ميثاق السّلم الأهلي لذوي الاحتياجات الخاصة
الشيخ رائد صلاح
لأنّ قوة أي مجتمع تكمن بمدى قوة تماسكه بين أقويائه وضعفائه، وبين أغنيائه وفقرائه، وبين كباره وصغاره، ولأن منزلة كل مجتمع تكمن بمدى إفشائه لقيّم السلام والتكافل والتراحم والتواصل بين كل هذه المكونات فيه، ولأننا نطمح لمجتمعنا في الداخل أن يتصدر المنزلة السامية بين سائر المجتمعات، فيسر الإدارة العامة للجان إفشاء السلام أن تتقدّم بهذا الميثاق بهذا العنوان (ميثاق السلم الأهلي لذوي الاحتياجات الخاصة):
1- ذوو الاحتياجات الخاصة هم جزء كريم من أسرتنا الواسعة التي تضم كل الأهل على اختلاف تعددياتهم الدينية والسياسية والحمائلية في الداخل.
2- ذوو الاحتياجات الخاصة هم عضو سليم في جسدنا الواحد وقد يكون منهم القلب أو العقل في هذا الجسد.
3- لأنهم كذلك، ولأنه إذا اشتكى عضو من هذا الجسد تداعى له سائر هذا الجسد بالسهر والحمى، فإن ذوي الاحتياجات الخاصة إذا اشتكوا أو إذا اشتكى أي واحد منهم، فيجب أن نتداعى لهم بالسهر والحمى.
4- ذوو الاحتياجات الخاصة ليسوا عالة على أنفسهم ولا عالة على أحد، بل هم قطاع هام وموهوب وناشط في مسيرة بناء مجتمعنا ففيهم الطبيب والمهندس والأديب والشاعر والرّسام والرياضي والمعلم والسياسي والإعلامي.
5- ذوو الاحتياجات الخاصة لهم مواهبهم ولهم طاقاتهم وقدراتهم وهواياتهم، كسائر أبناء كل مجتمعنا ويجب علينا أن نحترم كل هذه المواهب والطاقات والقدرات والهوايات، وأن نحتضنها، وأن نوظفها في الاتجاه الصحيح، كثروة ثمينة نفتخر بها.
6- ذوو الاحتياجات الخاصة لم يكونوا يوما من الأيام عاجزين ومفردين، بل كانوا عمودا أساسا في بناء تاريخنا وحضارتنا، فكم منهم من أعمى، ومن أعرج، ومن قعيد، ومن عليل، كان له الدور الأساس في مسيرة هذا البناء، والأمثلة على ذلك كثيرة، وهي معروفة بأسمائها وأدوارها.
7- لأنهم كانوا كذلك ولا يزالون، فمن حقهم علينا أن يتمتعوا بتكافؤ الفرص مع سائر أبناء كل مجتمعنا عند بحثنا عن الموظف المناسب أو المعلم المناسب أو المدير المناسب أو العامل المناسب أو حتى رئيس أو عضو السلطة المحلية المناسب، وليكن ميزاننا في كل ذلك: الرجل المناسب أو المرأة المناسبة في المكان المناسب.
8- ذوو الاحتياجات الخاصة هم جزء من امتدادنا حاضرا ومستقبلا وفيهم الأب والأم والابن والابنة والحفيد والحفيدة، مما يؤكد أنهم من فلذات أكبادنا كما هم سائر أهلنا.
9- لأنهم كذلك، فهم أمانة في أعناقنا كما هم سائر الأهل أمانة في أعناقنا، ويجب أن نوفر لهم كل التسهيلات اللازمة التي من شأنها أن توفر لهم ولسياراتهم حسن السير والوقوف والدخول إلى كل مؤسساتنا ومدارسنا وملاعبنا ومتنزهاتنا ودور العبادة فينا، والتي من شأنها أن توفر لهم حسن الاستفادة من كل هذه المواقع، وحسن الخروج منها لدى مغادرتهم لها.
10- ذوو الاحتياجات الخاصة ما كانوا في يوم من الأيام على امتداد كل تاريخنا وحضارتنا ما كانوا عنصرا يأخذ فقط، ويتلقى فقط، وينتفع فقط، بل كانوا ولا يزالون كسائر كل أبناء مجتمعنا، يأخذون ويعطون، ويتلقون ويقدمون، وينتفعون وينفعون.
11- لأنهم كذلك، فحذاري أن ننظر إليهم بعين الشفقة، كشيء آخر غير سائر أبناء مجتمعنا، بل هم مع سائر أبناء مجتمعنا سواسية كأسنان المشط، ولا فضل لهم على غيرهم ولا فضل لغيرهم عليهم إلا بالتقوى، ثمّ بقدر ما يسهم كل واحد منا في إسناد مسيرة مجتمعنا أو دعمها.
12- ولأنهم كذلك فنحن مطالبون أن نخاطبهم بلغة التقدير والاحترام لهم، وبلغة الإعجاب بهم وبإراداتهم، ومنجزاتهم، وبلغة الإشادة بدورهم وعطائهم، وبلغة شكرهم والثناء عليهم، ومنحهم الجوائز والشهادات التقديرية في كل ما هو مناسب.
13- ذوو الاحتياجات الخاصة فيهم العاطفة الصادقة ولهم المشاعر الحيّة والأذواق الرفيعة، فلنحذر أن نخدش لهم عاطفة أو مشاعر أو أذواقا ولو بكلمة (أف).
14- لأنهم كذلك، فنحن مطالبون أن نندمج في مسيرة حياتهم وأن يندمجوا في مسيرة حياتنا وأن نتعامل معهم وأن يتعاملوا معنا، كزمرة الأسرة الواحدة والبيت الواحد والمجتمع الواحد والمسيرة الواحدة حاضرا ومستقبلا.
15- ولأنهم كذلك، فنحن مطالبون أن نشاركهم أفراحهم في يوم زواجهم، وفي لحظات نجاحهم، وعند حصولهم على شهاداتهم العليا الجامعية، وعندما يكرم الله تعالى أحدهم بمولود، ثم نحن مطالبون أن نزورهم في بيوتهم، وأن نعودهم إذا مرضوا، وأن نأكل من طعام ولائمهم، وأن نفتح لهم بيوتنا، وأن نتشرف بزيارتهم لنا، وأن نجبر خاطرهم، وأن نقلّ عثراتهم، وأن نبش في وجوههم، وأن نلقي عليهم التحية، وكحد أدنى في كل ذلك أن نخاطبهم بالكلمة الطيبة، وأن نصغي إليهم إذا تكلموا، وأن نستمع لآرائهم، وأن نهتم بشكواهم، وأن نحذر كل الحذر أن نغلظ لهم القول أو أن نرفع أصواتنا أكثر مما يحتاجون إليه.
16- ذوو الاحتياجات الخاصة هم القنديل المنير الذي يكشف لنا عن حقيقة قلوبنا المستورة في صدرونا، وعن مدى حياة أو مرض أو موت ضمائرنا، وبذلك هم الدافع الراشد الحيّ الذي يدعونا دائما إلى حفظ دائم لإنسانيتنا من خلال واجب حفظنا الدائم لذوي الاحتياجات الخاصة ودوام التواصل معهم.
17- لكل ذلك، فإننا لا نبالغ إذا قلنا إن ضرورة احتضان ذوي الاحتياجات الخاصة في مسيرة مجتمعنا في الداخل هو جزء هام من ضرورة تمسكنا بثوابتنا، فهي الثوابت التي تدعونا إلى توقير الكبير والرحمة بالصغير وإغاثة الملهوف وحمل الكلّ وكفالة المصاب والعون على نوائب الدهر.