي وقت وفي أي مكان
- الوصاية الأردنية على الأقصى في امتحان صعب: مقاولو التطبيع يحاولون رسم علاقة مباشرة مع المسجد الأقصى المبارك بالقفز عن سيادة هيئة الأوقاف الإسلامية
- عن تجارب المشتركة والموحدة: هذه التجارب كانت مصادمة لغالبية مجتمعنا في الداخل ولا تزال تثير الدهشة عنده، لا شك أنها بحاجة إلى تقييم. ولا زلت أتمنى أن تقوم مراجعات جادة عند المشتركة والموحدة
عبد الإله معلواني، طه اغبارية
أكد الشيخ رائد صلاح، رئيس لجنة “إفشاء السلام” القُطرية، المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، أن الاشتغال بملف العنف وتعزيز السلم الأهلي في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل، يتلاحم مع ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية وفي مقدمتها ثابت نصرة القدس والمسجد الأقصى المباركين، على اعتبار أن “الاستقرار في الداخل يعني قوة الموقف في الخارج، والتماسك في الداخل، يعني التماسك في الموقف لنصرة كل قضايانا وثوابتنا وفي مقدمتها القدس والمسجد الأقصى المباركان، فلا يمكن لأية أمة أنْ تكون ذات إرادة موزونة مع بقية الأمم وهي متصدعة من الداخل”.
جاءت أقوال الشيخ رائد صلاح في سياق مقابلة شاملة متلفزة، ضمن برنامج “قضايا”، أجراها معه الزميل عبد الإله وليد معلواني، وجرى بثّها عبر استوديوهات “موطني 48”.
وفيما يلي النسخة المكتوبة من المقابلة لصحيفة “المدينة”:
المدينة: بعد تحرركم من السجون الإسرائيلية، انطلقتم في جولات ولقاءات مكوكية مع المجتمع الفلسطيني في الداخل، نحو عنوانين: الأول: إعادة إحياء وتفعيل لجان إفشاء السلام، والثاني: معالجة تبعات مظاهر العنف والأزمات الاجتماعية التي نتجت عنها. أين وصلت مسيرة وأنشطة لجان إفشاء السلام، وماذا تبلور عنها من انعكاسات على الواقع المجتمعي؟
مشروع إفشاء السلام
الشيخ رائد: بحمد الله رب العالمين أستطيع أن أقول، إننا حتى هذه اللحظة، أقمنا في أكثر من 90% من بلداتنا، لجان إفشاء سلام محلية، وقد وزّعنا هذه اللجان على تسعة أقاليم من الجليل حتى النقب، وكل إقليم يضم مجموعة من هذه البلدات، ما يعني أنّ كل بلداتنا، سواء كانت صغيرة بعددها، أو كبيرة، توجد فيها الآن نواة للجنة إفشاء سلام، وهناك بعض البلدات التي سنستكمل إقامة اللجان فيها، إن شاء الله تعالى، إلى جانب ذلك لدينا الآن إدارة لجان إفشاء السلام العامة التي تعقد جلسة أسبوعية لها وتتابع كل مسيرة لجان إفشاء السلام المحلية.
وقد اجتهدنا طوال الوقت أن تكون كل لجنة إفشاء سلام محلية تعكس البناء الاجتماعي في كل بلدة، سواء كان هذا البناء يقوم على تعددية حمائلية أو دينية أو سياسية، ولذلك هناك لجان كثيرة تضم أعضاءً من الأهل المسلمين والأهل المسيحيين والأهل الدروز، وبطبيعة الحال في كثير من البلدات كل الأحزاب السياسية ممثلة في كل هذه البلدات، إلى جانب ذلك فإن الإدارة العامة التي تجلس أسبوعيًا أخذنا هذا البعد الهام بعين الاعتبار، لذلك وجدنا من الضروري أن نضم إلى الإدارة العامة: الأب صالح راعي الكنيسة في سخنين، والأب سيمون راعي الكنيسة في كفر كنا. كذلك حدّدنا لأنفسنا استراتيجية عملنا التي تقوم على ثلاث خطوات: الوقائية، والعلاجية، والخطوة الثالثة هي الردع، وهناك تفصيل كثير للحديث عن هذه الخطوات.
المدينة: هل بات المجتمع العربي في ظل التحولات السياسية والاجتماعية خلال العقدين الأخيرين هشّا ومتفرقًا؟ وهل لمستم أن مجتمعنا استقبل تحركاتكم مع بقية اللجان القطرية بالترحاب والقبول، أم لاقيتم صعوبات؟
الشيخ رائد: لا شك كانت هناك صعوبات في إقامة لجان إفشاء السلام المحلية، ولكن الحمد لله رب العالمين تجازونا معظم هذه الصعوبات. الكل بشكل عام رحّب بإقامة لجان إفشاء السلام، على صعيد رؤساء السلطات المحلية العربية، لدرجة أنّ الغالب منهم كان يؤكد جملة واحدة، أنّ هذا المجلس وطاقاته وقدراته تحت تصرفكم.
وبطبيعة الحال، وجدنا الترحاب الكبير من لجنة المتابعة ومن رئيس اللجنة الأخ أبو السعيد، لا سيّما أن اللجان منبثقة عن لجنة المتابعة، كذلك وجدنا الترحاب من الأخ مضر يونس رئيس اللجنة القطرية، وسيتاح لي، إن شاء الله تعالى، في مؤتمر السلطات المحلية العربية الذي سيكون في شهر أيار وسيعقد في أحد فنادق مدينة أريحا.
سيتاح لي أن أُعطي مداخلة لكل رؤساء السلطات المحلية حول مسيرة لجان إفشاء السلام، وماذا نريد منهم في مسيرة هذه اللجان، أود أن أؤكد أن هذا الترحاب وجدناه عند الجميع بدون استثناء، من الأهل المسلمين، من الأهل المسيحيين ومن الأهل الدروز، ولا أنسى كلمة رئيس مجلس محلي أبو سنان، وهو من الأهل الدروز، الأخ فوزي مشلب، إذ قال بالحرف الواحد في ختام تأسيس لجنة إفشاء السلام في “أبو سنان”: كل ما في مجلسنا تحت خدمتكم ومن أجل دفع هذه المسيرة إلى الأمام. لا شك أن مجتمعنا فيه تعثرات وعيوب وهذا لا يخفى على أحد، ولكن معدنه أصيل وخميرته المباركة موجودة في داخله، النفوس الطيبة، رأس مال مجتمعنا، لا تزال هي الأصل في مسيرة هذا المجتمع، لذلك، إن شاء الله تعالى من خلال الخطوات الأساس الاستراتيجية لمسيرة لجان إفشاء السلام، سننهض سويًا نهضة حضارية في مجتمعنا إلى الأمام إن شاء الله تعالى.
المدينة: يرى البعض أن الاشتغال بملف العنف ولجان إفشاء السلام من وجهة نظرهم، جاء على حساب قضايا أخرى، وخاصة قضية القدس والمسجد الأقصى المباركين التي ارتبط الشيخ رائد صلاح بهما منذ 42 عامًا، هل تؤيد هذا الرأي، أم أن هناك علاقة وترابطًا بين العنوانين؟
السّلم الأهلي..
والتلاحم مع الثوابت
الشيخ رائد: هناك تلاحم بين العنوانين وليس مجرد ترابط، لأن الاستقرار في الداخل يعني قوة الموقف في الخارج، والتماسك في الداخل، يعني التماسك في الموقف لنصرة كل قضايانا وثوابتنا، وفي مقدّمتها القدس والمسجد الأقصى المباركان، لا يمكن لأية أمّة أنْ تكون ذات إرادة موزونة مع بقية الأمم وهي متصدعة من الداخل، ورحم الله ذاك المصلح الذي قال: إنّ الفوضى في الخارج تنبع من الفوضى في الداخل، والنظام في الخارج ينبع من النظام في الداخل. لذلك، كلي قناعة، أننا إذا أردنا أن نحفظ دورنا الفعال الأمين الوفي لقضية الأرض والبيت والمقدسات والقدس والمسجد الأقصى المباركين، لقضية النقب، لقضية المدن الساحلية وسائر قضايانا بكل عناوينها، لا يمكن أن نؤدي هذا الدور إلا إذا نجحنا في ضبط مسيرة مجتمعنا على قواعد السّلم الأهلي والأمن الداخلي على صعيد الأسرة وعلى صعيد الجيرة الحسنة، وعلى صعيد الشارع، الحارة وكل بلدة. الأمّة التي تحافظ على أمنها الداخلي هي الأمّة المبدعة، أمّا الأمة التي تعاني من قلق واضطراب داخلي، هي أمّة فوضوية لا تحسن التفكير ولا تحسن أداء دورها إطلاقًا. هذا ما يجعلني أؤكد وأقول إن كل همومنا وكل قضايانا لا يمكن أن ننجح فيها، إلا إذا نجحنا أولًا في الحفاظ على قيم لجان إفشاء السلام في مسيرة الفرد والأسرة والمجتمع.
المدينة: نعيش منذ بداية شهر رمضان أحداثًا متدحرجة في مدينة القدس والمسجد الأقصى المباركين، من انتهاكات واعتداءات على الآمنين المصلين والمعتكفين، ودعوات متطرفة لتهويد المسجد الأقصى، وإقامة صلوات وقرابين وغيرها من تقسيم زماني ومكاني، مع أنكم أشرتم واستشرفتم هذه المخططات وكتبتم عنها منذ أكثر من عقدين، واليوم الأمور بدأت تتضح أكثر وتسير في منحنى خطير، هو ذات المُنحنى الذي تحدثتم عنه طوال ربع قرن، في وقت كان البعض يشككون ويبررون، وأحيانًا أخرى يسخرون ويتهمونكم بالمبالغة وتضخيم الأمور، كيف تصف ما يحدث في القدس والمسجد الأقصى المباركين؟
الأقصى في خطر دائم
الشيخ رائد: أقولها بكلمات واضحة، وأؤكد ما قلته في الماضي، أنّ المسجد الأقصى المبارك كما يعلم كل عاقل في كل الأرض هو الآن محتل، وفق فهمنا للقرآن، هو محتل، وفق ميزان ثوابتنا الإسلامية العربية الفلسطينية هو محتل، وفق ميزان تاريخنا وحضارتنا الإسلامية العربية هو محتل، ووفق القانون الدولي هو محتل، ووفق قرارات هيئة الأمم المتحدة هو محتل، وبالتالي هناك الآن وضوح لما أقوله عند كل أهل الأرض بدون استثناء، ولا يماحك في ذلك إلا مماحك مغرور لا قيمة لمماحكته. ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أن المسجد الأقصى المبارك ما دام محتلًا، إذًا فهو في خطر دائم، وما دام محتلًا إذًا هناك قابلية أن تقع عليه اعتداءات مختلفة بأساليب مختلفة بعناوين مختلفة، ما دام يعاني من الاحتلال. ولذلك بنظرة سريعة، لو عدنا إلى عام 1967 فصاعدًا، لوجدنا أنّ هذه المرحلة التي لا يزال فيها يعاني الأقصى المبارك من مأساة احتلاله، قد تزاحمت فيها الاعتداءات بأساليب وعناوين مختلفة في الماضي وحتى هذه اللحظات، لا يزال هناك مشهد متواصل لهذه الاعتداءات. كلنا يعرف أنّ هناك كان عنوان الحفريات، أضيف إليه عنوان الاقتحامات، أضيف إليه دعوة البعض إلى التقسيم الزماني، ودعوة البعض إلى التقسيم المكاني، ودعوة البعض إلى المجاهرة بإقامة الصلوات التلمودية وطقوسها كذبح القرابين في المسجد الأقصى المبارك. هذه كلها أعراض، وليست هي الأصل، فالأصل أنّه محتل، تمامًا كأن نقول هناك مريض بمرض كذا، ولهذا المرض أعراض، مصيبة هذا المريض ليست في الأعراض فقط، هذه أشياء جانبية منعكسة عن أصل المرض الذي يعاني منه هذا المريض، وهكذا المسجد الأقصى المبارك يعاني من احتلال ولهذا الاحتلال أعراض، وكل ما ذكرته هو من أعراض الاحتلال.
المدينة: يستذكر كثير من قادة الرأي والمراقبين في محيطنا العربي تحذيرات وقلق بدا واضحًا وجليّا لدى الشيخ رائد صلاح من خلال كلمته قبيل دخول سجنه الأخير بدقائق على مصير الوصاية الهاشمية تجاه المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، وخصوصًا المسجد الأقصى المبارك. بعد هذه التطورات الأخيرة، هل باتت الوصاية الهاشمية في خطر حقيقي، وما الرسالة الموجهة منكم للقيادة الأردنية، وكذلك للجنة القدس في منظمة التعاون الإسلامي؟
الوصاية الهاشمية في امتحان صعب
الشيخ رائد: الوصاية الهاشمية الآن في امتحان صعب، فمن يتابع الأحداث بتمهل، يجد أنّ هناك سعيًا لإلغاء سيادة هيئة الأوقاف الإسلامية التي يقف على رأسها فضيلة الشيخ عبد العظيم سلهب، وهي تُمثّل الوصاية الهاشمية ووزارة الأوقاف الأردنية. هناك سعي لإلغاء هذه السيادة من طرفين: الطرف الأول، هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يفرض قيوده وإرادته بقوة احتلالية على كل تصرفات هيئة الأوقاف الإسلامية، وقد سمعنا ذلك مباشرة لدى الزيارة الأخيرة لهيئة الأوقاف، لدرجة أنّ هيئة الأوقاف باتت شبه مكبّلة اليدين، لا تستطيع أن تغير مصابيح كهربائية احترقت، ولا تستطيع تغيير أجهزة سماعات تعطلت، أو تغيير بعض الحجارة في المسجد الأقصى لتعيد ترميمها كما يجب، هذا يتمّ بمنع واضح من الاحتلال الإسرائيلي، وكأن هناك هدفًا مرسومًا لإلغاء سيادة هيئة الأوقاف الإسلامية التي تمثّل الوصاية الهاشمية.
من جانب آخر، هناك محاولة أيضا لتمييع هذه السيادة- للأسف- من قبل مقاولي التطبيع في العالم العربي، ويستشف ذلك من خلال المحاولات من بعض مقاولي التطبيع رسم علاقة مباشرة مع المسجد الأقصى المبارك بالقفز عن سيادة هيئة الأوقاف الإسلامية، ومحاولة إيجاد مفاهيم جديدة. فمثلًا عندما نستمع إلى مصطلحات يجب أن توقفنا بشكل واضح حتى نفهمها جيدًا، مثل مصطلحات تقول إن المسجد الأقصى يجب أن يكون مكان عبادة لكل الديانات، وعلى هذا الأساس بدأت تتردد هذه المقولة على ألسنة مقاولي التطبيع.
معنى ذلك، أنّ هذه المقولة تشرعن اقتحامات الأقصى، فهذا اقتحام تحت هذه المقولة، وكأن الأقصى تحوّل مشاعًا بدون سيادة، وكأن من يملك فرض موقفه بلغة القوة، يمكن أن يفرض رؤيته، هذا ما نلمسه فيما يصدر عن مقاولي التطبيع العرب في هذه الأيام. واضح جدًا أنهم يريدون تجاوز مرحلة سيادة هيئة الأوقاف التي وضعت ضوابط لمسيرة الحياة اليومية في الأقصى المبارك، من منطلق أن المسجد الأقصى المبارك في نظر هيئة الأوقاف الإسلامية التي يقف على رأسها فضيلة الشيخ عبد العظيم سلهب، أنه مسجد أقصى يمثل حقًا إسلاميًا عروبيًا فلسطينيًا خالصًا، لا يقبل شراكة، ولا تقسيمًا، ولا تفاوضًا، ولا مساومة على أي شيء. بالتالي يريد مقاولو التطبيع العرب القفز عن كل ذلك، ومرة واحدة يريدون أن يقولوا لا هو (الأقصى) مكان يمكن لكل الديانات أن تؤدي فيه عباداتها.
المدينة: تُراهن التيارات اليمينية المتطرفة على فتور وضعف الإرادة الشعبية لمجتمعنا الفلسطيني مع مرور الوقت في أداء واجبهم مع البِرّ والوصال للمسجد الأقصى المبارك؛ فما هو الدور المطلوب من أهل الداخل تحديدًا بكافة توجهاتهم وانتماءاتهم؟
إرادة الشعوب لا تموت
الشيخ رائد: من يراهن على ضعف إرادة الشعوب، هو إنسان واهم، لا يمكن لشعب أن يموت في يوم من الأيام، بالذات إذا تحلى بثوابت الحق التي نتحلى بها، الحمد لله رب العالمين. ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، ثوابت حق، هذه هي روح أي شعب على صعيد الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني، هذه الروح لا تموت، لذلك إرادة هذه الشعوب لا يمكن أن تموت، يمكن أن تمرض، أن تضعف في يوم من الأيام، ويمكن حتى أن تتعثر، كل هذا طبيعي، ولكن لا يمكن أن تموت، دائمًا هي حيّة بحياة ثوابتها الحقة في كل مسيرة حياتها، وإلا لما كان هناك أصلًا تاريخ إسلامي، ولما كانت هناك حضارة إسلامية، لذلك الذي يظنّ لنفسه أنّه سينجح في إماتة هذه الروح، هو إنسان واهم وتافه لا يدري ماذا يقول. لكن هذا لا يعني أن هذه الثوابت تحافظ على حياتها بذاتها، بالطبع لا، لذلك من واجبنا أن نحتضن ثوابتنا، أن نفهمها جيدًا، أن نكون أوفياء لها، وأن نُحسن إفشاءها كجزء من إفشاء هويتنا وجذورنا وانتمائنا، بحيث تمثّل لنا الرؤية السليمة والإرادة السليمة والفهم السليم لما يجري اليوم وغدًا وبعد غد، إلى أن نلقى الله تعالى.
المدينة: لو طلبنا أن تُوجّه رسالة إلى قيادات المؤسسة الإسرائيلية، فماذا تقول لهم؟
من يتنكر لامتدادنا يضحك على نفسه وشعبه
الشيخ رائد: تحاول قيادة المؤسسة الإسرائيلية في الفترة الأخيرة- عبثًا- أن تشطب هويتنا، كأننا غير موجودين في أرضنا وبيوتنا ومقدساتنا، وهذه محاولة عبثية ستكون حصيلتها صفرًا للمؤسسة الإسرائيلية. والواضح لما أقوله نجده في موضوع قانون القومية، وكأننا تجمع أفراد على ظهر سفينة أو في طائرة، ثمّ سيتوزعون كل إلى مشواره الخاص به، وهذا مستحيل. نحن أمّة ونحن شعب ومجتمع، لنا ارتباطنا وامتدادنا الإسلامي العروبي الفلسطيني، من ينكر ذلك أو يتنكر له فهو لا يضحك إلا على نفسه وعلى شعبه، بالذات من يطلّون علينا بين الفينة والأخرى، من خلال منابر بعض وسائل الإعلام العبرية، ويقدمون أنفسهم على أنهم خبراء، شيء عجيب كيف يحللون ويدلون بدلوهم في بئر جافة ولا يدركون ما يقولون في نهاية الأمر.
المدينة: منذ تحرّركم من السجن، لاحظنا حالة من التحريض الممنهجة من قبل تيارات متعددة تجاه قيادات محلية فاعلة، في كل حدث ساخن قد يحدث في البلاد، كان جُلّها في الآونة الأخيرة على الشيخ رائد صلاح، كما رافق ذلك البحث عن أشخاص التقطوا صورًا أو زاروكم للتهنئة أو قابلتهم في لقاء اجتماعي عام أو حتى في الطريق العام، أو يربطون أي حدث بالحركة الإسلامية الشمالية التي هي محظورة ومنتهية قانونًا، حتى حدا بك أن تكتب حول الأمر، كما أعلنتم أنّكم ستتوجهون لمقاضاة هؤلاء المحرضين مهما كانت صفتهم، من السياسيين أو الكتاب أو الصحفيين أو غير ذلك. كيف تردون على هذا التحريض؟ ولماذا قررت هذه المرة مقاضاة المحرضين مع أن هذه السلسلة من التحريض ليست جديدة على الشيخ منذ أكثر من ربع قرن؟ وأين وصلت التحركات القانونية بهذا الشأن؟
هجوم متواصل لنزع
شرعية إنسان اسمه رائد صلاح
الشيخ رائد: هذا الكم الهائل من التحريض المتواصل حتى الآن، واضح لي أنه قائم على باطل وعلى سطحية شعبوية، ويذكّر بالمصطلح المعروف في الإعلام العبري “عليهم”. الكل، إسرائيليًا، تبنى سياسة “عليهم”.
واضح لي أنّ هذا الهجوم المتواصل يحاول انتزاع شرعية وجود إنسان اسمه رائد صلاح، وكأن وجودي بحد ذاته هو تهمة، ممنوع أن أكون موجودًا، ممنوع أن أتحدث، ممنوع أن أزور القدس المباركة والمسجد الأقصى المبارك، ممنوع أن أزور النقب وأزرع شتلة في أرض الشيخ صياح، ممنوع أن أعزي في وفاة أي إنسان منّا في كل الداخل الفلسطيني بدون استثناء، ممنوع أن أمشي في مشوار إصلاح إلى مدينة الخليل. كل ما أقوم به يحاولون تحويله إلى تهمة، واضح أنّ الهدف هو نزع شرعية إنسان اسمه كذا وكذا، ومحاولة فرض قطيعة ما بينه وبين مجتمعه، وكأن من يحرّضون يطمعون أن مجتمعه سينبذه وسيقال لي إنك تشكل حرجًا لنا جميعًا، لا يمكن أن نتواصل معك، وأنّ التواصل معك “يجلب الشبهة”.
أبعد من ذلك، بنظري الذين يحرضون يصنعون أجواءً تسهل إعدامي في كل لحظة، ولا أدري متى يحدث ذلك، في أي وقت وفي أي مكان. فمثلا عندما تجد من يقولون في المواقع العبرية إن “هذا الإنسان يستحق صاروخًا، أو ينقصه تصفية ممنهجة أو قنبلة موقوتة”. بناء على ذلك، وكما يقال في لغتنا العربية: “بلغ السيل الزبى”. حيث اقتحموا كل الحدود، لذلك فأنا في موقف لا أجد إلا أن نحاول الرد على هؤلاء المحرضين بالدعوة إلى مقاضاتهم عبر القضاء الرسمي، خاصة من دعوا إلى إعدامي بشكل صريح لا يقبل أي معنى آخر، وهي دعوات موجودة وكثيرة وموثّقة. أنا في تواصل مع طاقم من المحامين وهم على وشك أن يبدأوا بالإجراءات لتقديم الشكاوي بشكل رسمي إلى العناوين المناسبة بهذا الخصوص.
المدينة: لا يزال الشيخ رائد صلاح يرى المشاركة للتيارات السياسية العربية مهما كانت توجهاتها في الكنيست، خطيئة وطنية، وهرولة خلف سراب لن يحقق شيئًا، ولكن في الآونة الأخيرة طرحتم ثلاث مبادرات: الأولى: دعوت القائمة الموحدة والقائمة المشتركة لإعادة تقييم التجربة، وعقد مراجعات جادة لنتاجها وآثارها على واقع ومستقبل مجتمعنا في الداخل.
الثانية: دعوت القائمة الموحدة لحوار مشترك وهادئ لتصويب المسار، وتوفيق الرأي والمنهج على قاعدة أدب النقد والثوابت الفلسطينية العروبية الإسلامية. الثالثة: دعوت القائمة الموحدة من رحاب المسجد الأقصى المبارك إلى الانسحاب فورًا من الحكومة الإسرائيلية، والعودة للتمسك بالثوابت الفلسطينية العروبية الإسلامية؟ فما كانت نتائج هذه الدعوات؟ وهل استطعتم عقد لقاءات ثنائية مع القائمة الموحدة من جهة، والمشتركة من جهة أخرى، وما نتج عن ذلك؟ وما رأيكم في قرار القائمة الموحدة في تجميد عضويتها في الحكومة رغم أن الكنيست في عطلة؟
المشتركة والموحدة.. دعوة لتقييم التجارب
الشيخ رائد: الكل يعرف موقفي من الكنيست، ولا أرى أية جدوى في دخول هذه الحلبة التي اسمها الكنيست، مع التجربة التي عشناها، وهي تجربة طويلة، لم تحق لنا حقًا ولم ترفع عنّا باطلًا، نقطة وأول السطر. هذه خلاصة وعليها حديث كثير جدًا، ولكن مع ذلك حاشا لله أن أتحدث مع أي طرف آخر له رأي آخر، بلغة تخوين أو تجريح أو تكفير لا سمح الله.
أنا أنتقد الدخول إلى الكنيست ولا زلت أنتقده وفق قناعتي التي بينتها آنفا، ولذلك دعوت إلى ضرورة القيام بمراجعات، شهدنا كلنا مسيرة القائمة المشتركة ودخولها في مسيرة أوصلتها إلى لحظة أوصت بغانتس لرئاسة الحكومة، فهذا بتصوري بحاجة إلى مراجعات إلى أين وصلنا؟! فالمشتركة فتحت الباب واعتبرها السبب في أن تأتي بعدها الموحدة وتخطو خطوة أخرى، وهي ليست مجرد توصية وإنما المشاركة في حكومة إسرائيلية، فهذه التجارب كانت مصادمة لغالبية مجتمعنا في الداخل ولا تزال تثير الدهشة عنده، لا شك أنها بحاجة إلى تقييم.
ولا زلت أتمنى أن تقوم مراجعات جادة عند المشتركة والموحدة وأتمنى أن تكون هناك فرصة لنتحدث سويًا وجهًا لوجه بشكل واضح، بعيدًا عن مجرد مقالات إعلامية أو انتقادات إعلامية من بعيد لبعيد. وأنا لا زلت أتمنى بالذات على القائمة الموحدة، كما قالها أحد أعضاء الموحدة، وهو علاء جبارين من مدينة أم الفحم، حين قال “بلغ السيل الزبى وانتهت القصة”، هكذا كتب في تعقيبه. وأنا أوافق على هذا الأمر أنّه فعلًا “بلغ السيل الزبى وانتهت القصة”، بمعنى أن كل هذا المسار الذي قاد القائمة الموحدة إلى ما قادها إليه وأنه آن الأوان للانسحاب الفوري من الحكومة كأحد الإجراءات وليس كل الإجراءات. ولذلك، ومثل علاء جبارين، نجد الكثير من قيادات الموحدة تحدثوا بنفس الاتجاه، مثل: الشيخ إبراهيم عبد الله، والشيخ محمد حسن سلامة وهو من المرجعيات الشرعية، والشيخ خالد مهنا وغيرهم. بتصوري لم تكن هذه الدعوات من قيادات في الموحدة بسبب صراعات، وإنما هي غيرة على الموقف المطلوب الصحيح، وأنّه لا يجوز الابتعاد عن أصولنا ببعدها الإسلامي العروبي الفلسطيني.
المدينة: يتداول الكثير من أبناء العالم العربي والأمة الإسلامية باستغراب حالة فكرية طارئة حول “أن هناك تيّارًا ذا خلفية إسلامية يشارك في الكنيست، ومن ثم يصبح جزءًا من الحكومة الإسرائيلية”، والبعض الآخر مارس دوره في السلطة لتوقيع اتفاق التطبيع كما حدث في المغرب، مما وجّه سهام النقد إلى التيارات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي على أن هذه التحولات امتداد فكري لهذا التيار، خلافًا للرأي المعاكس الرافض لهذه التوجهات والأفعال. فهل نحن أمام حالة من فقدان البوصلة الفكرية لدى بعض هذه التيارات الإسلامية، أو هو ضياع الفكرة والهوية وتنازل عن الثوابت، أم نحن أمام تطور فكري براجماتي بحكم الواقع كما يُسميه البعض؟
الشيخ رائد: قناعتي الشخصية أنه حاشا لله أن يكون هذا مصادمًا للعقيدة من حيث المبدأ أو تنازل عن الثوابت من حيث المبدأ، لا شك أن البعض دخل في مسار، نعم صادم ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، وبُني على هذا الانحراف الذي دخل فيه، تبعات ثقيلة جدًا، لدرجة بدأت تدخل تعابير جديدة، ما كنّا نتوقعها في يوم من الأيام أن تصدر من إنسان مسلم عربي فلسطيني، يتحدث بلغة يفهم منها وكأنه يتوافق مع مصطلحات هجينة للمسجد الأقصى المبارك، أو يُفهم منها وكأنه يدعو إلى إباحة الصلاة في جزء من المسجد الأقصى المبارك، سواء من داخله أو من خارجه، لا شك أن مثل هذه النتائج هي نتائج مؤلمة جدًا وصادمة جدًا، ومرفوضة طبعًا. ولكن، مرة أخرى أقول، أتمنى على الجميع بما في ذلك من ساروا في هذا المسار ووصلوا إلى هذه النتائج الخطيرة، أنه من الضروري أن نحاسب أنفسنا ونعيش لحظة مراجعات حتى نصطلح مرة أخرى مع ثوابتنا ومع شعبنا ومع جذورنا التي لا زلنا أوفياء لها وأمناء عليها، حتى نلقى الله تعالى.
المدينة: ارتبط دومًا خطاب الشيخ رائد صلاح في أحلك الظروف وأشدها وقعًا بالإيمان والتفاؤل والأمل، والتشجيع نحو الإيجابية والتكافل. ونحن من هذا المُنطلَق، ومن خلال هذا المنبر، نطلب من شيخنا أن يوجّه من بريد وجدانه: رسالة إلى المسجد الأقصى لو كان شخصًا بشرًا ماثلًا أمامك، ماذا تقول له؟ وبماذا تخاطبه وأنت ترى ما يُحدق به من أخطار؟
لو كان الأقصى رجلًا
الشيخ رائد: لو كان المسجد الأقصى رجلًا، لقلت له ما قاله الشيخ عمر المختار ذات يوم (في سياق تأكيده على الثبات في مواجهة الاستعمار الإيطالي): أيها المسجد الأقصى المبارك إن الضربة التي لا تكسر ظهرك تقويه، وقد ثبت ذلك على مدار تاريخك الطويل، فكم من احتلال حاول أن يكسر ظهرك فخاب وفشل وبقيت منتصبًا، وهكذا ستبقى إن شاء الله حتى قيام الساعة.
المدينة: رسالتك لأبناء شعبنا نحو دورهم المجتمعي أولًا، ومن ثم الديني تجاه القدس والمسجد الأقصى المباركين؟
كيف نحافظ على بيتنا من الداخل؟
الشيخ رائد: أطمع من أبناء مجتمعي، أن نحسن بذل الجهد الراشد والمخلص، للحفاظ على بيتنا من الداخل بسلمه الأهلي وقيمه وأخلاقياته حتى نحسن أن نواصل الدور بإرادة وإخلاص وتكاتف لاحتضان كل ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، وفي مقدمتها القدس والمسجد الأقصى المباركان.
المدينة: رسالة إلى الأئمة والخطباء، والكُتّاب والصحفيين وقادة الرأي في مجتمعنا الفلسطيني؟
حُسن اختيار الكلمة
الشيخ رائد: أقول لكل هذه المجموعة التي تجمعها الكلمة، إن الكلمة أمانة سنُسأل عنها أمام الله يوم القيامة، لا تنسوا قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت. فأحسنوا اختيار الكلمة التي تبني وتزرع التفاؤل وتدعو إلى مستقبل كريم بحمد الله رب العالمين، مهما أحاطتنا الآن من عواصف وضباب وزوابع.
المدينة: رسالتك للشعوب المقهورة في عالمنا العربي وأمتنا الإسلامية، والتي تحدّت بإرادتها آلة البطش باحثة عن حريّتها وهويّتها واستقلالها؟
الأنظمة الظالمة ستزول إن شاء الله
الشيخ رائد: نقول لهذه الشعوب، نحبكم ونقول لكم أنتم الأصل، أمّا الأنظمة الظالمة فهي واقع استثنائي سيزول، وأسأل الله تعالى أن يعجّل بزواله قريبًا إن شاء الله تعالى، وستبقون أنتم ملح أوطاننا على الامتداد الإسلامي العروبي، وستكونون بإذن الله، أملًا لأولادكم وأحفادكم، وأملًا لنهضة إسلامية عروبية تجدد دورنا الحضاري الذي شرّف التاريخ على مدار قرون طويلة من الزمان.
المدينة: رسالتك للعلماء والدعاة والمفكرين في العالم العربي والأمة الإسلامية؟
المطلوب من علماء الأمّة
الشيخ رائد: العلماء ومن يدور في فلكهم من دعاة ووعاظ، صوتهم الآن مطلوب، وهو عبارة عن دواء لشعوبنا، هم الآن في حالات معاناة من أمراض كثيرة، ما بين الشك، وما بين آثار مقاولي التطبيع، وما بين أصوات الهدّامين بما يسمى بإنتاجات فنية على صورة أفلام ومسلسلات، لا يمكن أن نصفها إلا أنها دخيلة بمفهوم استعماري على كل مجتمعنا الإسلامي العربي الفلسطيني. نقول للعلماء: دوركم الآن كبير، ثقيل، حساس، وهو واجب مطلوب دائم، يجب ألا يسكت، وفي نهاية الأمر، فإن ختام ما نعانيه هو الميزان الذي قال الله تعالى فيه: (بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَٰطِلِ فَيَدْمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ…).
المدينة: رسالتك إلى أبناء التيار الإسلامي في مجتمعنا الفلسطيني؟
رسالة إلى أبناء التيار الإسلامي في الداخل
الشيخ رائد: احرصوا على أن تحافظوا على الفهم السليم الوسطي للإسلام وأصول الإسلام، بلا إفراط ولا تفريط، واحرصوا أن تحافظوا على وحدة الحال مع كل مجتمعنا في الداخل الفلسطيني بكل تعددياته السياسية والدينية، فنحن جزء من مجتمع يهمنا أن ننهض نحن وكل أبناء هذا المجتمع سويًا، في مسيرة حضارية كريمة عصامية تدعو إلى التمسك بالأرض والبيوت، والمقدسات، في الحاضر والمستقبل.
المدينة: كلمة من فضيلتكم ونحن على مشارف عيد الفطر المبارك، للأهل ولشعبنا ولأبناء الأمة؟
كل عام وأنتم بخير
الشيخ رائد: أقول للجميع، كل عام وأنتم بخير، وأنا على يقين بحمد الله رب العالمين، أن العيد الذي نعيشه جاءنا بأجواء هموم، ولكن هذه الهموم هي وضع طارئ، آمل إن شاء الله تعالى أن تزول، وأن نسعد بإذن الله رب العالمين، بفجر صادق، وبشمس حرية وضّاحة مضيئة لنا إن شاء الله تعالى، وأن نسعد بعودة كل اللاجئين المشردين من أمتنا الإسلامية وعالمنا العربي وشعبنا الفلسطيني، إلى مسقط رأسهم، على اختلاف مسميات بلدانهم حيث يعيشون الآن غرباء في شتى بقاع الأرض، ولكن دوام الحال من المحال، الحق هو الغالب، نحن الذين نحمل الحق في داخلنا، ولذلك المستقبل لنا إن شاء الله تعالى.