هل تسرع الحرب في أوكرانيا الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط؟
تساءل الديبلوماسي الإيطالي السابق ماركو كارنيلوس في مقال بموقع “ميدل إيست آي” إذا ما كانت الحرب الروسية في أوكرانيا ستسرع الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط.
ويرى الديبلوماسي الذي عمل في الشرق الأوسط، أنه مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية أسبوعها الرابع، تتزايد احتمالات بعض العواقب غير المقصودة والتي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على المشهد السياسي في الشرق الأوسط.
وتعتبر روسيا وأوكرانيا من موردي القمح المهمين لبعض دول المنطقة وعلى رأسها مصر. وقد تتسبب صدمة إمدادات القمح في حدوث اضطرابات في القاهرة وعواصم إقليمية أخرى.
فيما ترتفع أسعار النفط بشكل كبير مع إصرار كل من السعودية والإمارات على تجاهل الضغط الأمريكي لزيادة إنتاجهما للمساعدة في خفض الأسعار.
ويشير إلى أنه حتى الاتفاق النووي الإيراني الذي طال انتظاره، والذي كان في مراحله النهائية، ربما يتأجل أو حتى يفشل تماما بسبب مجموعة المطالب الجديدة التي أضافتها روسيا.
ويقول إنه في مثل هذا السياق، تزداد أهمية السؤال الذي تردد منذ عقد من الزمان، وهو هل تنسحب الولايات المتحدة عسكريا من الشرق الأوسط؟
ويذكر أنه في أغسطس/آب 2010، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما انتهاء المهمة القتالية في العراق والتي كان قد وافق عليها سلفه جورج دبليو بوش. وفي 2011، طلب أوباما على مضض من حلف “الناتو” التدخل في ليبيا للإطاحة بـ “معمر القذافي”، لكنه رفض عام 2013 اتخاذ الإجراء نفسه ضد الرئيس السوري “بشار الأسد”.
ويقول إنه بالطبع، لم يستطع أوباما تجنب مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” عندما كان على وشك السيطرة على العراق وسوريا، لكنه فعل الحد الأدنى حيث قدم التدريب والدعم الجوي الوثيق للقوات المسلحة العراقية والسورية والمليشيات الكردية.
ويؤكد أنه في النهاية، كانت إدارة أوباما مهتمة بالتركيز على آسيا أكثر من اهتمامها بالشرق الأوسط. وكان الاستثناء من هذه القاعدة هو الاتفاق النووي مع إيران.
وفي عام 2019، حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا لكنه فشل، حيث واجه معارضة شديدة من مؤسسة السياسة الخارجية والأمنية في واشنطن.
الصين.. التحدي الرئيس
وأكمل الرئيس الحالي جو بايدن أخيرا الانسحاب من أفغانستان الذي وافق عليه ترامب، لكن مع نتائج كارثية، وقد فعل ذلك باسم الحاجة إلى التركيز على التحدي الأمني الرئيسي للولايات المتحدة في القرن الـ 21، ألا وهو الصين.
ويشدد الكاتب على أن واشنطن تشعر في الحقيقة بقلق بالغ من صعود بكين بسرعة هائلة. لكن في هذا السياق، يعد انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط أمرا مثيرا للجدل، حيث تستورد الصين نحو نصف احتياجاتها من النفط من المنطقة؛ وبحلول عام 2030، ستستورد 80%، وسيستمر وصول الكثير منه من الشرق الأوسط.
ويثير اعتماد الصين على نفط المنطقة، التي تحرص الولايات المتحدة على مغادرتها، العديد من الأسئلة؛ لأن استمرار التواجد الأمريكي قد يمكن واشنطن من ممارسة قدر كبير من النفوذ على منافستها العالمية الرئيسية.
ويرى أنه في بيئة استراتيجية عقلانية، يجب أن تدرك واشنطن أن الصين حريصة على الالتزام بالشرق الأوسط الذي ترغب الولايات المتحدة في الانسحاب منه. لكن على مدى 3 عقود على الأقل، لم يكن هناك الكثير من الأدلة على التفكير الاستراتيجي السليم في واشنطن.
وهناك خوف يلوح في الأفق بين حلفاء أمريكا في المنطقة من أن هزيمة الولايات المتحدة في اللعبة الكبرى بآسيا الوسطى قد يتبعها انسحاب أوسع من الشرق الأوسط. ولم تكن التطمينات التي قدمها وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خلال المنتدى السابع عشر للأمن الإقليمي “حوار المنامة” كافية لتبديد هذه الشكوك.
وتخشى دول المنطقة أن يتسبب الانسحاب الأمريكي في حدوث فراغ يغري إيران وروسيا والصين. وقد يفسر هذا جزئيا سبب اندفاع عدد من الدول العربية للتوقيع على ما يسمى بـ “اتفاقيات إبراهيم” مع إسرائيل التي يُنظر إليها على أنها القوة العسكرية الأكثر فاعلية في المنطقة.
ويمكن القول إن مضمون هذه الاتفاقيات هو إسناد دور تمويل إسرائيل إلى دول الخليج، بينما تحل إسرائيل تدريجيا محل الولايات المتحدة في دور الضامن الأمني. ومن السابق لأوانه الجزم بأن هذا النمط سيكون كافيا لتهدئة مخاوف الدول التي وقعت على الاتفاقات.
ومع ذلك، قد يكون من السابق لأوانه أيضا الجزم بأن الولايات المتحدة حسمت قرارها بفك الارتباط بالمنطقة. ويمكن لواشنطن ببساطة أن تعيد الانتشار في المنطقة على نطاق أصغر. فبعد كل شيء، قد ترى المؤسسة الأمنية في واشنطن أن الانسحاب سيكون علامة غير مقبولة على الضعف.
إيران والسعودية والمشهد الاستراتيجي الإقليمي
ويقول الكاتب إنه عند النظر إلى المشهد الاستراتيجي الإقليمي، قد يكون للصراع في اليمن نتيجة غير مواتية للسعودية والإمارات. ويمكن للبنان أن ينزلق في أي لحظة إلى الفوضى الكاملة، في حين أن القوة العسكرية الوحيدة القادرة على تولي السيطرة على البلاد هي “حزب الله”.
وبحسبه يعزز نظام الأسد ببطء سيطرته على سوريا. وبغض النظر عن نتائج الانتخابات ونوايا الزعيم الشيعي “مقتدى الصدر” (صاحب الكتلة البرلمانية الفائزة في البرلمان)، فلن يتخلص العراق بسهولة من النفوذ الإيراني.
ويرى أنه إذا نجحت محادثات إحياء الاتفاق النووي مع إيران، فلن تشعر إسرائيل وبعض الدول العربية بالارتياح. ومن ناحية أخرى، من المرجح أن تتصاعد التوترات في حال فشل المحادثات في فيينا.
لكن التطور المفاجئ هو تزايد وتيرة الحوار الإقليمي مع تصاعد المخاوف من الانسحاب الأمريكي. وبدأت دول المنطقة في إدراك أن الأمن الإقليمي قد يتحقق على وجه أفضل من خلال الحوار مع بعضها البعض بدلا من البحث عن الملاذ لدى القوى العظمى التي لا يمكن الاعتماد عليها في بعض الأحيان.
ومنذ بضعة أشهر، انخرطت السعودية في محادثات مع إيران لتحسين علاقتهما الثنائية وإيجاد مخرج لحفظ ماء الوجه من اليمن. لكن هذا الحوار تعرض للتعطيل بسبب الموجة الأخيرة من الإعدامات التي نفذتها المملكة بحق نشطاء شيعة هذا الأسبوع.
ويرى الكاتب أنه إذا كان الإيرانيون أذكياء، فعليهم اغتنام الفرصة الحالية، فمهما كانت كارثة السعودية في اليمن مغرية للقيادة الإيرانية، فليس من الحكمة أبدا إذلال الخصم. وإذا كانت الرياض مستعدة للتعامل مع طهران في الملف اللبناني أيضا، فيمكن تفادي كارثة أخرى وشيكة.
الإمارات واللعب على الحبال
وبحسبه كانت الإمارات أسرع وأكثر ذكاء، حيث تلعب النخبة الحاكمة في أبوظبي بشكل فعال على عدة حبال، وتتواصل في الوقت نفسه مع تركيا وإيران ونظام الأسد. وبعد فترة طويلة من الخلاف مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زار ولي العهد محمد بن زايد أنقرة للمرة الأولى منذ عقد، وسرعان ما رد الرئيس التركي الزيارة.
كما أرسل بن زايد وزير خارجيته إلى دمشق ومستشاره للأمن القومي للقاء نظيره في طهران. وتصر الإمارات على الحفاظ على التعاون مع الصين، كما امتنعت عن إدانة التوغل الروسي في أوكرانيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ويتساءل الكاتب أنه إذا أدت أفكار انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط إلى مثل هذه الفورة من النشاط الدبلوماسي، فما الذي يمكن أن يحدث إذا أصبح حقيقة واقعة؟
الكتالوغ الأمريكي
وبحسبه تستند ركائز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، حتى الآن، على “الكتالوغ الأمريكي” بما في ذلك النفوذ والقيادة الأمريكيان. ولفترة طويلة، كان هذا معيارا صالحا، ولكن بعد متابعة العقدين الأخيرين من السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة، يبدو أنه لم يصبح كذلك.
وقبل 3 أعوام، يقول الديبلوماسي “كنت أدافع عن بنية أمنية جديدة للشرق الأوسط، وفي ذلك الوقت كان دور القوى العظمى يعتبر حتميا. ولكن اليوم يوجد دافع قوي للادعاء بضرورة السماح للجهات الفاعلة المحلية بالتحرك بمفردها، فمن المرجح أنها لن تتسبب بأضرار أكثر مما أحدثته بالفعل القوى العالمية”.
ويضيف “ماذا لو بدأت الكتلتان الرئيسيتان، الدول التي تعترف بإسرائيل وتلك التي تقودها إيران، استكشاف إمكانية الوصول إلى أرضية مشتركة والتخلي عن المناورات المتبادلة والسامة؟”.
ويختتم بالقول “عاجلا أم آجلا، ستواجه الجهات الفاعلة المتنافسة تحديات وتهديدات جديدة، مثل تغير المناخ وزيادة التصحر وتحولات الطاقة وتدفقات الهجرة، وقد تدرك دول الشرق الأوسط عندئذ، ولحسن الحظ، أن الأوان لم يفت، وأن الطريقة الوحيدة للتعامل مع تلك التحديات هي التعاون الإقليمي”.