أخبار رئيسيةأخبار وتقاريرعرب ودوليومضات

فوكوياما: الحجج الروسية قبل الحرب واهية.. بوتين قد يكون ارتكب خطأ فادحا

يقول فرانسيس فوكوياما -مؤلف كتاب “نهاية التاريخ والإنسان الأخير”- إن العالم يقف اليوم في لحظة بالغة الأهمية، لأن نجاح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الإطاحة بالديمقراطية في أوكرانيا واستبدالها بنظام تابع له سيكون سابقة مروعة لاستخدام القوة الخالصة، وسيلهم الصين إعادة دمج تايوان، كما سيعني إذلالا للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO)، ويفهم منه العالم بأسره أن الوعود الأميركية بالدعم مجرد كلمات جوفاء وأن التعاون بين الديمقراطيات مجرد سراب.

جاء ذلك في مقال ترجمته بيغي ساستر لمجلة “لوبوان” (Le Point) الفرنسية عن مجلة “كييت” الإلكترونية الأسترالية، تحدث فيه المؤرخ الأميركي الشهير عن ضرورة دعم أوكرانيا ضد ما سماه “العدوان الروسي”، قائلا إن القوات الروسية تتدفق على ضواحي العاصمة الأوكرانية كييف، في هجوم عسكري واسع النطاق، شنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهدف معلن، هو الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا واستبدالها بنظام خاضع لموسكو.

حجج واهية

وقال فوكوياما إنه يعرف أوكرانيا جيدا، لأنه أدار سلسلة من برامج التدريب على القيادة لنشطاء أوكرانيين وموظفين بالخدمة المدنية المهتمين بإصلاح بلدهم، مشيرا إلى أن هذا البلد يعاني من مستوى عالٍ من الفساد، ولكن فيه جيلا صاعدا جديدا من أشخاص مشبعين بالقيم الديمقراطية ويرغبون في الانضمام إلى أوروبا، بدلا من روسيا “المحكومة بنظام فاسد”، على حد تعبيره.

ولذلك يأخذ فوكوياما الحرب الروسية على محمل الجد -كما يقول- لأن “العديد من أصدقائي، نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين ونشطاء مكافحة الفساد، سيكونون أول أهداف النظام الموالي لموسكو إذا وصل إلى السلطة”.

كان العديد من المراقبين قبل الحرب يعتقدون أن بوتين يناور وأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تضخم التهديد، إلا أن تحرك القوات الروسية ودعاية الكرملين أديا إلى إحياء نقاش قديم في أوروبا والولايات المتحدة حول ما يمثله توسع الناتو من تهديد لروسيا، وحول مسؤولية الولايات المتحدة في الوضع الحالي، حتى إن العديد من “الواقعيين” دعوا إلى منح روسيا مجالا معينا من النفوذ على أراضي الاتحاد السوفياتي السابق، والتفاوض بشأن تحييد أوكرانيا.

كانت الحجج الروسية قبل الحرب واهية -كما يرى فوكوياما- لأن دخول أوكرانيا إلى الناتو كان مجرد كلام نظري، لأن القول بأن أوكرانيا دولة فاشية ونازية جديدة، أو بأنها تقوم بإبادة جماعية للسكان الناطقين بالروسية في دونباس، أو بأنها تستعد لعملية عسكرية واسعة ضد روسيا، “تبريرات كل واحد منها أكثر سخافة من الآخر”.

واستنتج الكاتب أن كل هذه الذرائع أفرغتها الحرب من معناها، وأصبح من الواضح أن التهديد يذهب في اتجاه واحد فقط، من روسيا إلى أوكرانيا، بل إنه قد يمتد إلى جميع البلدان المتاخمة لروسيا وربما الأبعد من ذلك.

دوافع بوتين

ليس من الصعب تحديد دوافع بوتين -كما يقول المؤرخ- لأنه وضع بإسهاب رؤيته للعالم وأهدافه الإستراتيجية؛ إذ أعلن -قبل بضع سنوات- أن تفكك الاتحاد السوفياتي كان أكبر مأساة في القرن العشرين، وأن أوكرانيا ليست أمة مستقلة، وأنها جزء أساسي من روسيا، بل إنه ظهر خلال المفاوضات الأخيرة أن الطلبات المتعلقة بالناتو لا تخص أوكرانيا فحسب، بل تشمل كل الدول التي انضمت إلى المنظمة منذ التسعينيات.

وبعبارة أخرى -وفقا لفوكوياما- يريد بوتين استعادة الاتحاد السوفياتي السابق قدر الإمكان، وتحييد أوروبا الشرقية وتقليصها إلى منطقة عازلة، والتفكيك الكامل لصرح “أوروبا الكاملة والحرة” الذي تم بناؤه بعد عام 1991.

فيقول فوكوياما “إننا نقف اليوم في لحظة بالغة الأهمية في تاريخ العالم؛ لأن أوكرانيا الديمقراطية في الواقع تهدد بوتين”، مع أنها لا تشكل خطرا على الشعب الروسي، ولكن على فكرة بوتين عن عدم التوافق الجوهري بين الديمقراطية والشعوب السلافية التي تنجذب بشكل طبيعي نحو قيادة قوية ومركزية، حسب رأيه.

وبالتالي، فإن نجاح أوكرانيا الديمقراطية ورغبتها في الانضمام إلى أوروبا يعني -بالنسبة لبوتين- إمكانية حدوث تطور مماثل في روسيا، مما يدق ناقوس خطر زواله وزوال “البوتينية”، وهذا هو السر في أنه لم ولن يكتفي أبدا بقيام أوكرانيا محايدة وغير عضو في الناتو، لأنها ما دامت ديمقراطية، فإن ذلك يقوض خطابه ويملي ضرورة القضاء عليها.

هجوم معرض للتعثر

وعلاوة على كل ما سبق، يرى فوكوياما أن بوتين قد يكون ارتكب خطأ فادحا، لما أثاره الغزو من احتجاجات حاشدة في روسيا، كما أنها أخذت على حين غرة من يروجون ويدافعون عن الخط الروسي، وقد وحدت -من ناحية أخرى- الشعب الأوكراني كما لم يوحده شيء من قبل، وجعلته يُظهر تصميما لا يُصدق في الدفاع عن نفسه.

أما على المستوى العسكري، فإن بوتين ليست لديه قوات كافية للسيطرة على بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 40 مليون نسمة، ولا حتى على مدينة مثل كييف يبلغ عدد سكانها 2.8 مليون نسمة -حسب المؤرخ- كما أن حلف الناتو استطاع التوحد في فرض عقوبات صارمة، بما في ذلك القرار الألماني بإلغاء خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2.

إضافة إلى ذلك، يرى فوكوياما أن هذا الهجوم قد يورط الجيش الروسي في حرب شوارع تسبب خسائر فادحة بين الأوكرانيين، ولكنها أيضا تعيد عددا لا يحصى من الروس إلى الوطن في أكفان، مشيرا إلى أن الروس مذهولون من أن استثماراتهم العسكرية تُستخدم أساسًا لقتل إخوتهم السلاف وتدمير دولة يشعرون بأنهم على صلة وثيقة بها.

وختم المؤرخ الأميركي مقاله بما يتصور أنه تداعيات الحرب على السياسة الداخلية الأميركية، مؤكدا أن نجاح بوتين في “عدوانه” على أوكرانيا -إذا اختارالحزب الجمهوري اتباع الرئيس السابق دونالد ترامب في إعجابه بأفعال الرئيس الروسي- سوف يقطع بشكل حاسم حبال جميع القيم الديمقراطية الأميركية الأساسية كما أن من شأن ذلك أن يعزز التحول الاستبدادي الذي انجرف إليه هذا الحزب، وسيكون بمثابة فأل سيئ للغاية بالنسبة للعالم الحر بالنظر إلى أهمية الولايات المتحدة في الحفاظ على نظام عالمي ليبرالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى