أخبار رئيسيةأخبار عاجلةالقدس والأقصىومضات

سوق القطانين التاريخي يؤكد تمسكه بهوية القدس ويقاوم التهويد

موطني 48

قلب البلدة القديمة التجارية النابض يربطه بقبة الصخرة المشرفة رباط وعقد أبدي لا ينازعه به أحد، تسطع عليه جدائل الأشعة الذهبية من زقاق صغير تأخذك تلك الأشعة إلى شارع الواد حيث المسجد الأقصى المبارك وبوابته الشرقية.

فبين ماضيه الأصيل وحضارته العريقة وواقعه المؤلم يستحضر التاريخ بجمال زخارفه الحمراء ومقرنساته التي تعلو مدخله الشرقي التي تعتبر قمّة في الإتقان والتناسق والجمال؛ ظل “سوق القطانين” رمزًا مقدسيًّا مطمعًا للغزاة المحتلين ومستوطنيهم.

سوق القطانين الذي يتزين بالزخارف والحجارة الحمر والسود على مدخله، يعد من أبرز أسواق العهد المملوكي، ويعود بناؤه إلى السلطان سيف الدين تنكز الناصري عام 737هـ/1337م.

وقال الدكتور يوسف النتشة، مدير مركز دراسات القدس في جامعة القدس مدير السياحة والآثار في المسجد الأقصى المبارك سابقا: “إن الحقب الزمنية التي مرت على سوق القطانين يمكن القول إنها ارتبطت مع تاريخ مدينة القدس ويمكن أن يكون لها بوادر للسوق إلا أنه لم يكن بهذا الاكتمال خلال الفترة الإفرنجية”.

وأضاف النتشة في حديث معه: “إن الازدهار الكبير الذي شهده السوق كان خلال الفترة المملوكية والعثمانية وفترة الانتداب البريطاني والإدارة الأردنية وحتى يومنا هذا”.

وتابع: “الأمير نائب السلطان تنكز الناصري وهو من فترة السلطان الناصر محمد بن قلاوون هو من أسس سوق القطانين، وهذا الرجل له أياد بيضاء في العمارة داخل السوق فهو الذي أسس حمام الشفاء وحمام العين الحمام الجنوبي”.

وأشار النتشة إلى أن السلطان الناصري اعتنى بمصادر المياه ومن أبرز معالمه رباط النساء الذي أسسه للعناية والاهتمام بالنساء المطلقات والأرامل.

وبين مدير مركز دراسات القدس أن السوق يستخدم حاليا للتبادل التجاري الصغير أي شراء الحاجيات مثل السكاكر والتذكارات والمقاهي والسبط وهو ما يحتاجه زوار مدينة القدس ليعودوا بتلك المذكرات إلى ذويهم.

وأكد النتشة أن السوق يعاني من مشاكل كبيرة جدا في الصيانة وفرض بعض الضرائب في ادعاء الملكية من قبل بعض الأشخاص والمؤسسات والمستوطنين الإسرائيليين الذين يحتلون بعض أقسام صغيرة منه.

وقال المدير السابق في السياحة: “إن السوق لم يتعرض للهدم بل تعرض لمحاولات حثيثة من الترميم والصيانة والعناية به وإعادة تأهيله وإعادة استخدامه خلال الفترات التي مر بها حيث رمم ترميم كامل عام 1975م من قبل دائرة الأوقاف الإسلامية وتمت له صيانة أكثر من مرة”.

وأضاف النتشة: “بدخولك للسوق تجد فيه بعض العناصر المعمارية من الأقبية المتقاطعة وأيضا من النوافذ على شكل فتحات للتهوية في الأسقف وأيضا الأقبية المتقاطعة القائمة على مجموعة من العقود المدببة التي تمتاز بها العمارة المملوكية”.

وعن الأسماء التي تطلق على السوق أكد النتشة أن السوق يعرف باسم سوق العتم وسوق القطانين نظرا لأنه اشتهر ببيع مادة القطن في الفترات المتأخرة من الحكم المصري.

بدوره قال ناصر الهدمي رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد في القدس: “إن اعتقاد الصهاينة بوجود قدس الأقداس داخل قبة الصخرة جعلهم يمارسون التضييق على التجار ويدفعونهم لترك محلاتهم وغرفهم حيث يعتبرون المكان مقدسا أكثر من أي مكان آخر”.

وأضاف الهدمي في حديث معه: “لا شك أن أي استيلاء من قبل سلطات الاحتلال والجمعيات الاستيطانية على أي عقار داخل البلدة القديمة وكلما اقترب من المسجد الأقصى المبارك زادت خطورة هذا التسريب مما سيؤثر سلبا جدا لأن الاستيطان لا يستطيع أن يتمدد داخل البلدة القديمة”.

ويرى الهدمي أن المقدسيين يعملون جاهدين على أن لا يتم تفريغ البلدة القديمة أو تسريب بيوتها إلى الجمعيات الاستيطانية ومن ذلك سوق القطانين.

وأشار إلى أن الناس ترى في سوق القطانين تاريخا وتراثا يدلل على هوية المكان والاحتلال يسعى لان يحطم هذا الأمر ويمحو هذا التاريخ، حيث يمنع التجار من التوسع داخل السوق بفرض الضرائب والغرامات المالية المرتفعة عليهم.

وأكد على أن مجاورة السوق للمسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة جعله يحظى باهتمام واسع من الناس، حيث يخرج المصلون من صلاة الظهر باتجاه السوق ويجلسون على قهوة السوق يحتسون القهوة ويتجاذبون أطراف الحديث كإحدى وسائل دعم صمود هذه الأماكن في وجه المحتل.

وأشار الهدمي إلى ضرورة أن يبقى هذا السوق عامرا وأن تبقى الحوانيت تعمل والحركة التجارية نشطة وأن تتم زيارته وإعادة إعماره بشكل دوري.

من جانبها أكدت الكاتبة والصحفية المقدسية مرال قطينة على أن ما يقوم به الإعلاميون بشكل أو بآخر لا يكفي لتسليط الضوء على السرقات الأثرية وتغيير المعالم الذي تنتهجها السلطات الإسرائيلية من سنوات طويلة حتى قبل احتلالها لفلسطين التاريخية.

وقالت قطينة في حديث معها: “إن من أهم العناصر التي عَلى الإعلاميين التركيز عليها البحث والتدقيق عن المعلومات التي سيقوم بنشرها والاستعانة بعلماء آثار فلسطينيين مختصين يعرفون القيمة التاريخية والإنسانية للأماكن وخاصة في مدينة القدس”، مشيرة إلى ضرورة توخي الدقة والحذر في نشر الرواية الفلسطينية والأهم من ذلك محاولة استباق الإسرائيليين في الكشف عن المخططات التي رسمتها الحكومة الإسرائيلية على مدى السنوات الماضية لتزوير تاريخ هذه المعالم.

وأضافت: “يأتي دورنا الإنساني في فهم هذه المخططات وتأثيرها المستقبلي على حياتنا وتاريخنا وموروثنا الثقافي”، مبينة أن الإعلاميين في سباق مع الزمن لأن الاحتلال أسرع منهم في التغيير على الأرض.

وتابعت: “إن دور الإعلام هو كشف التزوير والكذب الذي قامت وتقوم به سلطات الاحتلال على مدى السنوات الماضية والبحث التاريخي والقراءة بالنسبة للصحفي هي أساس لعمله، ولا يمكن للإعلامي المرور سريعا على قضية تتناول تزوير تاريخيا أو سرقة أثرية معينة، أو محو أو تزيف لأي حقبة تاريخية هامة بدون أن يبحث عن أساس المعلومة و يدقق في تفاصيلها التاريخية”.

ودعت الكاتبة الصحفية الإعلاميين إلى الانتباه أن التنقيب عن الآثار في أراض محتلة يجعل التنقيب والحفريات الأثرية فيها وفقاً للبروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي عام 1999، غير قانوني بل محظور، لكن إسرائيل كعادتها لم توقع على البروتوكول ولا تأبه، وتستمر في تنفيذ مشاريعها ومخططاتها إلى ما لا نهاية.

وبينت قطينة أن هناك عقبات جمة تواجه الصحفيين في تغطية الأماكن التاريخية والأثرية أولها منع التصوير في المكان، صعوبة الحصول على مصادر للمعلومات، اقتحام المستوطنين والجيش الإسرائيلي للمكان أثناء التغطية الإعلامية.

أما الصعوبة الثانية بحسب قطينة فهي سرعة انتشار الرواية الإسرائيلية وصعوبة النشر للرواية الفلسطينية.

وقالت: “إن إسرائيل تحاول دائما استغلال الآثار بطريقة أكثر تعقيداً مما نتخيل أو نتصور، حيث تستغل إسرائيل الحفريات الأثرية لطرد الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم، وتعزلهم عن آثارهم التاريخية والمعمارية، وتقوم بمحو التراث المعماري وهدمه واستبداله بالتراث اليهودي، الذي لا يستند غالباً إلى أي اكتشافات في المواقع التي يتم التنقيب فيها”.

وأضافت: “منذ احتلالها للقدس خصّصت الحكومة الإسرائيلية واستثمرت ملايين الدولارات للتنقيب الأثري، ووضعت معايير مزدوجة أدت إلى خلق فجوة بين الفلسطينيين والآثار التي يعيشون بينها، وإلى حالة من الفصل بين تراث المنطقة وسكانها المحليين، وبالتالي انتهاك حقوقهم الثقافية”.

وتابعت: “يركّز الإسرائيليون في شرحهم للآثار والتاريخ على التفسيرات التي تربطها بالماضي اليهودي، حتى لو كان الحديث عن علاقة منعزلة ومشكوك فيها، في حين أن الآثار تحصل على مكانة قانونية ويُنظر إليها على أنها تعبير عن السيادة الإسرائيلية على الأرض، وتحوّل الفلسطينيين إلى مقيمين غير شرعيين ليس لهم صلة ثقافية أو دينية أو حتى رمزية في المكان”.

وترى الكاتبة الصحفية أن الإعلاميين بحاجة إلى الكتابة دائما عن التزييف وسرقة الآثار وتغيير المعالم الذي يعيشونه بشكل يومي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى