عشية انتخابات كفر مندا غدا الثلاثاء: نعيد نشر مقال الشيخ رائد صلاح “يا أهلنا في كفر مندا”
موطني 48
يتوجه أهالي كفر مندا، غدا الثلاثاء، إلى مراكز الاقتراع لانتخاب رئيس للسلطة المحلية في القرية، إذ يتنافس على رئاسة المجلس المحلي من جديد مؤنس عبد الحليم وعلي زيدان، وذلك بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على مسار قضائي خاضه الأخير، والذي اعترض على نتائج الانتخابات التي جرت، يوم 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، بعد خسارته لصالح مؤنس عبد الحليم، بفارق 26 صوتا فقط.
يشار إلى أن الشيخ رائد صلاح رئيس لجان افشاء السلام القطرية المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، زار ووفد مرافق قبل نحو شهر مرشحي الرئاسة في كفر مندا، السيد مؤنس عبد الحليم والسيد علي زيدان. وأشاد الشيخ رائد خلال الزيارة بتاريخ كفر مندا الغني بمعاني المحبة والتعاون، وعن نزعة الدين القوية فيها قديما وحديثا، وضرورة المحافظة على هذه المعاني الراقية في حاضر ومستقبل كفر مندا.
كما توجّه الشيخ رائد برسالة إلى الأهل في كفر مندا، من خلال مقال جرى نشره في صحيفة “المدينة” وموقع “موطني 48”.
فيما يلي، وعشية انتخابات رئاسة السلطة المحلية في البلدة، نعيد نشر مقال الشيخ رائد صلاح وكان بعنوان “يا أهلنا في كفر مندا”:
يا أهلنا في كفر-مندا، لقد عرفت بلدتكم منذ بداية الثمانينيات، فوجدت فيها البلدة الطيبة المنتشرة على سهل خير واسع من أرضنا المباركة، ومنذ أن تعرّفت عليها استوقفني فيها طيبة أهلها رجالا ونساء، وكبارا وشبابا وصغارا، واستوقفني فيها طيبة هوائها، وطيبة زرعها، وطيبة طعامها وشرابها، وطيبة بيوتها وشوارعها وأحيائها وحاراتها، وطيبة النفوس الوديعة التي عمرت صدور أبنائها. واستوقفني فيها حُسن الضيافة وكرم العطاء وصفاء فطرة الناس التي تتمسك بالإيمان الحي وطاعة الله تعالى وإعمار المساجد بعشرات صفوف المصلين في كل صلاة بداية من صلاة الفجر ووصولا إلى صلاة العشاء، ولذلك لا أبالغ إذا قلت إنني منذ عرفت بلدتكم كفر-مندا وجدت فيها مئات الشباب الذين كانوا ملتزمين بثوابت الإسلام عقيدة وعبادة في الوقت الذي كانت فيه الصحوة الإسلامية في بدايتها الأولى في سائر بلداتنا في الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية، ولمن لا يعلم فإن أول معرض للكتاب الإسلامي كان يُقام في بلدتكم كفر-مندا قبل أية بلدة أخرى، ولمن لا يعلم فإن هذه البلدة الطيبة كانت تحيي صلاة التراويح وإخراج صدقة الفطر وجمع الزكاة وتوزيعها على مستحقيها في الوقت الذي كانت فيها معظم بلداتنا في الداخل الفلسطيني تفتقر لإحياء هذه الشعائر. ولمن لا يعلم فإن هذه البلدة المباركة كانت قد سبقت غيرها وأنجبت العلماء والأولياء، ولن أنسى ذاك اليوم المهيب الذي سرنا فيه خلف جنازة الشيخ حامد، رحمه الله تعالى، فيها، حيث كان من ضمن العلماء القلائل المعدودين على أصابع اليد الواحدة حتى سنوات الثمانينيات. ثم عندما أذن الله تعالى وأكرمنا بمسيرة إعمار المقدسات بعامة، وإعمار المسجد الأقصى المبارك بخاصة، كانت بلدتكم كفر-مندا في الطليعة العاملة والباذلة والصابرة في مشوار هذا الإعمار الطويل الشاق، فجادت نساؤها بذهبها وأساورها وعقودها، وجاد رجالها بأموالهم، واصطف شبابها صفا واحدا على اختلاف أنسابهم وحمائلهم، يرفدون مشوار هذا الإعمار بآلياتهم ومهاراتهم وسواعدهم، وهكذا تركت بلدتكم كفر-مندا بصماتها الخالدة في أيام معسكرات التواصل مع مقدساتنا في عكا وحيفا ويافا واللد والرملة، وفي البلدات المهجورة منذ نكبة فلسطين، وفي سائر المواقع في المثلث والجليل والنقب، وتركت بصماتها الخالدة في كل مشاريع إعمار وإحياء المسجد الأقصى المبارك وما أكثرها، فيا لهذه البلدة من خزينة خير ومنبع عطاء وحدود كرم لا يتوقف.
يا أهلنا في كفر-مندا، ثمّ توالت الأيام واشتدت عروة التلاحم مع بلدتكم كفر-مندا وعرفت فيها المرحوم طه عبد الحليم إلى جانب الأستاذ محمد زيدان، وعرفت فيها الآلاف من أهلها مع حفظ أسمائهم ومناصبهم، وظل بيت المرحوم طه عبد الحليم بيتا لنا، نؤوي إليه في مهمات إصلاح ذات البين وإغاثة الملهوف وإسناد أسرى الحرية وحفظ منزلة الشهداء والوفاء للأرض والبيت والمقدسات، وكان المرحوم طه عبد الحليم من خيرة من عرفتهم في حياتي، فكان وفيّا لبلده، وخادما أمينا لها، وساهرا على مصالحها، وكان رجل إصلاح حريصا على إفشاء السلام في كل بيت وأسرة، وبين كل جارين، وفي الحارة الواحدة، والبلدة الواحدة، وفي مسيرة كل مجتمعنا في كل الداخل الفلسطيني، فرحمة الله عليه، ولعل أقل ما نقدم له هو رجائي من كل من سيقرأ هذه المقالة أن يقرأ له سورة الفاتحة، مع تأكيدي أن دوره الكبير سيبقى ماثلا أمام عينيّ كأني أنظر إليه عندما كنا نجتمع في خيام اعتصام اللجنة القطرية في حديقة الورود مقابل مكتب رئاسة الحكومة ومباني بعض الوزارات مطالبين بحقوقنا كسلطات محلية عربية، وحقوق جماهيرنا في الداخل الفلسطيني، وفي حينه عشنا في تلك الخيام بليلها ونهارها وصيفها وشتائها وحرها وبردها، وكنا نعتصم فيها وننام فيها ونتناول طعامنا فيها.
كما وظلّ بيت الأستاذ محمد زيدان بيتا لنا، واسعا بكرمه وضيافته وعطائه، كيف لا وقد اتسع لحمل هموم كل أهلنا في كل الداخل الفلسطيني، فكان الأستاذ محمد زيدان ناطقا رسميا باسم لجنتي المتابعة والقطرية، ثم كان رئيسا لهاتين اللجنتين، وصمد في مواجهته للكثير من التحديات والأزمات التي عصفت بهاتين اللجنتين فكان له الدور البارز في خيام الاعتصام، وفي أيام هبة القدس والأقصى، وفي الأيام التي أُبعد فيها المئات من شعبنا الفلسطيني إلى مرج الزهور، وفي الأيام الدامية التي مرّت على البوسنة والهرسك، وإلى جانب ذلك أكرمني الله تعالى وكنت شريكا له في الوفود الواسعة التي سافرت فيما مضى إلى الأردن وكرواتيا وألمانيا وجنوب إفريقيا وتركيا، وكنت شريكا له عندما تصدينا سويا لمحاولات طمس معالم مقدسات لنا في طبريا ويافا وبعض القرى المهجّرة منذ نكبة فلسطين، وكنت شريكا له في زيارات كثيرة للقدس والمسجد الأقصى المباركين، ولهيئة أوقاف المسجد الأقصى المبارك التي يقف على رأسها فضيلة الشيخ عبد العظيم سلهب، وكنت شريكا له في جولات إصلاح ذات البين في مواقع شتى بحمد الله تعالى، وها هو الأستاذ محمد زيدان لا يزال على العهد وكما عرفناه وفيّا لا يقيل ولا يستقيل منذ أن عرفناه.
يا أهلنا في كفر-مندا، لكل ما ذكرتُ سابقًا، ولأنكم مقبلون على انتخابات محلية للرئاسة، فقد رأيت من المناسب أن أزور الأخ مؤنس طه عبد الحليم والأخ علي خضر زيدان مرشحي الرئاسة في هذه الانتخابات، وخلال زيارتي لكل منهما دعوت الله تعالى أن يحفظ لنا بلدة كفر-مندا، وأن يحفظ لنا أرضها وبيوتها ومقدساتها، وأن يحفظ لنا شوارعها وحاراتها وأهلها، وأن ينزل عليها السكينة والطمأنينة في كل مسيرة حياتها، وقد وعد كلا هذين الأخوين المرشحين أن يحافظا على كفر-مندا بلدة طيبة ذات سخاء ورخاء وإخاء ينعم به كل فرد فيها، بما في ذلك يوم الانتخابات المحلية القريبة.
يا أهلنا في كفر-مندا، كونوا كما عرفناكم، وكما أحببناكم، وكما افتخرنا بكم، بيتا واحدا، وأسرة واحدة، وجسدا واحدا، لا فضل فيه لأحد على أحد إلا بالتقوى، وحفظكم الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.