هل تمثل الصين شريان دعم للاقتصاد الروسي بمواجهة العقوبات الغربية؟
تواجه الصين موقفاً صعباً، في ظل استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا. فهي بالنسبة إلى موسكو طوق نجاة اقتصادي بمواجهة العقوبات الغربية، وفي ذات الوقت تخشى من تداعيات ذلك على علاقتها بالغرب في حال مدها يد العون لنظام فلاديمير بوتين.
ووفقاً لمجلة “ذي إيكونوميست”، فإن العقوبات الغربية وضعت العلاقات الصينية الروسية المتينة على المحك، فروسيا بحاجة إلى شريان حياة اقتصادي ومالي، ومن ثم فهي تريد أن تكون الصين قناة لمواصلة التجارة من خلالها مع بقية العالم.
ومع ذلك وفقاً للمجلة، يجب على الصين تحقيق توازن دقيق بين مساعدة بوتين في مواجهة المنافس المشترك، الولايات المتحدة، والاحتفاظ في الوقت ذاته بالوصول إلى النظام المالي العالمي.
دوافع الدعم الصيني
تمتلك الصين عدداً من الدوافع السياسية والاقتصادية لدعم بوتين، منها وصف وزير الخارجية وانغ يي روسيا خلال غزو أوكرانيا بأنها “الشريك الاستراتيجي الأهم” لبلاده، كذلك بشّر الرئيسان، الصيني شي جين بينغ، والروسي فلاديمير بوتين، الشهر الماضي، بعصر جديد لبلديهما.
اقتصادياً، تريد الصين تقويض شرعية العقوبات كأداة للسياسة الغربية، نظراً لاستخدامها ضدها بسبب هونغ كونغ وشينجيانغ. كذلك قد تجد الشركات الصينية في انسحاب الشركات الغربية الكبرى من روسيا فرصة لها للتوسع والتمدد هناك.
معوقات تقنية واقتصادية
رغم وجاهة الدوافع الاقتصادية للدعم الصيني لروسيا، إلا أن هذه العلاقات الوطيدة التي تخرق الحظر تواجه عدة مشاكل، وفقاً للمجلة، فالقدرات التقنية في المجال المالي للصين ليست بديلاً لقدرات الغرب، حيث إن شبكة المدفوعات الخاصة للمدفوعات بالصين، المعروفة باسم “cips”، ليست بذات اتساع حجم نظام المدفوعات الغربي المعروف سويفت “swift” الذي حُرم بعض البنوك الروسية منه.
كذلك إن الشركات متعددة الجنسيات الصينية التي لها وجود قانوني في الدول المتحالفة مع الغرب قد تتعرض لنظام العقوبات الحالي، في حال عدم الانصياع للعقوبات على موسكو، مثل شركة فولفو سويدية الأصل المملوكة للصينيين حالياً، وتطبيق تيك توك الذي يعمل من سنغافورة، لكنه مملوك للصين أيضاً، حيث اضطرت مثل هذه الشركات إلى وقف بعض العمليات في روسيا.
حتى الشركات الصينية التي ليس لها وجود قانوني في الغرب، يمكن أن تتعرض لعقوبات في حال عدم التزامها العقوبات المفروضة على موسكو.
ورغم أن الإدارة الأميركية لم تعاقب “الأطراف الثالثة” التي تتعامل مع موسكو، إلا أن تجربتها في فرض عقوبات على البنوك الصينية التي تعاملت مع كوريا الشمالية وإيران ما زالت ماثلة للأذهان أمام تلك البنوك التي ستتردد في تكرار التجربة مع روسيا.
معادلة صينية
في ضوء ذلك كله، تتوقع “ذي إيكونومسيت” أن تكون مساعدة الصين لروسيا فاترة، حيث ستتمسك بترتيباتها التجارية، وخاصة في قطاع الطاقة مع موسكو حالياً، على أمل أن تتسامح أميركا معها، علماً أن الصين تلقت 32% من إجمالي صادرات الخام الروسية في عام 2020 و17% من صادراتها من الغاز الطبيعي المسال.
كذلك قد تجري الصين أيضاً معاملات تجارية ومالية من خلال البنوك الأصغر التي ليس لها وجود قانوني في الغرب، باستخدام الروبل واليوان بدلاً من الدولار، وقد تمنح المركزي الروسي حق الوصول إلى حيازاته من اليوان.
لكن مقابل كل ذلك، من المحتمل أن تحاول الصين الحد من الحجم الإجمالي لأحجام التجارة وتدفقات المدفوعات لتجنب إثارة مواجهة مباشرة مع أميركا.
تسعى بكين للتوفيق بين عدة أولويات، فهي تريد إفشال سلاح العقوبات الغربي كأدة في الضغط على الدول، لكنها حريصة على الحد من الأضرار الجانبية للمصالح الصينية.
وفي إطار هذه المعادلة القائمة حالياً، ستسعى الصين للاستفادة من أخطاء روسيا، إذا تعلق الأمر بمواجهة مستقبلية مع عقوبات أميركية وغربية، ومنها حماية نظامها المالي وتحسين نظام المدفوعات وتنويع احتياطياتها البالغة 3.2 تريليونات دولار من العملات والحسابات الغربية، وذلك عبر الاستثمار، على سبيل المثال، في السلع.
كذلك يمكن أن تشجع الصين الشركات والحكومات الأجنبية على إصدار المزيد من الأوراق المالية في أسواق رأس المال الصينية، ما يخلق مجموعة جديدة من الأصول للصين لشرائها.
قد تأمل موسكو، وفقاً للموقع، أن تمدّ بكين لها يد المساعدة، لكن أولوية الصين ستكون التعلم من دراسة حالة الفشل.