(تحليل) تخوفات قيادة الجيش الليبي من الانزلاق نحو الحرب
“نرفض جرنا لحرب أخرى.. الحرب لن تقوم”، هذه الكلمة لرئيس أركان الجيش الليبي محمد الحداد، في اجتماع لمجلس الوزراء بطرابلس، والتي تتقاطع مع موقف قادة كتائب مسلحة بالمنطقة الغربية، خاصة مع تصاعد الصراع بين حكومتي عبد الحميد الدبيبة، وفتحي باشاغا.
وهذا الموقف يأتي بعد بيان مصور، طالب فيه قائد شعبة الاحتياط في قوة مكافحة الإرهاب بمصراتة، مختار الحجاوي، باسم “القادة الميدانيين” باشاغا والدبيبة بأن يبقى الصراع سياسيًا.
والحجاوي، كان إلى وقت قريب من المحسوبين على الدبيبة والمعارضين لحفتر، بينما محمد الحصان، القائد الميداني في كتيبة 166 بمصراتة، من الموالين لباشاغا، وكلاهما كانا من بين من استقبلهم الأخير في إقامته بتونس مؤخرا إلى جانب عبد السلام عليلش، وعدد من القادة الميدانيين الآخرين على غرار القائد الميداني من مدينة صبراتة عبد الله الخطابي، ورئيس مجلس الزنتان فتحي الغزيل.
وحاول باشاغا، من خلال استقباله لهؤلاء القادة فتح قنوات حوار معهم واستمالتهم لصفه، أو على الأقل ضمان حيادهم في صراعه مع الدبيبة، وتجلى ذلك من خلال ترحيبه ببيان القادة الميدانيين وتحميله حكومة الدبيبة مسؤولية أي انزلاق.
وانضمت كتيبة النواصي في طرابلس، بقيادة مصطفى قدور، إلى المحذرين للدبيبة وباشاغا من الدخول في صراع عسكري، وقالت في بيان إن الصراع السياسي بين الحكومتين يكاد يتحول إلى صدام مسلح، ودعت كل القوى الأمنية “لالتزام الحياد وعدم الانجرار خلف أي دعوة لزعزعة الاستقرار”.
وهذه التحذيرات المتتالية من إمكانية وقوع صدام مسلح بين الداعمين للدبيبة والموالين لباشاغا، تعكس تصاعد التوتر بطرابلس، التي تشهد تحركات عسكرية لأرتال موالية لحكومة الوحدة، لمنع الحكومة المكلفة من مجلس النواب في طبرق من دخول العاصمة.
وآخر تجليات هذا التصاعد للصراع، إغلاق موالين لقوات خليفة حفتر، الداعم لحكومة باشاغا، لميناءي الزويتينة والبريقة النفطيين (شرق) وكذلك حقلي الشرارة والفيل النفطيين (جنوب)، ما تسبب في تراجع إنتاج البلاد النفطي من 1.2 مليون برميل يوميا إلى 550 ألف برميل يوميا، بحسب المؤسسة الليبية للنفط.
وليس من المستبعد أن يغلق الموالون لحفتر، الموانئ النفطية الأخرى الخاضعة لسيطرته، والمتمثلة في: السدرة، وراس لانوف (شمال وسط)، والحريقة بمدينة طبرق (أقصى الشرق)، بالإضافة إلى الحقول النفطية في المنطقة الشرقية، للضغط على الدبيبة للتنازل عن السلطة لباشاغا.
وتسيطر قوات حفتر، على معظم الحقول والموانئ النفطية في البلاد، ما يهدد بتقليص صادرات النفط إلى مستويات ضئيلة، وسيؤثر ذلك على سلبا على اقتصاد البلاد، الذي يكاد يكون السلعة الوحيدة التي تصدرها البلاد.
إخفاق باشاغا في دخول طرابلس
يتزامن التصعيد على مستوى النفط، مع حديث عن تعثر محاولة باشاغا، دخول طرابلس، من تونس، في 16 أبريل/نيسان الجاري، عبر معبر الذهيبة/وزان، بحماية حليفه أسامة الجويلي، مدير إدارة الاستخبارات العسكرية، قائد غرفة العمليات المشتركة للمنطقة الغربية، بعد أن تصدت له قوة مسلحة موالية للدبيبة من بلدية نالوت، التي يقع المعبر ضمن إقليمها.
وتم تأكيد هذه المعلومة من أكثر من مصدر، أولهما إذاعة “موزاييك” التونسية، التي تحدثت عن رفض السلطات الليبية بالمعبر عودة باشاغا إلى طرابلس عبر معبر وازن “لصعوبة تأمينه”.
والثاني تصريح لرئيس بلدية نالوت عبد الوهاب الحجام، نقلته وسائل إعلام محلية، الذي كشف أن قوة تابعة للجويلي حاولت فجر السبت تأمين دخول باشاغا من تونس إلى ليبيا عبر بوابة وازن إلا أنهم تصدوا لها.
كما نقلت وسائل إعلام، عن بيان، لقوة مسلحة من نالوت، إن قوة عسكرية تابعة للجويلي، حاولت المرور، فجر السبت، من حاجز أمني بـ”تكويت” التابعة لنالوت، والتي تبعد عنها أكثر من 12 كلم، وزعمت أن هدفها كان التوجه إلى معبر “وزان” لاستقبال باشاغا.
ويوضح البيان أنه “على الفور وصلت قوة دعم عسكرية كبيرة من نالوت إلى عناصر البوابة (الحاجز الأمني) في تكويت. وقامت القوة بالرماية في الهواء كتحذير، وطرد القوة التابعة لـ “جويلي”.
وفي نفس اليوم، استقبل الدبيبة عميد بلدية نالوت، في مكتبه بطرابلس، وأصدر له تعليمات بـ”منع أي تحركات غير مسؤولة تهدف إلى زعزعة الوضع في المنطقة”، في إشارة إلى محاولات باشاغا دخول العاصمة.
وهذه الحادثة تكشف أنه بعد فشل محاولة باشاغا دخول طرابلس من الشرق عبر قوة من مصراتة، لجأ هذه المرة إلى الدخول من الغرب عبر قوة من الزنتان، ومن معبر الذهيبة/وزان، الخاضع لسيطرة أمازيغ الجبل الغربي، بدل معبر راس جدير، ذو الكثافة من حيث عبور المسافرين والسلع، والذي يسيطر عليه أمازيغ الساحل.
كما تبرز انحياز الجويلي والقائد السابق للمجلس العسكري للزنتان إلى باشاغا، بينما تدعم كتائب الأمازيغ الدبيبة، وأن تطورات الأحداث الميدانية بدأت تفرز صفوف كل طرف.
الدبيبة يبحث عن حلفاء
يمثل استعمال حفتر وحلفاؤه سلاح النفط محاولة لتكرار نفس التجربة مع حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج (2016-2021) والتي انتهت بتسليمها السلطة إلى حكومة الوحدة.
ويدرك الدبيبة، خطورة هذه الخطوة على المدى القريب والمتوسط، لأنها قد تضعف سيطرته على الجيش والكتائب الأمنية وتؤلب الرأي العام ضده، وقد تخرج الناس إلى الشارع مثلما حدث في صائفة 2020.
لذلك هدد الدبيبة خلال زيارته للجزائر “باتخاذ خطوات رادعة تجاه العبث الحاصل في ثروات الشعب الليبي”، دون أن يوضح كيف سيردع الأطراف التي أغلقت النفط، خاصة وأنها تحت حماية حفتر، وسبق لحكومات سابقة أن أخفقت في تحرير الموانئ والحقول النفطية حتى بعدما استعملت القوة المسلحة.
لكن بعد اجتماع مجلس الوزراء لحكومة الوحدة “بحضور رئيس جهاز المخابرات، العامة، ورئيس الأركان العامة، ورئيس جهاز حرس المنشآت النفطية”، لبحث “مشكلة الإغلاقات النفطية”، خفت لهجة تهديدات الدبيبة بردع العابثين بالنفط الليبي.
واكتفى رئيس حكومة الوحدة بمطالبة “النائب العام رسميا بفتح تحقيق في كل من تورط في هذه العملية (إغلاق النفط)”، وتوجيه الأجهزة الأمنية والعسكرية لاتخاذ كافة الإجراءات “الممكنة” للتعامل معها.
فكلمة رئيس الأركان، خلال الاجتماع عن رفض “جرنا لحرب أخرى”، والنأي بالنفس “عن كل هذه التجاذبات وفرض الأمر الواقع”، و”لن نسمح باستغلال المؤسسة العسكرية لتحقيق مشاريع (الوصول إلى السلطة)، ألغت وعيد “ردع العابثين”، ودفعت بخيار “فتح تحقيق”.
إذ أن ردع “الأعيان” من غلق النفط، لا يمكن إلا عبر إرسال قوات أمنية وعسكرية لردعهم، وهذا من شأنه الدخول في مواجهات مسلحة مع قوات حفتر، وإعادة البلاد إلى الحرب.
وفي الفيديو المصور الذي بثته قنوات محلية، حاول الدبيبة مقاطعة كلمة رئيس الأركان، الذي أنهى مداخلته بالقول “أشكرك سيدي الرئيس لأنك جلبت لنا الاستقرار والهدوء، ولكن لن نسمح بأن يتم التلاعب بأي عسكري”.
بينما شدد الدبيبة، في الاجتماع، على أن حكومة الوحدة “مستمرة في عملها إلى حين التسليم إلى حكومة منبثقة عن سلطة شرعية منتخبة”، في إشارة إلى رفضه تسليم السلطة لحكومة باشاغا.
وكان ملاحظا مرافقة، رئيس الأركان، للدبيبة في زيارته إلى الجزائر، رفقة رئيس الأركان، ورئيس جهاز المخابرات، ورئيس جهاز الأمن الداخلي، رغم إعلانه أن المباحثات مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تناولت ملفات سياسية واقتصادية.
إلا أن الوفد العسكري والأمني الذي رافق الدبيبة، يشي بأن ملفات أمنية تم تناولها خلال هذه الزيارة، خاصة في ظل سعي الدبيبة لموازنة الموقف المصري الداعم للدبيبة بالموقف الجزائري، مع إمكانية أن يلعب تبون دورا في إقناع روسيا بسحب اعترافها بحكومة باشاغا.
إذ أن الضغوطات تشتد على حكومة الدبيبة، ومع ذلك مازالت متماسكة وقادرة على الاستمرار، في حين يصر باشاغا على دخول طرابلس واستلام السلطة سلميا، عبر التواصل مع القادة الميدانيين، الذين أرهقتهم 11 سنة من الحروب.
لكن فشل مهمة باشاغا لحد الآن، تهدد بتحويل حكومته إلى حكومة موازية غير معترف بها دوليا، وقد يدفعه ذلك إلى التخلي عن خياره “السلمي” إذا وجد أن الميزان العسكري يميل لصالحه.