صلة الأرحام.. همزة وصل للرحمن

أمية سليمان جبارين (أم البراء)
كما نعلم بأن شهر رمضان مضمار سباق متعدد الأبواب يتسابق فيه المؤمنون للفوز بمرضاة رب العالمين، فترى الواحد منا يكثف من الطاعات على اختلاف أنواعها، من صلاة وقيام وزكاة وصدقات وعُمرة وكفالة أيتام وما إلى ذلك من أبواب البر والطاعات. كل ذلك في سبيل الوصول إلى مرضاة الله وعفوه، ويتجاهل هذا الفرد بابا من أوسع الأبواب، وأقصر الطرق للوصول إلى هدفه المنشود- الفوز برضا الله عز وجل- ألا وهو باب “صلة الرحم” حيث أولى الإسلام عناية كبيرة لهذا الجانب، وشجّع على صلة الأرحام. فكما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: أنا الله وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها اسما من إسمي، فمن وصلها فقد وصلته ومن قطعها فقد قطعته). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعرض الأعمال على الله عشية كل خميس فيغفر الله لكل أحد إلا قاطع الرحم). وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) فمن خلال هذه الأحاديث نستدل أن قطع الرحم يعتبر من الكبائر وعلى قاطع الرحم التوبة عن هذه الكبيرة والتراجع عنها وإصلاح نفسه مع من قطعه من أرحامه مهما كان سبب القطيعة، لأنه لا يوجد بعد هذه الأحاديث أي مبرر لقطيعة الأرحام خاصة لمن أراد الفوز بالجنان. ولو بحثنا عن الأسباب التي تؤدي لقطع الأرحام لوجدنا أن السبب في المقام الأول:
1- ضعف الإيمان لأن ضعف الإيمان السبب وراء كل معصية (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه).
2- الجهل بمكانة الصلة وعقوبة القطيعة، فقاطع الرحم ملعون عبادته غير مقبولة، وواصل الرحم منزلته كبيرة عند الله، حيث يُبارك له في رزقه، ويطيل الله في عمره.
3- الزوجات: حيث أن هنالك الكثير من الزوجات من تكون وراء قطيعة أزواجهن لأرحامهم بسبب مشاكل بينها وبين أهل الزوج، فتبقى تصر على زوجها حتى يخضع لها ويقطع رحمه تحت حجج واهية. وكثيرا ما نسمع عن مثل هذه القصص في مجتمعنا عن أبناء قطعوا صلتهم بأمهاتهم أو أخواتهم من وراء زوجاتهم وقد بلغت مدة هذه القطيعة لعشرات السنين. وفي المقابل تجد أن هذا القاطع من رواد المساجد والمتصدقين، الذي يرجو عفو الله وصفحه وهو لا يريد أن يعفو أو يصفح عن رحمه ويبقى يكابر ويبرر القطيعة، وهو لا يعلم أن كل طاعاته لن تصل إلى الله لأنه قطع رحمه والعياذ بالله وللأسف الشديد فقد أصبح وجود مثل هذه النماذج في مجتمعنا كثير، حتى أصبحوا ظاهرة مرضية في مجتمعنا علينا جميعا التكاتف من أجل التخلص من هذه الظاهرة الخطيرة التي تؤثر على تكاتف وتعاضد مجتمعنا المسلم، لذلك على الدعاة أن يكثفوا من الدروس والمواعظ التي تحثّ على صلة الأرحام، وعلى رجال الإصلاح العمل على حل المشاكل التي تؤدي إلى قطيعة الأرحام، وللأسف فإن أغلب هذه المشاكل يكون سببها الميراث حيث يريد الإخوة حرمان أخواتهم أو بناتهم من حق أعطاهن إياه الله، وعلينا جميعا نشر ثقافة التزاور من غير تكليف فيما بيننا كأرحام (إخوة، أبناء عمومة، أخوال) وكل من يقع في دائرة الأرحام، لا سيما في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، حيث أصبحت هذه الظروف مبررا أو سببا في القطيعة بين الأرحام لأن البعض لا يستطيع القيام بواجب التواصل المادي (نقوط، هدية) فآثر القطيعة.
لذلك أعود وأكرر أن لا ندع ظروفنا الاقتصادية أن تكون سببا في البعد والقطيعة. وهنا أود أن أنوه أنه ربما يكون هنالك زيارات بين الأرحام، لكن للأسف لا يوجد أي تواصل!! نعم فقد يجتمع الأرحام مع بعضهم البعض في نفس المكان، لكن كل واحد منهم متصل من خلال هاتفه مع أناس ربما لا تربطه بهم أية صلة، تاركا أرحامه كل في عالمه الخاص، وقد يكتفي البعض بالتواصل معهم من خلال رسالة معايدة أو مباركة خالية من أية مشاعر أخوية أو عواطف وهذا ما يسمى صلة الأرحام من خلال التقنيات الحديثة! وغاب عن ذهننا أن صلة الأرحام تكمن في الزيارة، وتفقد الأحوال خاصة عند الكرب والمحن والوقوف معهم في افراحهم، بغض النظر إذا قاموا هم- أي الأرحام- بصلتنا فليس الواصل بالمكافئ، أي أن من يريد أن يكون ممن يصلون الأرحام بحق وينالون الأجر والثواب على ذلك، فيجب أن لا ينتظر رد الصلة من الرحم (من وصلني أصله) بل عليه يصل رحمه باستمرار دون توقف حتى لو لم يقم الرحم بزيارته.
من هنا أهيب بكل القاطعين لرحمهم، أن تستغلوا بركات الشهر الفضيل حيث أن أبواب الجنة مفتوحة على مصراعيها، فاستثمروا هذه الأيام بصلة الأرحام والتواصل معهم، ونبذ الخصام والقطيعة فلعلنا نستطيع الوصول إلى الله من خلال صلة الرحم. وإيانا أن نغفل أن الله قد جعل للرحم مقاما عاليا بجانب الصراط الذي سيعبره جميع البشر، فهناك ستقف الرحم وتحاسب كل من ظلمها وقطعها. فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وراجعوا حساباتكم الدنيوية وسددوا فواتيرها فلن تستطيعوا سداد فاتورة الآخرة.