أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةعرب ودولي

من كوبا 1962 إلى أوكرانيا 2022: شبح حرب عالمية ثالثة “نووية”

مع الاجتياح الروسي لأوكرانيا منذ أسبوع، عادت إلى واجهة الخطاب السياسي العالمي مفرداتٌ اعتقدنا أنها طُويت مع القرن العشرين، إذ عاد الحديث بقوة عن ضرورة التسلّح والتهديد بالسلاح النووي، ومن ثمّ نشطت مفردة “الحرب العالمية” بشكل واضح، كما لم يحدُث منذ زمن طويل، منذ نحو ستين عاماً، أي مع أزمة الصواريخ في كوبا.

وفي تلك الأيام من أكتوبر/ تشرين الأول 1962، حبس العالم أنفاسه مع تصاعد حدّة خطاب الرئيس الأميركي جون كينيدي، وهو يشير إلى انتهاكات الاتحاد السوفييتي للفضاء الحيوي لبلاده. وكانت طائرة تجسّس أميركية قد التقطت صورة تُبرز وجود منصّات إطلاق رؤوس نووية على الجزيرة وصلت إليها من موسكو، وأخرى بانتظار الوصول.

وبالنسبة للأميركيين، يعني حضور السلاح الروسي على مسافة لا تزيد عن 200 كيلومتر أنه من غير الممكن التصدّي لأي هجوم سوفييتي يتخذ من كوبا منصّته، حيث لا تستطيع المنظومة الدفاعية إيقاف الصواريخ إلا بعد أن تكون قد دمّرت جزءاً غير هيّن من المواقع الحيوية. وقد برّر ذلك للأميركيين التحرّكَ بفرض حصار بحريّ كامل على الجزيرة.

ما أشبه أوكرانيا بكوبا. صحيح أنه لم تظهر صورٌ تبّين وجود صواريخ أميركية، لكن موسكو تعلم أن انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) يعني أن هذا السيناريو سيكون ممكن التنفيذ، ووقتها، ستكون روسيا في نفس موقع الولايات المتحدة الأميركية عام 1962، ومن هنا قرّر بوتين وجنرلاته أن تكون حربهم استباقية بمنع دخول أرض أوكرانيا ضمن الحلف وإزعاجه من موقع هجومي.

يُذكر أن واشنطن، في 1962، لم تكتف بحصار كوبا، بل حرّكت قواعد صواريخها في تركيا، باعتبارها أقرب أرض تابعة لتحالف “الناتو” من روسيا. وكان لتلك الخطوة مفعول ردعيّ واضح، فقد انتقل مسار الأحداث من التهديد بالحرب النووية إلى مسارات دبلوماسية أفضت إلى اتفاقيات أنهت “أزمة الصواريخ”، وبات العالم يحتفظ بوقعها النفسي أكثر من أي أثر آخر.

وأفضت تلك الاتفاقيات إلى فك الحصار البحري ضدّ كوبا (بما أن حصاراً اقتصادياً كان قائماً واستمر لعقود) مقابل سحب الاتحاد السوفييتي منصّاته من أرض الجزيرة، وانتزع نيكيتا خروشوف أيضاً تعهّداً أميركياً بعدم غزو كوبا، وهو ما أتاح لنظام كاسترو أن يستمر رغم التحرّش الدائم للجار الأميركي، كما جرى الاتفاق على تطوير قنوات الحوار بين القطبين، وهو ما أعفى العالم من أزمات شبيهة.

ومرّت عقود طويلة على تلك الأزمة، عقود جعلت من الصراع الروسي-الأميركي مجرّد “حرب باردة” بعيدة عن كل احتكاك أو تهديد مباشر، حتى إذا تفكّك الاتحاد السوفييتي بداية تسعينيات القرن الماضي، قيل إن ما حدث في كوبا ذات يوم لن يتكرّر أبداً.

 

حرب عالمية ثالثة “نووية”

لكن ها هو فلاديمير بوتين يوقظ “المارد النووي” من جديد، بعد أن تباطأ تقدّم دباباته في أوكرانيا ودخول أوروبا وأميركا معاً في عملية تصعيد ضدّ نظامه بفرض عقوبات اقتصادية قاسية، لا أحد يعلم عواقبها مع شخصية مثل بوتين، الذي يشير كثيرون إلى أنه ليس ممن يُحبّذ “اختبار حلمه”، ومع كل خطاب للرئيس الروسي، بات العالم يحبس أنفاسه.

وحتى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لوّح بأن “أسلحة نووية ستستخدم، وسيحل دمار واسع إذا نشبت حرب عالمية ثالثة”.

من جهة أخرى، ها هي ألمانيا، ولأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تعود إلى المنطق العسكري. ففي خطابه يوم الأحد الماضي أمام البوندستاغ، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز عن ضرورة أن يكون لألمانيا جيش مقاتل يستطيع مواجهة الخطر الروسي الكامن، مشيراً إلى كون اجتياح أوكرانيا “ليس إلا مقدّمة لابتلاع أوروبا”.

 

شبح الحرب العالمية يعود للذاكرة

وخطاب كهذا لا يمكن إلا أن يعيد للذاكرة صراعات الحرب العالمية الثانية. كان مسارها في الاتجاه المعاكس (من ألمانيا إلى روسيا)، وبدايتها شبيهة بما يحدث اليوم، فقد كانت شرارتها حين اجتاح النظام النازي بولندا (حليفة فرنسا وبريطانيا) في 1939 تأميناً للأقليات الناطقة بالألمانية، والأمر ليس بعيدا عن الذرائع الروسية في شرق أوكرانيا.

وكما لم تُفد معاهدات السلم طويلة الأمد بين أدولف هتلر وجوزيف ستالين في وقف الحرب، فإن “بروتوكول مينسك” (2014) الذي وُضع لمنع أي غزو روسي لأوكرانيا ليس سوى حبر على ورق إذا كانت المصلحة تقتضي غير ذلك.

وحين اشتعلت “أزمة الصواريخ الكوبية” في 1962، كانت ذاكرة العالم حديثة العهد بالحرب العالمية، إذ لم تمر سوى 17 عاماً على نهاية نسختها الثانية، ولذلك كان الخوف على أشدّه، ولا ننسى أن الحرب الأولى قد دارت ما بين 1914 و1918، أي على مسافة عقدين من الثانية. فحين ظهرت أزمة كوبا، بدا للبعض أن العالم لا يستطيع أن يضمن السلام الدولي أكثر من عقدين.

ويعود العالم هذه المرة إلى شبح الحروب العالمية بعد أن عاش عقوداً طويلة من الاستقرار النسبي. ولم تنته الحروب- طيلة ثمانية عقود- لكنها باتت محدودة الانتشار، أو تدور بالوكالة، غير أن حرب بوتين هذه المرّة تعيد العالم إلى اختبار السير فوق الهاوية.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى