هذا هو شهر رمضان
الشيخ رائد صلاح
أصرّ البعض خلال هذه الأيام- جهلا أو تحريفا- وصم شهر رمضان بالإرهاب، وكأنه شهر الإرهاب الذي تُراق فيه دماء الناس، ومما لا شك فيه أن هذا الإصرار على تشويه شهر رمضان هو باطل مكشوف، وسفاهة بلا حدود، وتفاهة تزري بصاحبها، فهو رمضان الصوم وهو ركن من أركان الإسلام، ومن تطاول عليه تطاول على كل عقيدة الإسلام وشريعته وعباداته، وبذلك هو يبثّ الكراهية الدينية، ويسعى عبثا إلى طمس بركات شهر رمضان، وهو بذلك كمن يسعى عبثا لطمس نور الشمس في رابعة النهار، وهاكم هذه الخطوط العامة عن شهر رمضان:
1- هو الذي قال الله تعالى فيه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة: 185-. وهذا يعني أنه شهر القرآن والهدى والصيام، وهل كان القرآن والهدى والصيام إرهابا، حتى يدّعي هؤلاء المتطاولون على رمضان أنه شهر الإرهاب الذي تُراق فيه دماء الناس.
2- هو الذي قال الله تعالى عن ليلة القدر إحدى لياليه: (سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ) القدر:5. فهي ليلة سلام رباني ينزل من السماء إلى الأرض في هذه الليلة حتى مطلع فجرها، فيا للعجب هل أصبح هذا السلام الرباني الذي أكرم الله تعالى به شهر رمضان هو ضرب من الإرهاب؟! أم أن هذا الذي يصر على رمي شهر رمضان بالإرهاب هو الذي يعاني من عقدة الإرهاب، ويصر على إسقاط هذه العقدة على غيره.
3- هو الذي قال الله تعالى فيه في حديث قدسيّ: (الصوم لي وأنا أجزي به) -متفق عليه -، فهي إضافة تشريف رباني لشهر رمضان، فمتى كان الصوم إرهابا حتى يُتهم شهر رمضان بالإرهاب، وهو اتهام باطل بطلان من يتهم نبي الله موسى عليه السلام بالإرهاب، أو من يتهم نبي الله عيسى عليه السلام بالإرهاب، أو من يتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإرهاب، وهل هناك أفسد من هذا الاتهام.
4- هو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: (أوله رحمه، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار)- سنده ضعيف. فمتى كانت الرحمة إرهابا، ومتى كانت المغفرة إرهابا؟! ومتى كانت النجاة من النار إرهاب، حتى يُتَّهم شهر رمضان بالإرهاب.
5- لا أظن أن هناك غباء أشد من اتهام شهر رمضان بالإرهاب، وإلا فإن حال من يتهم شهر رمضان بالإرهاب هو كحال من لا يفرق بين التمرة والجمرة، وبين العنب والشوك، وبين الحب والكراهية، وهل هذه التهمة الباطلة إلا أتفه التفاهات سيما عندما نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن إحدى امتيازات شهر رمضان الربانية، عندما يدخل شهر رمضان: (… ونادى منادٍ يا باغي الخير هلُمّ ويا باغي الشر أقصر) – حديث حسن- فهكذا هو شهر رمضان، شهر الخير، وشهر الدعوة إلى الخير، وشهر التضييق على الشر، وشهر التضييق على من يدعو إلى الشر، وهذا يعني أن الذي يتهم شهر رمضان بالإرهاب هو من سولت له نفسه قلب الموازين، واعتبار الخير إرهابا.
6- إن كل باحث عن الحقيقة يجب ألا يغيب عن باله أن شهر رمضان هو شهر إفشاء السلام، والعفو عند المقدرة، ونبذ العنف، والطهارة من الضغينة والحقد والشحناء، وفي ذلك يقول رسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الصوم جُنّة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤٌ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم) – حديث صحيح- أبعد كل ذلك يدّعي باطلا من يدّعي على شهر رمضان أنه شهر الإرهاب!! مما يعكس ضحالة ثقافة هذا المتهم لشهر رمضان بالإرهاب، لأنه لو كان يملك الحد الأدنى من الثقافة لعرف هذا الحديث الصحيح، ولأستوقفه حينها هذا الحديث الصحيح، ولطأطأ رأسه خجلا عندما اتهم شهر رمضان بالإرهاب، وهو الشهر الذي يدعو إلى نشر ثقافة السلم الأهلي كما هو واضح في هذا الحديث.
7- إن كل إنسان يحترم نفسه يجب أن يضع عقله قبل رأيه، لا أن يضع رأيه قبل عقله، لأنه إن وضع عقله قبل رأيه كان موضوعيا ومتحريا للحق، وإن وضع رأيه قبل عقله كان متعصبا تعصبا أعمى يجعل منه سفيها إذا قال أو إذا كتب أو إذا أبدى رأيه في أية قضية بما في ذلك شهر رمضان، ومن وضع عقله قبل رأيه واجتهد أن يتعرف على شهر رمضان، سيجد أن شهر رمضان هو مدرسة تربوية تهذيبية تدعو إلى مكارم الأخلاق وإلى البراءة من كل الأخلاق الرديئة الدونية، فقد جاء في الخبر: (أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهدهما الجوع والعطش في آخر النهار حتى كادتا أن تهلكا، فبعثتا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذناه في الإفطار، فأرسل إليهما قدحا وقال: قل لهما قيئا فيه ما أكلتما. فقاءت إحداهما نصفه دما عبيطا ولحما غريضا، وقاءت الأخرى مثل ذلك حتى ملأتاه، فعجب الناس من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هاتان صامتا عما أحلّ الله لهما، وأفطرتا على ما حرّم الله تعالى عليهما. قعدت إحداهما إلى الأخرى فجعلتا يغتابان الناس فهذا ما أكلتا من لحومهم) – سنده ضعيف- فهو شهر رمضان الذي يدعو من خلال هذا الخبر إلى التحقق بالأخلاق الفاضلة، ونبذ الأخلاق الذميمة، وكم حلم الفلاسفة بالوصول إلى المدينة الفاضلة والأخلاق الفاضلة، ولكنهم ماتوا دون هذا الطموح حتى جاء شهر رمضان وحقق الأخلاق الفاضلة في سيرة المجتمع المسلم، عبر مدرسة الصيام وأركانه وسننه وآدابه.
8- وأين هؤلاء المتطاولون- جهلا أو تحريفا- على شهر رمضان من فقه العالم أبي حامد الغزالي وهو يتحدث عن الصوم في رمضان عندما قال: (اعلم أن الصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص. أما صوم العموم: فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله. وأما صوم الخصوص: فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. وأما صوم خصوص الخصوص: فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية..) – إحياء علوم الدين- فأين الثرى من الثريا؟! أين ثرى هؤلاء المتطاولين من ثريا أبي حامد الغزالي.
9- نعم هو شهر رمضان شهر الفرح والسرور، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للصائم فرحتان، فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه) – حديث صحيح-. فأهلا وسهلا بك يا شهر رمضان، كما أرادك الله تعالى وكما أرادك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس كما ادّعى عليك المتطاولون.