علمني الابتلاء
منى وجيه فياض (أم أنس)
حياتُنا كأمواج البحْر بين مدٍّ وجزر، بين فرح وحزن؛ فما علينا إلا أن نتمّسك بقارب الصبر. فالابتلاء في الحياة ليس اختبارا لقوتنا الذاتية، بل هو اختبار لقوة استعانتنا بالله.
فلنكُن على يقين أن الله لا يبتلينا بشيء إلا وفيه خيرٌ لنا، حتى وإن ظننا العكسَ. فالحنين ابتلاء، والفراق ابتلاء والموت ابتلاء… كل أمر يزعجنا ويعكر صفوَ حياتنا وينزل دمعاتنا فهو ابتلاء، فلا ننسى وعد الله: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِين…} (سورة البقرة: 155).
فالمؤمن المُبتلى الكيّس الفطّن هو الذي يتعلم ويستقي العبر والدروس من الابتلاءات والمحن.
من خلال المحن يعلم، بل ويتيقن المُبتلى أن الله يحبُه. وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله إذا أحبّ عبدًا ابتلاه} (رواه الترمذي)، فيكفيه شرفًا محبةُ الله لهُ، ويكفيه شرفًا أنه تعالى لا ينساه، فهو ناظِرٌ إليه، وقد اختاره من بين عباده ليبتليَهُ، فطوبى لهُ هذا الشرف العظيم.
وهو إلى جانب هذا الشرف يتعلم الصبر والرضا حين يصبح الابتلاءُ عطيّةً والمحنةُ منحةً. ويكفي الصابرَ الفوزُ بالثواب الجزيل والأجر العظيم في الآخرة: {إنَّما يُوَفّى الصّابرونَ أجرَهم بغير حساب} (سورة الزمر: 10).
ويتعلم المُبتلى كذلك مواساة من ابتلاهم الله، وجبر خواطرهم، وتخفيف أحزانهم وهمومهم ولو بكلمة، حتى لو لم يكن بينه وبينهم علاقة وسابقُ معرفة، فيكون له معينًا ومفرّجًا لكُربته، فالمبتلى عندما تواسيه لا ينسى لك هذه الوقفة، فبمجرد أنك تذكرته يدرك أنك تشعر به وتحزن لأجله، وأنت حينها تمده بالقوة وتشد من أزره، حتى لو لم يكن يعرفك.
ومن العبر المستقاة أن الفرَج قريب، وأنه لا بد للصبح أن ينجلي. فمهما اشتد الابتلاء يجب أن نكون على ثقة ويقين بأن الله سبحانه سيجعل لنا من أمرنا فرجا ومخرجا، وسيأتي التعويض بعد الصبر الجميل. سيخلفك الله خيرًا من مصيبتك؛ عاجلًا آم آجلًا.