التطبيع وأثره السلبي على الدول المطبعة.. المغرب كمثال
د. حسن صنع الله
عادةً ما تحظى الدول العربية المُنْضَمَّة إلى قافلة التطبيع مع المؤسسة الإسرائيلية إلى ترحيب وتشجيع الدول العربية المطبّعة، والسبب واضح وجلي، فانضمام دول جديدة الى دائرة التطبيع يقوي هذا الحلف. وقد كانت دولة المغرب “كمؤسسة رسمية” سادس دولة عربية تطبّع علاقاتها مع المؤسسة الإسرائيلية، بعد إعلان ترامب الرئيس الأمريكي السابق وتأكيد الرباط أنها ستفتح مكاتب الارتباط التي أقيمت مع المؤسسة الإسرائيلية في تسعينات القرن الماضي، وأغلقت مطلع الألفية الثانية، وأنها ستسهل الرحلات الجوية المباشرة لنقل اليهود المغاربة والسياح الإسرائيليين من وإلى المغرب، ومن ثم القيام بفتح سفارات في كلا البلدين، هذا بالإضافة الى تفاهمات تشمل المجالات الاقتصادية، التجارية والسياحية. وقد حظيت خطوة المغرب هذه بترحيب وتشجيع من ثلاث دول عربية سبقتها الى التطبيع وهي مصر، الإمارات والبحرين.
في عهد ترامب الرئيس الأمريكي السابق كان قد سبق المغرب في تطبيعه كل من الامارات، البحرين والسودان لتصبح المغرب هي الدولة الرابعة المطبّعة في عهد هذا الرئيس. وكانت مصر أول دولة عربية وقعت “اتفاق سلام” مع المؤسسة الإسرائيلية عام 1979، وتلاها الأردن بتوقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994.
ترحيب بعض الدول العربية المطبّعة بإعلان الولايات المتحدة الامريكية الاعتراف بسيادة المغرب على كامل الصحراء المغربية المتنازع عليها منذ العام 1975، كجزء لا يتجزأ من صفقة التطبيع المغربي مع المؤسسة الإسرائيلية كان له أثر كبير على توتر العلاقات المتوترة أصلًا بين المؤسستين الحاكمتين في المغرب والجزائر، كما عزز هذا التوتر حديث الجانب الأمريكي عن صفقات أسلحة متطورة مع المغرب كهدية لها على التطبيع. فالجزائر التي أعربت عن استيائها من تطبيع جارتها المغرب مع المؤسسة الإسرائيلية، رأت في هذا التطبيع استهدافًا لأمنها واستقرارها واستجلابًا للعدو الصهيوني الى حدودها.
المؤسسة الإسرائيلية التي تعرف عمق الأزمة والخلاف الكلاسيكي بين المؤسستين الحاكمتين في المغرب والجزائر، تسعى الى تأجيجها بما يخدم مصالحها، ففي صيف 2021 اشتعلت حرائق في الغابات في منطقة القبائل، واتهمت الجزائرُ على إثرها المغربَ بالوقوف وراءها. وفي آب 2021 صرح وزير الخارجية الإسرائيلي “لبيد” أثناء زيارته للرباط “أنه قلق بشأن الدور الذي تلعبه الجزائر في المنطقة، وتقارب الجزائر مع إيران والحملة التي تقودها الجزائر ضد قبول المؤسسة الإسرائيلية كعضو مراقب في الاتحاد الافريقي”. وتأزمت العلاقة لاحقًا بين الجزائر والمغرب، حيث قامت الجزائر بقطع علاقاتها مع المغرب وإصدار أمر بإغلاق فوري لمجالها الجوي أمام الطائرات المغربية، وفي 31 تشرين أول 2021 قررت الجزائر عدم تجديد خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي، وتستعد لتشغيل أنبوب بحري مباشر إلى أسبانيا.
هناك تخوف كبير أن تصل القطيعة بين المغرب والجزائر، أكبر مستوردين للسلاح في القارة الأفريقية، إلى صدام مسلح تجني ثماره الإرادة الأجنبية التي تحدثت عنها الجزائر في إشارة غير مباشرة لأمريكا وفرنسا والمؤسسة الإسرائيلية. والواضح أن التطبيع المغربي والاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء وما تلاه من أحداث بين البلدين شكل نكسة لعودة العلاقات المغربية الجزائرية التي استُأنفت عام 1988 بعد قطيعة دامت 12 عامًا. والواضح أن القطيعة بين البلدين تخدم أجندات خارجية، كونها تكبّد اقتصاد البلدين عشرات المليارات من اليورو هات سنويا، هذا ناهيك عن سباق التسلح بين الجانبين. وعلى ما يبدو فإن كلا البلدين يخضعان لحالة من الاستقطاب الإقليمي والعالمي حول القارة الأفريقية، وهذه الحالة تدفع بكلا البلدين للعودة إلى خلافاتهما الكلاسيكية ومن نقطة الصفر.
قد تكون مخاوف المؤسسة الحاكمة في الجزائر أقرب الى الواقع كونها لا تُخفي عداءها للمؤسسة الإسرائيلية، وتدعم بشكل كامل الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتخوف الجزائر من أن يصبح المغرب ساحة خلفية للمؤسسة الإسرائيلية وحلفائها لتنفيذ مخططات أمنية ضد الجزائر وشيئا مبرراً، فالجزائر يرى أن للمؤسسة الإسرائيلية وحلفائها دور في توتر العلاقات مع المغرب. ومن البديهي أن إقامة اتحاد مغاربي حقيقي وقوي يجمع بين دول المغرب العربي ليس من مصلحة المؤسسة الاسرائيلية.
ختامًا نقول إن الرهان يبقى على الشعبين الجزائري والمغربي بخلاف الطبقة السياسية الحاكمة في كلا البلدين، فالشعبان تجمعهما روابط وعلاقات أخوّة وتلاحم بدأت ضد الاستعمار الفرنسي البغيض، وكان للمغاربة دورًا تاريخيًا في دعم الثورة الجزائرية، ويُلاحظ أن هناك بعض النخب وأقطاب المجتمع الأهلي في كلا البلدين يطالبون المؤسستين الحاكمتين بالجلوس وتغليب منطق التفاهم وروابط الاخوّة التي تربط كلا الشعبين.