(تحليل).. هل يصنع تصويت المسلمين فارقا في انتخابات الرئاسة الفرنسية؟
** المحلل السياسي الفرنسي مصطفى طوسة:
– شهدت الجولة الأولى مشاركة غير مسبوقة للمهاجرين من أصول مسلمة وذهبت أصواتهم في الغالب لصالح لوك ميلانشون
– أصوات المسلمين ستتوجه بالتأكيد إلى إيمانويل ماكرون لأن الخيار الآخر هو خيار العنصرية والإقصاء.
مدير معهد الاستشراق الأوروبي إيمانويل ديبوي : كل المرشحين ظنوا أنهم قادرين على استقطاب أصوات الأقليات الدينية، لكن هذا أمر يصعب تحقيقه
“قمت بالتصويت لصالح اليساري جون لوك ملينشون في الجولة الأولى وسأصوت لماكرون في الجولة الثانية” من الانتخابات الرئاسية الفرنسية.
هكذا يقول مبتسما إدريس الفارسي، فرنسي من أصول مغربية، مقيم في العاصمة باريس قبل أقل من 48 ساعة لبدء جولة التصويت الثانية والنهائية لاختيار من سيتولى رئاسة الإليزيه.
ومع اقتراب الوقت الحاسم تشتد المنافسة بين الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون و مرشحة حزب “التجمع الوطني” مارين لوبن.
ويسمح القانون الفرنسي للمهاجرين الحاصلين على الجنسية الفرنسية بالإدلاء بأصواتهم والمشاركة في هذا الاستحقاق الديمقراطي.
وتفيد أرقام المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية الفرنسي المنشورة على موقعه الرسمي، بأن 7 ملايين مهاجر يعيشون في فرنسا في عام 2021 ،و 36 في المئة منهم، حصلوا على الجنسية الفرنسية.
وشارك في الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية التي جرت في 10 أبريل/ نيسان الجاري، 12 مترشحا وتأهل للدور الثاني والنهائي اثنان هما الرئيس المنتهية ولايته ماكرون الذي تصدر نتائج الانتخابات بنسبة 27.84 في المئة من الأصوات تليه زعيمة حزب “التجمع الوطني” مارين لوبن ب 23.15 في المئة.
فيما حل مرشح حزب “فرنسا الأبية” اليساري، جون لوك ميلانشون ثالثا، بـ 21,95 في المئة ثم اليميني المتطرف إريك زمور بـ7,07 في المئة ومرشحة الجمهوريين بـ 4,78 في المئة.
استفزازات اليمين
ويعتبر إدريس الذي يصوت للمرة الأولى في الانتخابات الرئاسية الفرنسية واحدا من كثيرين اختاروا التوجه إلى صناديق الاقتراع في الجولة الأولى بعد أن استفزتهم خطابات اليميني المتطرف إريك زمور حول المهاجرين .
ويقول المحلل السياسي الفرنسي من أصل مغربي مصطفى طوسة : “شهدت الجولة الأولى مشاركة غير مسبوقة للمهاجرين من أصول مسلمة وذهبت أصواتهم في الغالب لصالح مرشح حزب فرنسا الأبية جون لوك ميلانشون”.
ويضيف: “في الوقت الذي وجه زمور، انتقادات لاذعة للفرنسيين المسلمين واتهمهم بأنهم غير فرنسيين وليس لهم ولاء لفرنسا ويشكلون طابورا خامسا يجب نفيه، فإن الرجل الوحيد الذي صعد إلى منصة الإعلام والسياسة وتولى الدفاع عن مسلمي فرنسا هو جون لوك ميلانشون”.
مشاركة متواضعة
ويستطرد طوسة قائلا: “مع ذلك تبقى هذه المشاركة ضعيفة لأنه لو تمت تعبئتهم وإقناعهم بالتوجه إلى صناديق الاقتراع فإن ذلك قد يغير من جميع المعادلات السياسية سواء الرئاسية أو التشريعية”.
ويتابع طوسة: “للأسف نلاحظ أن الفرنسيين من أصول مسلمة الذين يقطنون في الضواحي الصعبة يميلون إلى مقاطعة الانتخابات ويجهلون أن صوتهم عامل ضغط يمكن أن يحدث تغييرا كما يجري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تأخذ في الحسبان قدرة الصوت الأمريكي الأسود أو صوت لاتينيو- أمريكي على حسم النتيجة”.
ويتفق مدير معهد الاستشراق الأوروبي إيمانويل ديبوي مع طوسة قائلا : “لم يحدث أبدا في فرنسا أن كان هناك تصويت أقليات أو تصويت مسلمين”.
ويضيف ديبوي: “هذا مجرد سراب، كل المرشحين ظنوا أنهم قادرين على استقطاب أصوات الأقليات الدينية، لكن تشهد كل الدراسات أن هذا أمر يصعب تحقيقه”.
ويردف: “كالعادة هناك من يصوت لليمين وآخرون لليسار ولظروف معينة صوت 94 في المائة من مسلمي فرنسا لصالح الرئيس السابق نيكولا ساركوزي عام 2008 وذلك لأن أحزاب اليسار لم تهتم بسياسة الهجرة آنذاك”.
استقطاب الأصوات
ولم ينف ديبوي “وجود بعض المبادرات لاستقطاب الأصوات المسلمة، مثل ما حصل مع عميد مسجد باريس الكبير شمس الدين حفيظ الذي نظم إفطارا قبل أيام قليلة لصالح الرئيس المنتهية ولايته تحت عنوان “إفطار لدعم إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون”.
وبحكم غياب أي إحصاء عرقي في فرنسا يقول ديبوي إنه “يصعب التأكد من عزوف المسلمين عن التصويت”.
ويضيف: “لكن من المعلوم أنه في ضواحي مثل سان سان دوني وفال دواز حيث يقيم معظم المهاجرين تم تسجيل نسب متدنية وأغلب الأصوات كانت لصالح ميلانشون”.
وبحسب أرقام وزارة الداخلية الفرنسية، فقد سجلت نسبة التصويت في “سان سان دوني” 14 في المئة، وبـ”فال دواز” 18في المئة.
اختيار ماكرون أو العزوف
لا تزال ليلى فرنسية من أصول لبنانية مقيمة بمدينة ليون تفكر فيما إذا كانت ستدلي بصوتها لماكرون أو تختار العزوف عن التصويت.
وفي حديثها تقول ليلى: “أعلم أن أخف الضررين هو أن أمنح صوتي لماكرون وأساهم في وقف زحف متزعمة اليمين المتطرف إلى الإليزيه”.
وتضيف: “لكن ماكرون لم يف بكثير من وعوده الانتخابية التي تعود لعام 2017 فيما يخص المهاجرين”.
ويرى طوسة أن “أصوات المسلمين ستتوجه بالتأكيد إلى إيمانويل ماكرون لأن الخيار الآخر هو خيار العنصرية والإقصاء والقطيعة والاتهامات الباطلة التي يحملها المشروع السياسي لمارين لوبان”.
ففي كتيب تحت عنوان “السيطرة على الهجرة”، وضعت مرشحة حزب “التجمع الوطني” مقترحات في برنامجها الانتخابي تسعى من خلاله للدفاع عن ما أسمته ب”هوية وتراث فرنسا”.
ويضمن بالأساس تجريم دخول المهاجرين إلى الأراضي الفرنسية بطريقة غير شرعية وعدم تسوية أوضاع المهاجرين دون أوراق إقامة.
كما يدعو إلى تجريم فعل “تقديم المساعدة” للمهاجرين غير الشرعيين سواء في الإقامة أو الدخول إلى الأراضي الفرنسية بطريقة غير قانونية.
كما تخطط لوبان، بحسب الكتيب، إلى إلغاء تصاريح الإقامة للأجانب الذين لم يعملوا في غضون 12 شهرا مع تشديد شروط منح الجنسية الفرنسية، وإلغاء حق اكتساب الجنسية الفرنسية على أساس الولادة وتشترط تقييد وصول المهاجرين إلى المساعدات المادية الشهرية .
وخلال المناظرة التلفزيونية، عبرت لوبان، عن رغبتها في حظر الحجاب في الأماكن العامة، واعتبرت أن الهجرة تساهم في تفاقم حالة انعدام الأمن في فرنسا.