بالنسبة للإسلام والهجرة.. هل هناك فرق بين لوبان وماكرون؟
ينتخب الفرنسيون اليوم الأحد، رئيسا جديدا يقود بلادهم خلال الخمس سنوات المقبلة، فيما يتنافس في الدور الثاني الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون مع زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان.
واختتم المرشحان حملاتهما الجمعة، حيث يفرض القانون الفرنسي اليوم الذي يسبق الانتخابات صمتا انتخابيا، فضلا عن منع نشر نتائج استطلاعات الرأي إلى حدود إغلاق أبواب الاقتراع.
وكشفت آخر استطلاعات للرأي أن ماكرون سيفوز في الدورة الثانية، التي تشكل نسخة ثانية من تلك التي أجريت في 2017، بفارق أقل من الذي سجل قبل خمس سنوات عندما حصل على 66 بالمئة من الأصوات، لكن قد يكون لنسبة الامتناع تأثير كبير.
ومثلما كان متوقعا، كانت مسائل الإسلام والهجرة والإدماج الاجتماعي للأجانب حاضرة بقوة طوال الحملة الانتخابية للمرشحين، لا سيما خلال المناظرة التقليدية، حيث اتهم الرئيس الفرنسي ماكرون، منافسته مرشحة اليمين لوبان بالدفع لـ “حرب أهلية” في فرنسا برغبتها في حظر الحجاب، فيما اتهمته بتبني نظرية المؤامرة.
تقييد حق اللجوء
ورغم الاختلاف في التفاصيل التي تخص ملف الهجرة، إلا أن ماكرون ولوبان يتفقان على مبدأ ضرورة تقييد حق اللجوء، رغم إعلانهما المسبق بالترحيب بلاجئي الحرب الأوكرانية.
يقترح ماكرون تسهيل عملية ترحيل اللاجئين الذين رفضت طلباتهم ومراجعة شروط الحصول على تصاريح الإقامة لأكثر من 4 سنوات وإدراج امتحان للغة الفرنسية لتحقيق الاندماج المهني.
ويرغب الرئيس الفرنسي في تقييد شروط الحصول على تصاريح الإقامة لمدة أربع سنوات أو أكثر من خلال اشتراطها “بامتحان فرنسي وعملية حقيقية للاندماج المهني”، كما يريد وقف تجديد التأشيرات لمواطني الدول الثالثة الذين “يخلّون بالنظام العام” مع ترحيلهم، فضلا عن اشتراط منح التأشيرات بتعاون الدول في ما يتعلق بالعودة إلى التراب الفرنسي.
في المقابل، تقترح لوبان ضرورة تقديم هذه الطلبات من البلد أو الموطن الأصلي في السفارات الفرنسية في الخارج قبل أي هجرة. وتسعى مرشحة اليمين المتطرف إلى أن يدرج في الدستور الفرنسي، من خلال استفتاء، مبدأ “الأولوية الوطنية” من أجل خلق تفوق استثنائي للقانون الفرنسي على حساب القانون الدولي.
وترغب لوبان في حظر تسوية أوضاع الأجانب الذين هم في وضع غير نظامي، للسماح بطردهم المنهجي، وكذلك طرد الأجانب المدانين قضائيا. كما تقترح إزالة تصريح الإقامة لجميع الأجانب وإعادة جميع أولئك الذين لم يعملوا لمدة عام في فرنسا، فضلا عن المعاقبة على التواجد والدخول غير القانونيين إلى فرنسا.
الجنسية الفرنسية
ويتفق المرشحان بدرجات متفاوتة على تشديد عملية الحصول على الجنسية الفرنسية، حيث يشير فريق حملة ماكرون إلى أن نسبة الأجانب المتجنسين قد انخفضت بأكثر من 45 بالمئة في عام 2020 مقارنة بعام 2010، “بحيث يحتفظ اكتساب الجنسية الفرنسية بقيمته الكاملة”.
وبحسب البرنامج الانتخابي الذي طرحه ماكرون، فإن الرئيس المنتهية ولايته يريد اشتراط إتقان اللغة الفرنسية، فيما تريد منافسته لوبان إلغاء حق الأرض والحصول على الجنسية تلقائيا عن طريق الزواج، فضلا عن إدراج الظروف المؤدية إلى إسقاط الجنسية الفرنسية في الدستور.
وتؤيد مارين لوبان الطرد المنهجي لـ “المجرمين غير القانونيين والمنحرفين والمجرمين الأجانب”، فضلاً عن القصر غير المسجلين.
الحجاب
حاولت مارين لوبان تبيض صورة وجهها من خلال التخفيف من حدة خطابها حول الإسلام والمسلمين وقالت في أكثر من مناسبة إنها ليست لها مشكلة مع الإسلام ولا تهاجم المسلمين. وأوضحت مرشحة التجمع الوطني أنها لن تسمح بانتشار “أيديولوجية الإسلام” أو ما أصبح يعرف بالإسلاموية في فرنسا.
وأعلنت لوبان أنها ستحظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة وستفرض غرامة مالية لمعاقبة النساء اللواتي لا تحترمن هذا الحظر. وتابعت المرشحة اليمينية المتطرفة بأن عمليات استطلاعات الرأي تشير إلى أن أكثر من 85 بالمئة من الفرنسيين يمانعون ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.
أما الرئيس المرشح إيمانويل ماكرون فينتقد بشدة اقتراح لوبان ويقول إن مثل هذه القوانين “من شأنها تقسيم البلاد”. ولطالما أعلن ماكرون أن “الدولة لا تحارب الدين”، مشددا بقوله “إذا حظرت مارين لوبان الحجاب، بموجب دستورنا، فسيتعين عليها حظر الصليب وكل الرموز الدينية الأخرى”.
ويواصل ماكرون المؤهل للجولة الثانية دعوة المسلمين واليهود إلى التجمع خلفه ضد اليمين المتطرف في برنامجه الانتخابي: “أريد فرنسا أن تحارب بحزم ضد النزعة الانفصالية الإسلامية ولكنها، من خلال العلمانية، تسمح للجميع بممارسة شعائرهم الدينية”.
محاربة التطرف
ورغم الخطاب المتوازن الذي حاول ماكرون إظهاره خلال الحملة الانتخابية الثانية في ما يتعلق بالحجاب والإسلام، في محاولة لكسب الناخبين المسلمين الذين اختاروا اليسار في الدور الأول، يواصل الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته محاولته المحافظة على الناخبين اليمينيين، الذين كسبهم خلال فترة رئاسته الأولى من خلال إقرار قانون لمحاربة ما تسمى “الانعزالية”، حيث قالت الحكومة إن الغاية منه “تعزيز مبادئ الجمهورية” في مواجهة أخطار عدة، أولها ما تسميه “التطرف الإسلامي”.
وورد في البرنامج الانتخابي لماكرون أنه “ستواصل الدولة العمل لدحر الإسلام الراديكالي، كما يضمن إيمانويل ماكرون في برنامجه، إذا أعيد انتخابه، مواصلة إغلاق الجمعيات المتطرفة والمساجد والمدارس السرية وطرد الدعاة المتطرفين والسيطرة على التمويل الأجنبي”.
ويبدو خطاب مارين لوبان أكثر تطرفا من الرئيس الفرنسي، حيث تقترح قانونا يهدف إلى “محاربة الأيديولوجيات الإسلامية”، ما يجعل من الممكن حظر “إظهارها أو نشرها” على الإنترنت وفي المؤسسات التعليمية. كما أنها تريد إعادة إنشاء “دائرة استخبارات عامة” للكشف “بشكل أفضل” عن المشاريع الإرهابية.
الدين والدولة
يقول ماكرون في برنامجه إن “مبادئ العلمانية تم الدفاع عنها ضد كل ما يهددها” و”تم تطبيق الوسائل للعمل على الأراضي الفرنسية ضد الانفصالية، ولا سيما الإسلام الراديكالي”.
في الواقع، يتضمن قانون مناهضة الانفصالية الدينية رقابة صارمة على التمويل الأجنبي، بما في ذلك ما يسمى بالجمعيات المختلطة، التي تخضع لقانون 1901، والتي تغطي جزءًا كبيرًا من المساجد في فرنسا، حيث يؤكد ماكرون أنه سيقضي على “إعادة التسلح القانونية والمادية”.
في المقابل، تظهر مرشحة التجمع الوطني رغبتها في حظر الملابس أو اللافتات الدينية والتباهي في الأماكن العامة، إذ تقترح مشروع قانون يحظر ارتداء الحجاب في الشوارع والمقاهي والمطاعم، وحتى في مرافقة الأطفال في الرحلات المدرسية.
محاربة الإرهاب
ينص قانون التوجيه والبرمجة الخاص بوزارة الداخلية، والذي سيتم إصداره في حالة إعادة انتخاب ماكرون، على إنشاء عرض تدريبي متخصص جديد في مجال الاستخبارات تقدمه المديرية العامة للداخلية لشركائها.
في المقابل، سوف يحظر مشروع قانون مارين لوبان “ممارسة ومظاهرة ونشر الأيديولوجية الإسلامية”، حيث إنها تخطط لسحب الجنسية الفرنسية من الأفراد الذين يبدون أو ينشرون هذه “الأيديولوجية الإسلامية”. كما أنه سيتم تعزيز الوسائل المخصصة لمحاربة “الإرهاب الإسلامي” من خلال استكمال جهاز المخابرات العامة وإنشاء شبكة إقليمية تحت إشراف المدعي العام لمكافحة الإرهاب، بحسب برنامجها.
المساعدات الاجتماعية
شمل الاختلاف بين ماكرون ولوبان كذلك مسألة المساعدات الاجتماعية، حيث يسعى الرئيس الفرنسي إلى تمكين مستحقيها منها من خلال توفير مساعدات مالية أو تمويل مشاريع أو مساعدة سكنية أو تعويضات عائلية، معتبرا ذلك وسيلة لمسألة التواجد دون صفة قانونية بفرنسا.
في المقابل، تريد لوبان أن تكون جميع المساعدات مخصصة حصريًا للعائلات التي يكون أحد والديها على الأقل فرنسيا من خلال استبعاد المستفيدين الأجانب.
وتدعي لوبان توفير أكثر من 15 مليار يورو سنويًا من خلال تطبيق سياسة “التفضيل الوطني” للاستفادة من المساعدات الاجتماعية.
ويتعارض استثناء الأجانب من المساعدات الاجتماعية مع مبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور الحالي، وبالتالي فهو يتطلب مراجعة دستورية.
خيار مسلمي فرنسا
حاز زعيم حركة “فرنسا الأبية” جان لوك ميلونشون على 69 بالمئة من أصوات مسلمي فرنسا، بحسب استطلاع رأي أجرته وكالة “لفوب”، بالشراكة مع بعض وسائل الإعلام المحلية، فيما أشار آخر سبر آراء قبل الصمت الانتخابي إلى أن 38 بالمئة فقط من مسلمي فرنسا ينوون التصويت للمرشح اليساري.
إجماع مسلمي فرنسا على المرشح اليساري ميلونشون في الدور الأول يقابله تردد في الامتناع عن التصويت أو تقديم تصويتهم إلى الرئيس المنتهية ولايته يوم الأحد، من منطلق قطع الطريق أمام مرشحة اليمين المتطرف لوبان.
في بلد عرف خلال العقد الماضي سلسلة من الهجمات الإرهابية، حيث ينقسم الفرنسيون حول المعنى الذي يجب أن يُعطى للمعايير الثقافية والقانونية للعلمانية في سياق العولمة الليبرالية والتعددية الثقافية، وبينما تستغل بعض التيارات السياسية هذه الأزمة للترويج لمفهوم خيالي عن المواطنة، سيطرت مسألة الإسلام على النقاش العام الفرنسي لسنوات.
وفي ظل هذه الظروف، فرضت الهوية نفسها، بشكل غير مفاجئ، كواحدة من الموضوعات الرئيسية للحملة الانتخابية، فيما يبدو أن هذا الموضوع قد تفاقم بسبب خطاب اليمين المتطرف ووصول اليميني المثير للجدل إريك زمور إلى السباق الرئاسي.
وأمام طرح موضوع الإسلام في الانتخابات الرئاسية، تجد الجالية المسلمة بفرنسا نفسها أمام إعادة اختيار ماكرون، رغم اعتبارهم أن الرئيس الحالي أصبح يمينيا، من أجل قطع الطريق أمام لوبان، كما دعا اليساري ميلونشون، الذي يوصف بـ “مرشح المسلمين”.
ويعتبر اختيار ماكرون في الدور الثاني من قبل مسلمي فرنسا تطبيقا للمبدأ الإسلامي “أهون الشرين”، الذي ورد في خطاب نُسب لمنظمة “أئمة وخطباء فرنسا”، دعت من خلاله إلى التصويت لميلونشون في الدور الأول.