أخبار رئيسيةأخبار عاجلةشؤون إسرائيليةومضات

تل أبيب تبحث عن عود الثقاب

لا يمكن فصل التصعيد الإسرائيلي الحالي في الضفة الغربية والقدس المحتلتين عن “التحذيرات” التي أطلقها بداية، قبل شهر ونصف الشهر القائد العسكري من الجناح الديني الصهيوني، وخريج الكلية الدينية للإعداد العسكري “عالي” وقائد فرقة “يهودا والسامرة” العقيد أفي بلوط، في رسالته التي وجهها للقادة الميدانيين في الضفة الغربية.

وادعى بلوط، وقتها، أن الأوضاع في الضفة الغربية على شفا الانفجار، وأن موعد الانفجار المتوقع هو في الأول من إبريل/نيسان الحالي، مع حلول شهر رمضان (بدأ أمس السبت).

وقد تلفقت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون عبر القناة 11 أمر الرسالة، مع إبرازها العنصر “الديني” في تحذيرات بلوط، الذي شغل سابقًا، ولنفس سبب كونه من خريجي كلية الإعداد العسكري الدينية الصهيونية، منصب السكرتير (الملحق) العسكري لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، من دون أي إشارة منها لخلفيته العقائدية، ولا حتى لظروف عزله من منصبه من قبل رئيس الأركان، بعد أن تبين أن الرجل، الذي يؤمن بأرض إسرائيل الكاملة، حاول تأخير نقل أوامر لإخلاء إحدى البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية.

لكن الأمر لم يقف عند هذا التجاهل، بل إن روح التحذيرات التي تحمّل البعد الديني، وخصوصًا رمضان، “المسؤولية الكاملة”، وإذكاء الصراع الديني كعامل مساعد يمكن له أن يهدد الاستقرار في الضفة الغربية، انتقلت مباشرة إلى أجهزة الاستخبارات العسكرية الأخرى والجهات الأمنية، ليسود الخطاب الديني في التحذيرات الإسرائيلية.

وسرعان ما بدأ يردده أيضًا المراسلون والمحللون العسكريون في الصحف الإسرائيلية، فيما يبدو أن باقي الجهات المرددة للتحذيرات انساقت وراء تحذيرات بلوط، حتى لا تقع لاحقًا تحت طائلة الاتهام لها بالفشل، وقصور الرؤية في عدم استشراف الأوضاع.

تغييب مقصود لاستفزازات المستوطنين

وغيبت هذه التقديرات بشكل مقصود السبب الرئيس الثاني بعد وجود الاحتلال، وهو الاستفزازات المتواصلة للمستوطنين، ولا سيما في ما يتعلق باقتحامات المسجد الأقصى، واستعداد آلاف المستوطنين لاقتحامه خلال إبريل الحالي، تحت مزاعم إقامة الصلوات بمناسبة عيد الفصح اليهودي، وضرورة تأمين “حرية العبادة”.

وكان بلوط قد قال، في رسالته التي نشرتها هيئة الإذاعة الإسرائيلية العامة عبر القناة 11، ونقلها أيضًا موقع القناة 7 التابع للمستوطنين، إن “مواد الاشتعال موجودة، وما ينقص هو عود الثقاب”.

ومع أن بلوط هو رئيس فرقة “يهودا والسامرة” وليس “قائد المنطقة الوسطى”، وهو بحسب التوصيف الإسرائيلي القائد العسكري المسؤول عن الضفة الغربية كلها، كما أنه ليس من شعبة الاستخبارات العسكرية، إلا أنه عمم رسالة التحذير على القادة الميدانيين، لتتحول الرسالة موجهة للجيش عمومًا.

وتبنى جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك” روح رسالة بلوط، ورفعها رئيس “الشاباك” نفسه رونين بار، خلال زيارته واشنطن في 13 مارس/ آذار الماضي، إلى مستوى تحذيرات رسمية من تفجر الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة.

وذكر موقع “يديعوت أحرونوت” في نفس اليوم أن جهات في الحكومة الإسرائيلية، لم يسمها الموقع، اعتبرت أن التحذيرات التي يطلقها الجيش وجهاز المخابرات العامة، هي ما يمكنه أن يخلق توترًا وتوقعات لدى الطرف الفلسطيني بالذات، بينما لا تتضمن المعلومات الاستخباراتية المتوفرة، حاليًا، مؤشرات لتفجر الأوضاع.

تبني الحكومة الخطاب “التحذيري من رمضان”

وعلى الرغم من ذلك فقد بدأت الحكومة الإسرائيلية تتبنى هي الأخرى الخطاب “التحذيري من رمضان” على نطاق واسع، موجه ليس فقط للإسرائيليين، وإنما في شبكة تحركات دبلوماسية. وقد سعت من وراء ذلك إلى “إخلاء ساحتها من أي مسؤولية”، عما قد يحمله شهر رمضان أو يقع، خصوصًا بعد أن كانت عادت قواتها العسكرية إلى العمل المباشر وشن حملات اعتقالات واسعة في شمال الضفة الغربية، بعد فترة من التوقف عن ذلك.

وبدا أن الحكومة الاسرائيلية، التي ينتمي رئيسها نفتالي بينت إلى حزب “يمينا” الديني الصهيوني، الذي لا يختلف في عقيدته السياسية والدينية عن خريجي كلية “عالي للإعداد العسكري التي تخرج منها بلوط”، وجدت في خطاب التحذير الديني من رمضان أداة تضمن لها تحسن صورتها أمام الرأي العام الإسرائيلي، ولا سيما في مواجهة ماكينة الدعاية اليمينية ضدها من المعارضة، التي يقودها نتنياهو، واتهاماته المتكررة لها بأنها لن تكون قادرة على “ردع الإرهاب والإسلام”.

ويمكن عمليًا القول إنه انطلاقًا من تلويح رئيس “الشاباك” بخطر تفجر الأوضاع في رمضان، خلال زيارته إلى واشنطن، انتقلت الحكومة الاسرائيلية إلى الترويج أكثر لضرورة تحسن الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية وتعزيز مكانة السلطة الفلسطينية في رام الله، بموازاة نقل الرسائل إلى “حماس” عبر مصر لاستعدادها تحسين الأوضاع في غزة إذا ثبتت الحركة بدورها التهدئة الحالية مع الاحتلال.

وكانت لقاءات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ، الأول مع وزير الأمن بني غانتس، والثاني مع وزير الخارجية يئير لبيد، والمشاركة في لقاء عباس ــ غانتس، قد أرست تفاهمًا بين الطرفين بشأن تحسين مستوى المعيشة في الضفة الغربية ومنح تسهيلات للتجار والعمال الفلسطينيين.

رحلات وزارية إلى الأردن

هذا كله، بوجود الاستعداد لدى السلطة الفلسطينية، في الضفة الغربية ولدى “حماس” في قطاع غزة، لتثبيت نوع من التهدئة، شجع الاحتلال على إطلاق رحلات ثلاثة وزراء، غانتس ولبيد ووزير الأمن الداخلي عمر بارليف، للأردن، لمحاولة تثبيت تفاهمات مشابهة مع الأردن تحت مسمّى منع التوتر في القدس، واتصالات حثيثة مع مصر بشأن القطاع، تم لاحقًا ضم دول التطبيع التي شاركت في قمة النقب، وهي المغرب والإمارات والبحرين ومصر، إليها، بعد أن كانت عمليتان قد وقعتا قبيل انعقاد القمة (في بئر السبع في 23 مارس/ آذار الماضي، والأحد الماضي في الخضيرة) وخلالها، شكلتا رغم تبني “داعش” لهما وعنصر المفاجأة في تحرك “خلايا” لداعش داخل إسرائيل، مدماكًا في دبلوماسية التحذير من “الإرهاب الفلسطيني”.

لكن ورغم توظيف العمليتين لصالح “نبذ الإرهاب والتطرف الديني”، فقد كانت عملية الشاب ضياء حمارشة في مدينة بني براك بمثابة عود الثقاب الذي كان بلوط يبحث عنه، لإطلاق تصعيد عسكري وميداني من قبل إسرائيل مرشح للتصاعد يومًا بعد يوم، خصوصًا مع حلول شهر رمضان، على الرغم من أن شعبة جهات أمنية في الجيش وشعبة الاستخبارات لا تريان وجود قاعدة تنظيمية أو تحذيرات لتشكيلات فدائية يمكن لها إشعال الأوضاع في الضفة الغربية، وأن الحديث في أقصى الحالات لا يتجاوز إمكانيات حدوث عمليات فردية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى