(تقرير) رئاسة فرنسا.. نوايا “الانفكاك” تثير قلق أوروبا من فوز “لوبان”
يثير تأهل مرشحة حزب التجمع الوطني اليمينية المتشددة مارين لوبان، إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، هواجس لدى الأوروبيين إزاء احتمالية صعود اليمين المتطرف لسدة الحكم، خاصة أن حزبها يحمل توجهًا بالانفكاك عن سياسات الاتحاد الأوروبي.
وينظر الاتحاد الأوروبي بتخوف لما حققته لوبان في الجولة الأولى من الانتخابات، ويرى أنها في حال حققت الفوز بالجولة الثانية فإن ذلك لن يمثل هزيمة سياسية للديمقراطيين فحسب، إنما سيشكل أيضًا تهديدًا مباشرًا له.
وكان الرئيس المنتهية ولايته، إيمانويل ماكرون، قد تصدر نتائج الجولة الأولى التي جرت في 10 أبريل/ نيسان الجاري، بنسبة 27.84 بالمئة من الأصوات, تلته لوبان بـ 23.15 بالمئة، ليتأهلا إلى جولة ثانية تجرى الأحد 24 أبريل، بينما غادر باقي المرشحين الـ10 المشهد.
ورغم تخلي اليمينية المتطرفة عن مقترح مغادرة الاتحاد الأوروبي الذي طبع برنامجها الانتخابي عام 2017، إلا أنها ما تزال ترغب في برنامجها الحالي لعام 2022 في “تغييره (الاتحاد الأوروبي) بشكل عميق، على أساس أنه لا يمكن أن تكون هناك سيادة أوروبية لأنه لا يوجد شعب أوروبي”.
ومع أنها تخلت عن مقترح مغادرة الاتحاد، إلا أن مراقبين يرون أن البرنامج الانتخابي الجديد للوبان يحمل توجهًا غير مباشر لبداية الخروج من التكتل الأوروبي.
ودافعت لوبان عن مقترحها في المناظرة التقليدية التي جمعتها بالرئيس ماكرون، بالتأكيد على أنها تريد بالفعل تحويل أوروبا “من الداخل” للانتقال إلى “أوروبا صاحبة الدول ذات السيادة”، ولكن دون أن تفسر كيف ستتمكن من توحيد وإقناع الأغلبية في الاتحاد بتغيير السياسات الحالية وتعديل المعاهدات.
“فريكسيت ناعم”
وعبر استفتاء، اقترحته مرشحة حزب التجمع الوطني، وهو حجر الزاوية في وعود حملتها الانتخابية، تسعى لوبان إلى تعديل الدستور الفرنسي، بحيث يسمح “لفرنسا بالتوفيق بين التزامها الأوروبي والحفاظ على سيادتها والدفاع عن مصالحه”.
يطرح هذا الأمر تساؤلا حول عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي، فيما اعتبره البعض،” فريكسيت مقنع أو ناعم”، على غرار “بريكسيت” الذي خرجت بريطانيا بموجبه من الاتحاد.
ومن خلال تعديله عن طريق الاستفتاء، تريد مارين لوبان، أن تضمن أن الدستور الفرنسي “يسود على القانون الدولي”، في حين، تنص القواعد الأوروبية على سيادة قانون الاتحاد الأوروبي على القانون الوطني للدول الأعضاء.
وتريد لوبان إعادة التفاوض حول اتفاقيات “شنغن” لاستعادة الضوابط الحدودية وإعادة قيود حرية التنقل في خطوة تشكل تراجعا كبيرا عن نموذج “المجتمع المفتوح” الذي يقوم عليه الاتحاد الأوروبي.
واتفاقية “شنغن”، دخلت حيز التنفيذ عام 1995، وألغت القيود على حرية الحركة عبر الحدود الداخلية لدول الاتحاد الأوروبي، وتضم 26 بلدا، بينها 4 دول من خارج الاتحاد (ليشتنشتاين، النرويج، سويسرا، آيسلندا).
بالإضافة إلى ذلك، تخطط لوبان لتقليص مساهمة فرنسا في الميزانية الأوروبية رغم إجراء التصويت على الميزانية التي تغطي الفترة 2021-2027.
وتسعى المرشحة إلى “إنشاء أولوية وطنية للوصول إلى السكن الاجتماعي والطلابي” وحجز الوظائف للشعب الفرنسي فيما تحظر المادة 18 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي أي تمييز على أساس الجنسية.
وفي شق آخر، عبرت مرشحة حزب التجمع الوطني عن نيتها في مغادرة سوق الطاقة الأوروبية.
تشكيك بالمستقبل الأوروبي
ويرى المحلل الفرنسي، بنجامين موريل ، أن “لوبان ببرنامجها الأوروبي تشكك في المستقبل السياسي والاقتصادي لأوروبا”.
ويضيف: “يمكن القول إن لوبان تسير على نهج برنامج الحكومة البولندية التي تجتمع بصعوبة وتفتح نزاعا يتعلق بالمعايير، فمثلا الدستور البولندي يعترف بتفوق القانون الوطني على القانون الأوروبي”.
ويشير موريل إلى أن “الاتحاد الأوروبي قبل أن يكون جسما موحدا هو نظام قانوني، والكل تحت لوائه يعترف بذلك ويخضع له”.
ويتابع: “إن تم وضع هذا النظام في محل شك وتدقيق، من طرف لوبان فهذا أمر معقد ويخلق مشاكل لفرنسا مع بروكسل وباقي الدول الأوروبية”.
في المقابل، يعتبر المحلل السياسي أن تعهد المرشحة لرئاسة الإليزيه، بالانسحاب من القيادة المشتركة لحلف شمال الأطلسي لا يعني خروج فرنسا من الحلف كما كان ينوي المرشح اليساري، جون لوك ميلنشون”.
كما أن “هذا الأمر لا يعني تحالفا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين” حسب موريل.
ويختم حديثه بالقول: “في حال ظفر اليمين المتطرف بكرسي الرئاسة، فهذا يهدد بالتأكيد العلاقات الفرنسية الألمانية سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي”.
وترى لوبان أن ألمانيا هي المستفيد الأكبر من الصفقات الاقتصادية المبرمة مع بلدها، وحسب تقارير إعلامية تعهدت في 13 أبريل الجاري بإنهاء التعاون مع برلين في مجال الدفاع في حال فوزها في جولة الإعادة في الانتخابات.
ووفقا لآخر استطلاع رأي لوكالة “أوديكسا- ماسكاري”، الذي صدر الجمعة، 22 أبريل، لا يزال ماكرون المرشح الأوفر حظا للفوز بالرئاسة، بنسبة 53 بالمئة من الأصوات مقابل 47 بالمئة لصالح مرشحة التجمع الوطني.
ويبقى هذا الفارق ضئيلا وقد يصنع المفاجأة في الجولة الثانية للانتخابات يوم الأحد.