تقدير إسرائيلي يستبعد المعارك البرية خوفا من هذا السبب
مع تصاعد التهديدات العسكرية المحيطة بالمؤسسة الإسرائيلية، لاسيما مخاطر اندلاع حرب قتالية مفتوحة مع واحدة من الجبهات الحربية، شمالا مع لبنان، وجنوبا مع غزة، تتزايد الدعوات الإسرائيلية بضرورة الاستعداد للذهاب الى الخيار البري في أي عملية عسكرية متوقعة.
مع العلم أن الأوساط العسكرية الإسرائيلية بحثت في الأشهر الأخيرة نهجين متناقضين فيما يتعلق بالعملية البرية، وعلاقتها بالتعامل مع التهديدات الحالية والمستقبلية التي تواجه تل أبيب، ورغم أن هذا الخيار البري قد يخدم أهدافًا استراتيجية وتشغيلية محددة، لكنه لا يضمن للمؤسسة الإسرائيلية التفوق في مواجهة التحديات والصراعات التي تواجهها.
الضابط السابق غال فرينكل، والباحث في مركز دادو، ذكر في مقاله بمعهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أن “الدعوات الإسرائيلية للاستعداد للعملية البرية، السريعة والحاسمة، قد تكون شرطا ضروريا لتقصير أي حملة عسكرية، وليس تمديدها، خاصة عند استخدام القوة الكاملة منذ بداية الحرب، وليس مجرد خيار محتمل للاستمرار فيها، لأنه في العديد من المواجهات العسكرية التي تورطت فيها إسرائيل خلال العقود الثلاثة الماضية، خرجت كلها عن نطاق السيطرة، أو من سوء تقدير”.
وأضاف أن “الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة لا تنوي احتلال أراض من أعدائها لفترة طويلة، لأنها تحمل كلفة باهظة من دماء جنودها، ولذلك ينبغي أن تكون الخطة التشغيلية لعملية محدودة فقط، مما قد يتطلب تعبئة قوات الاحتياط التابعة للجيش الإسرائيلي، رغم ما قد يصيبها من أضرار، وتعطيل أنشطتها العملياتية، والتأثير السلبي على عمليات صنع القرار السياسي، خاصة بالتزامن مع تحسين القوى المعادية لقدراتها على التسلل نحو الحدود الإسرائيلية، وهذا يشكل تهديدا يستدعي من إسرائيل التصرف وفقًا لجدول زمني قصير لإزالة التهديد باستخدام جميع الأدوات المتاحة لها”.
تقوم الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة لخوض أي مواجهات عسكرية قادمة على منح سلاح الجو مزيدا من المرونة، بحيث يهاجم آلاف الأهداف في اليوم الواحد، من خلال تفعيل أنظمة النيران، لكنها غير قادرة على تقويض القدرات العملياتية للعدو، وتعطيلها، وقد يسلب الأصول الاستراتيجية لإسرائيل، ويخلق دمارا في جبهتها الداخلية يردعها عن الشروع في حملة أخرى لسنوات قادمة، ويجعلها تركز كل مواردها في إصلاح الأضرار الناجمة عن هذه العملية العسكرية.
وتخشى الأوساط العسكرية الإسرائيلية من تكيف الجهات المعادية لها مع التحديات المتوقعة، مما سيجعل بعد عدة أيام من القتال مع أي جبهة كانت، أن ينخفض عدد الأهداف المتاحة لإطلاق النار، وهذا يعني أن ما تعرف بـ “النيران الدقيقة والذكية” لن تؤدي للإنجازات المرجوة من قبل الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي يحمل دلالة واضحة بشأن ظهور المزيد من الصعوبات لتحقيق تلك الإنجازات.
وفي الوقت ذاته، فإن السعي الإسرائيلي لتقصير مدة الحملة العسكرية قدر الإمكان قد يجعل من العملية البرية وسيلة أساسية، سواء كجهد كبير مستقل، أو جهد مصاحب لإطلاق النار، رغم أنها تحافظ على وجودها في الميدان القتالي، والجهات المعادية اعتادت على مواصلة القتال ضد جيش الاحتلال، وداخل الجبهة الداخلية، رغم أن احتلال أراضي العدو، ولو مؤقتًا، قد يشكل فرصة مواتية لأعداء إسرائيل لاستهداف الجيش على الأرض، بحسب الباحث.
وقال الكاتب إن “الجيش الإسرائيلي دخل خلال العقدين الماضيين في “حلقة مفرغة” من العمليات العسكرية في أكثر من جبهة قتالية، في ظل عدم رغبتها باستخدام القوات البرية، لأنها تمنح أعداءها ميزة لاستهداف الجنود على أرض الواقع، الأمر الذي يتطلب إجراء إصلاح كبير للذراع البري، لأن الجهات المعادية لإسرائيل قد تستغل بقاء القوات البرية في ساحة المعركة باستخدام المتفجرات والصواريخ المضادة للدبابات والمدفعية وغيرها من القدرات.
وأشار المقال إلى أن “هذا التخوف الإسرائيلي من الدفع بقواتها البرية في أتون المعركة يتطلب تعزيز قدرة الجيش على نشر القوات النظامية والاحتياطية في وقت قصير يمكن تجنيدها، ونشرها كفرق قتالية مشتركة داخل أراضي العدو، وتهدف لتقويض القوة العسكرية لحزب الله وحماس، لأنه لا يمكن التغلب عليهما دون انغماس وثيق بينهما، بعيدا عن النظرية السابقة التي قضت من الجيش بتجنب المواجهة المباشرة مع القوى المعادية، قدر الإمكان”.