أُوقّع على “ميثاق السلام الأهلي في مسيرتنا الفلسطينية”
المحامي علي أحمد حيدر-عبلين
ممّا لا شك فيه بأن مجتمعنا العربي الفلسطيني في الداخل يواجه صعوبات وتحديات وتهديدات عديدة ومتنوعة، تشكّل أرضية خصبة ومحفزة لتقويض المجتمع من الداخل وجعله مجتمعا مشتتا ومقسما وفوضويا بلا مرجعية ولا قيم وبلا هوية ولا انتماء.
بالإضافة إلى ذلك، يعيش المجتمع الفلسطيني حالة من الاستقطابات السياسية التي لم تصل (والحمد لله) حتى الآن إلى استقطابات مجتمعية.
كما يعيش مجتمعنا، حالة من هيمنة العنف والجريمة على الحيّز العام، تهدّد الأمن والأمان والسلم الأهلي والعيش الكريم، في ظل تواطؤ الشرطة المتواصل مع عصابات الإجرام وعدم تحمل مسؤوليتها في وضع حد لحالة العنف والجريمة وانتشار السلاح.
في ظل هذا السياق، قدّم الشيخ رائد صلاح مبادرة جديدة، قيّمة ومهمة من خلال موقعه كرئيس للجنة “إفشاء السلام” التي تعمل ضمن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، قدّم وشركاؤه في الإدارة العامة للجان إفشاء السلام بميثاق السلم الأهلي في مسيرتنا الفلسطينية. وقد نشر الشيخ رائد صلاح مقالا نهاية الأسبوع، أورد فيه ديباجة وبنود هذا الميثاق.
افتتح الشيخ رائد مقالته بقوله: “تتقدّم الإدارة العامة للجان إفشاء السلام بميثاق السلم الأهلي في مسيرتنا الفلسطينية، طامعة أن يكون مرجعية تضبط مسيرة حياتنا، مسيرة خير مباركة قائمة على إفشاء السلام والصلح والتغافر والتسامح في كل أسرة وبين كل جارين وفي كل شارع وحارة وبلدة في مسيرتنا الفلسطينية، وطامعة أن يكون مرشدا لنا، يبين لنا كيف نتفق راشدين، وكيف نختلف راشدين، وطامعة أن تسعى كل لجنة إفشاء سلام محلية لإقامة احتفالية تدعو إلى هذه الاحتفالية، السلطة المحلية وكل الحمائل والقوى السياسية والقيادة الدينية في بلدتها للتوقيع على هذا الميثاق وتأكيدا من الجميع على مباركته ومساندته والانضباط بما ورد فيه”. ومن ثم أورد بنود الميثاق الشاملة والمهمة والمتزنة.
تُحرّك هذه المبادرة المياه المتقادمة والمألوفة في العمل السياسي العربي وتختار استراتيجية العمل الشعبي والميداني التي أهملتها غالبية القوى السياسية الوطنية على مدار السنوات الأخيرة. كما أنها تتواصل مع الناس وتتعاطى مع شروط حياتهم الأساسية وتحفز المجتمع على أخذ المسؤولية على نفسه من أجل تغيير واقعه وضمان مستقبله دون إعفاء السلطات الرسمية من مسؤوليتها من خلال التنسيق مع السلطات المحلية.
مبادرة إفشاء السلام تدمج بين رؤية الصورة الكاملة وفهم السياق العام من جانب، والاهتمام ومعالجة القضايا العينية والتفصيلية من جانب آخر.
تنطلق المبادرة من الهويات والاهتمامات والانتماءات المشتركة وتقويها وتعززها وتمنح شرعية للتعدد والاختلاف دون الانزلاق للخلافات والتجريح والتحريض وإذكاء نار الخصومة والفتنة. لا تكتفي المبادرة بالنهي والوعظ والتحذير بل تقترح منظومة ومرجعية أخلاقية وقيمية تتدارك النزاعات وتعمل على ايجاد حلول لها بشكل عادل ومنصف ومسؤول.
إن مبادرة إفشاء السلام و”ميثاق السلم الأهلي في مسيرتنا الفلسطينية” تسعى الى تنظيم المجتمع من الداخل، محترمة للتعددية والمشارب الدينية والطائفية والحزبية المتنوعة من أجل المحافظة على قارب النجاة لجميع أفراد المجتمع صغارا وكبارًا ورجالًا ونساءً، وضرورة حفظ علاقة التواصل والتراحم والتكاتف والاحترام المتبادل بين مكونات نسيج هذا المجتمع، بعيدا عن العصبية الحمائلية أو الاحتراب الحزبي أو الفتنة الطائفية.
يسعى الميثاق إلى حفظ النفوس والممتلكات والأعراض والعقول والرشاد ويدعو الى خطاب إعلامي بناء وهادف وإلى الكلمة الطيبة وعمل الخير.
كما يُحرّم الميثاق القتل والثأر والقتل على خلفية ما يسمى “بشرف العائلة” وترويع الناس سواءً بكلمة او بيد أو بسلاح الظلم والفتن والفساد، ويطالب بالتضييق على مساحة عيش من يعيثون في الأرض الفساد.
كما يشير الميثاق إلى كيفية حل النزاعات، وتوضيح من المسؤول عن تحمل نتائجها.
ويختتم الميثاق بالتأكيد على أن: “لسنا مجتمعا هجينا لا هوية له، بل نحن مجتمع له قيمه وثوابته المستمدة من انتمائنا المتجذر فينا منذ قرون طويلة ومن حقنا أن نحافظ عليها وكل من دعا إلى ما يصادمها فدعواه مردودة عليه. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل”.
لم تكتف اللجنة ورئيسها بنشر الميثاق، بل عقدت في الآونة الأخيرة عدة اجتماعات جماهيرية في النقب والجليل والمثلث وأقامت العديد من لجان الإصلاح وإفشاء السلام المحلية والمناطقية والقطرية ومن المخطط أن تعقد اجتماعات بالتعاون مع رجال دين وشخصيات اعتبارية في مناطق أخرى كما أكدت دور لجان الصلح القائمة.
نحن إذ نثمن هذه المبادرة القيمة وخطابها الراقي ونَفَسها الجماعي ورؤيتها المستقبلة ووعيها لضرورة التماسك المجتمعي من أجل إصلاح المجتمع من الداخل ودرء المفاسد من الخارج، نعتقد أنها بحاجة الى دعم وتعزيز وتأييد ومساهمة كل من موقعه مع ضرورة المأسسة والمبادرة والمثابرة وتذويت القيم والمضامين وترجمتها إلى واقع معيش. كما أنه من المهم إشراك الشباب والنساء وذوي التخصصات والمهن في طواقمها ونشاطاتها. كما أنه من المحبذ دراسة تجربة لجان الإصلاح وفحص إيجابياتها وسلبياتها وتعزيز ايجابياتها وتحييد والتخلي عن الجوانب السلبية مع إدراك أن المجتمعات تمرّ حالات تغير وتحول نتيجة للحداثة ومركباتها الأساسية من فردانية وعقلانية مزيفة وعدمية تائهة.
ولذلك على هذه اللجان فهم الواقع الاجتماعي بعيون أبنائها الباحثين المتداخلين مع قضايا مجتمعهم. أضف الى ذلك، هنالك نزاعات متنوعة تحتاج الى أشكال وأنساق متعددة من التداخل، ولكن من المطلوب أن تعقد اللجنة لقاءات واجتماعات مع ذوي الاهتمام والتجربة والخبرة من أجل التناصح والتشاور والتّقدّم.
بناءً على كل ما ذكر أعلاه، أرى من المسؤولية والالتزام إضافة توقيعي والالتزام بهذا الميثاق متمنيا للمبادرين التوفيق والسداد.