الذكرى السادسة لحظر الحركة الإسلامية
توفيق محمد
لم يكن حظر الحركة الإسلامية حدثا عابرا في التاريخ الفلسطيني عموما، وفي تاريخ أبناء شعبنا في الداخل على وجه الخصوص، ولم يكن الحظر لتنظيم كبير بهذا الحجم يكاد لا يضاهيه في حجمه وحجم عطائه للمجتمع تنظيم حزبي آخر، حدثا عابرًا. فهي من كان يستفيد من خدماتها على كافة المستويات قرابة نصف مليون إنسان في الداخل، وقد اختلف المحللون في أسباب الحظر الاستئصالي ودوافعه، فمنهم من راح يفسره على أنه بسبب إحجام الحركة الإسلامية عن المشاركة في انتخابات الكنيست، ويستشهد أصحاب هذا الرأي بالمساومات الكثيرة التي عُرضت على رئيسها الشيخ رائد صلاح، والتي كان آخرها يوم اقتيد الشيخ رائد صلاح للتحقيق في معتقل سالم في منتصف كانون ثان من العام 2017، حيث عرض المحققون عليه رفع الحظر عن الحركة الإسلامية وعن مؤسسات المجتمع الأهلي العشرين، وإعادة الشرعية القانونية الإسرائيلية لها مقابل موافقة الشيخ رائد على المشاركة في انتخابات الكنيست، وكان الرفض منه طبعا، ومنهم من فسره أنه بسبب موقف الحركة الإسلامية المناصر والمدافع عن المسجد الأقصى، وعن مدينة القدس المباركة، حيث كانت لها البصمات الواضحة في كليهما، وقد اعتمد أولئك المحللون على ما عُرض على الشيخ رائد، وعلى الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا بمنع المصلين المسلمين من التكبير في ساحات المسجد الأقصى لدى اقتحام المستوطنين له لأن هذه التكبيرات تدب الرعب في صدورهم، والسبب في ذلك هو تحويل مفهوم هذه الاقتحامات من اقتحامات إلى زيارات، والتعايش المشترك في المسجد وجعلها أمرا طبيعيا عاديا مألوفا وصديقا تمهيدا لتنفيذ المخطط الاحتلالي بشأن المسجد الأقصى، ومنهم من فسّر ذلك أنه بسبب النشاط الكبير والواسع لمؤسسات المجتمع الأهلي ذات المرجعية الإسلامية التي كان يستفيد من خدماتها ثلث الداخل الفلسطيني (نصف مليون) وهي التي تصب في مفهوم المجتمع العصامي الذي نادى به الشيخ رائد صلاح، وقد استشهد أولئك بتصريح نتنياهو رئيس الحكومة آنذاك عشية الحظر يوم برره بقوله :”لن نسمح بدولة داخل الدولة”، ومنهم من برره بأنه استمرار للضربة الاستئصالية التي تعرض لها التيار الإسلامي الوسطي في كل من مصر ودول الخليج وغيرها من المواقع في أعقاب الردة عن الحرية في مصر يوم انقلب العسكر على الرئيس الشهيد محمد مرسي، وكان ذلك بمثابة انحسار دالة الحرية وانحنائها في كل الوطن العربي، وإيذان بعهد جديد من العبودية، وبناء عليه كان اجتماع العقبة في تشرين أول من العام 2015 الذي جمع مصر السيسي وإسرائيل والأردن وأمريكيا وفيه تم اتخاذ قرار حظر الحركة الإسلامية، فلا يعقل أن تُحظر في دول الخليج ومصر ويُضيق عليها في الأردن، فيما تتمتع في بلادنا بكامل الحرية، ومنهم من قال إن الحظر كان تتويجا لحملة التحريض التي استمرت مدة عشرين عاما ويزيد. وفي الواقع، فإن كل ما قيل أعلاه هي أسباب مجتمعة جعلت الحكومة الإسرائيلية تهوي بذراعها على كل القيم التي ذُكرت أعلاه لتفسح المجال للتردي القيمي أن يتسيَّدَ الموقف، فيوم أن كانت الحركة الإسلامية سيدة الموقف كانت دول عربية تتوسط لديها عبر مبعوثين لوقف التكبير في المسجد الأقصى الذي اعتبروه مرعبا للمستوطنين، أمّا اليوم فهناك من بإسم الحركة الإسلامية التي يشغل منصب نائب رئيسها (الدكتور منصور عباس) يسمي المسجد الأقصى بالمسمى الاحتلالي المزعوم (هار هبايت) ويسمي حائط البراق بالمسمى الاحتلالي المزعوم (هكوتل) ويقول: “المسلمون يصلون في المسجد الأقصى واليهود يصلون في “الكوتل” وأعتقد ان هذه تسوية مقبولة”.
وبالبناء عليه، فإن كثيرا من المصطلحات والمواقف والقيم الوطنية والإسلامية أصبحت مجرّمة في العرف الإسرائيلي “بفضل” سياسة “أنا ذاهب إلى الكنيست لخدمة أبناء شعبي في الوسط العربي” أي “بفضل” سياسة تغليب المطالب اليومية على القضايا الوطنية العامة وهي السياسة التي تسعى لإفراغ الذهن الفلسطيني في الداخل من قضاياه الوطنية والدينية العقدية لصالح قضاياه المطلبية اليومية، وما كان ذلك ليتأتى في ظل وجود حركة إسلامية قوية ومنظمة وفاعلة وخادمة لشعبها على الوجه الأفضل، ومتمسكة بثوابتها ومبادئها الدينية والوطنية، ولذلك حُظر هذا الاطار والمسمى، وفُتح الباب على مصرعيه لنفس المسمى، ولكن بما يخدم السياسات الإسرائيلية الصهيونية في القضايا التي تعتبر محل إجماع عند شعبنا الفلسطيني وعالمنا العربي وأمتنا الإسلامية، وأي إنجاز يمكن أن يكون أكبر من تغليب الرواية الصهيونية والرواية الدينية اليهودية الصهيونية التي يحملها وينادي بها غلاة المستوطنين، ومن يفعل ذلك هو من يحمل لقب نائب رئيس الحركة الإسلامية ونائب رئيس الكنيست يوم يسمي المسجد الأقصى بـ”هار هبايت” وحائط البراق بـ”حائط المبكى” (هكوتل) أية خدمة أكبر من هذه يمكن أن تُسدى وهي خطوة يبدو أنها من سلسلة خطوات لتطويع الثقافة العربية ومساعدة حكام الردة على إقناع شعوبهم بـالـ “تسوية مقبولة” في المسجد الأقصى، علما أن الأقصى بالنسبة لنا كله أقصى ببراقه وساحاته وهوائه وكل ما فيه. جاء الحظر والمنع والسجن والملاحقة، إيذانا لتسويق الرواية “المسالمة” التي تتعايش مع الرواية الصهيونية الدينية، وأخشى ما أخشاه أن التصريحات التي سمعناها عن البراق والأقصى ستكون تتويجا لنشاطات سرية في بعض العواصم العربية والإسلامية لتسويق “التسوية المقبولة” والتي ربما تكون زيارة الأردن ولقاء الملك عبد الله الثاني جزءا منها.