دونالد ترمب.. مسيح “إسرائيل” المخلص

جاء المخلص، هكذا يعتقد قادة المؤسسة الاسرائيلية وعلى رأسهم معسكر اليمين، الذين ما أن وصل الرئيس دونالد ترمب إلى رأس السلطة في البيت الأبيض الأمريكي، حتى فتحت شهية تصريحاتهم حول حقبته التي وصفوها بأنها المستقبل أو الطريق إلى الأرض الموعودة، أو وصف مجيئه بأنه يشبه “المسيح المخلص”.
مجيء ترمب لم يفتح شهية التصريحات فقط، بل خرجت المخططات من أدراجها واعتمدت قرارات تشير إلى مرحلة تصفية القضية الفلسطينية، خاصة في ظل التماهي التام بين أمريكا والمؤسسة الاسرائيلية بعد إعلان ترمب القدس عاصمة للدولة الإسرائيلية وتطمينه نتنياهو بنقل السفارة خلال العام الحالي 2018.
قرارت ترامب سبقها تصريحات لوزير الداخليّة الاسرائيلي “أرييه درعي” عدّ وقتها أن فوزه برئاسة أمريكا يشبه مجيء المسيح المخلّص، فيما عدّ نتنياهو أنّ ترمب يمثّل “عالَم الغد” أمام “عالَم الأمس” الناقد “لإسرائيل”.
ووصف المحلّل السياسيّ في صحيفة “هآرتس” يوسي فارتر، اليمين الصهيوني بعد فوز ترمب، وكأنه يرى لأول مرة “الأرضَ الموعودة”.

معسكر اليمين

وبتتبع كل مشاريع الضم التي تتكرر في تصورات وتصريحات الساسة الاسرائيليين، سيما في معسكر اليمين، فإنها وإن كانت تشمل كل مناطق (ج) التي تشكل (60%) من مساحة الضفة الغربية، فإن عنوانها الرئيسي الذي لا خلاف على توقيته هو ضرورة ضم مستوطنة معالي ادوميم للقدس، وهي المستوطنة التي تحقق مشروع القدس الكبرى وتربط القدس بأريحا.

وسبق وأن طرحت العديد من الأوساط أكثر من مرة مشروعا خاصا لضم معالي أدوميم للقدس، أو ما تعرف بمناطق (ُE1)، ولكن فوز ترمب فتح شهية حزب الليكود وقوى الحكومة الاسرائيلية للوصول إلى ما هو أشمل دفعة واحدة ودون تدرج، وهو ضم جميع أراضي (ج) للسيادة الاسرائيلية.
ولا تعدّ معالي أدوميم مستوطنة عادية، فهي مدينة مترامية الأطراف تفصل شمال ووسط الضفة عن جنوبها في سلسلة جبلية ذات مبانٍ شاهقة، والأهم أنها تفصل شرق القدس تماما عن الضفة، ما يعني عمليا انتهاء مصطلح “القدس الشرقية” على الأرض، وهي العاصمة المفترضة للدولة الفلسطينية القائمة على حدود 67.

دولة الكانتونات

ويلاحظ أن حماسة اليمين الصهيوني للحديث عن الضم، والذي يشمل حسب أطروحاتهم ضم أراض بلا سكان، يتزامن مع حديث صريح عن إنهاء الحديث عن قيام الدولة الفلسطينية، بمعنى وإن كانت قد انعدمت إمكانية قيام دولة قابلة للحياة وفق المصطلح الأمريكي بعد ضم مناطق (ج) التي تشكل 60% من مساحة الضفة ويسكنها (100) ألف فلسطيني فقط، فإنه في منطق الفكر السياسي الصهيوني الحاكم حاليا فإنه من المرفوض أيضا قيام الدولة الفلسطينية على (40%) المتبقية إلا في ظل كانتونات معزولة بإطار حكم ذاتي.
وكان وزير التعليم الاسرائيلي نفتالي بينيت قال في تصريحات له في (1-1-2017) إن انتخاب ترمب يمثّل نهاية مشروع الدولة الفلسطينيّة، وطالب حينها بضم مناطق (ج)، وأعلن أنه لن يأتي تاريخ (31-12-2017) دون تقديم مشروع قانون ضم معاليه أدوميم.

أهداف ومخططات

ويعدّ مفهوم ما يطلق عليه الاسرائيليون مصطلح ” تبييض المستوطنات” أحد أهداف مشروع الضم؛ بحيث تتحول إلى مدن اسرائيلية طبيعية من وجهة نظرهم.
وزادت المطالبة بذلك مع تنامي القوة التصويتية للمستوطنين في الضفة والذين يشكلون وفق أقل التقديرات (11%) من مجمل اليهود، ولكنهم قوة انتخابية كبيرة؛ لأنها تصب بشكل كلي لليمين الصهيوني ما يجعل تأثيرها كبيرا عليه، وهو ما يجعل الحكومة الاسرائيلية ملزمة بالإيفاء بما وعدت به ببرامجها الانتخابية لهم، وإلا وجدت نفسها أمام إجراءات عقابية في الانتخابات المقبلة لصالح ظهور مزاودين أكثر تطرفا.

هدم الأقصى والحصاد المر

وفي قراءة لكل المواقف التي ينطلق منها حكام المؤسسة الاسرائيلية هذه الأيام، فإن ما سيتلو إعلان ترمب القدس عاصمة لاسرائيل، هو قرار الضم الذي يبدو أنه يسير بخطى واضحة، ولكن في نهاية المطاف فإن الخطوة الأخيرة التي لم يعد الحديث عنها سرا أو مواربة، هو بناء “الهيكل الثالث المزعوم” مكان المسجد الأقصى.
ووفق ما تنشره منظمات بناء الهيكل والأحزاب الصهيونية التي ينتمي لها الائتلاف الحاكم الاسرائيلي؛ فإن مؤسسات ومنظمات جهزت نفسها عمليا وميدانيا لبناء “الهيكل” المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، وأنها رهن الإشارة، وبانتظار قرار سياسي رسمي بذلك.
ويشرف مخطط المدن الاسرائيلي “يورام جينزبور” على تصاميم الهيكل الثالث، حيث يقول في برنامج للقناة الإسرائيلية الأولى “إنه أعد خرائط تفصيلية لبناء “الهيكل” على كامل مساحة الأقصى الـ 144 دونمًا، بالإضافة إلى مخططات أوسع لبناء مدينة القدس المحتلة، وفي حال صادقت عليها الدوائر الحكومية الرسمية والبلدية، فإنه بإمكانه الانتهاء من بناء “الهيكل” خلال ثلاث سنوات.

من ناحيته، لم يستبعد المفكر اليهودي البارز “روجل ألفير” في مقال له بصحيفة “هآرتس” “أن تقدم إسرائيل على تدمير المسجد الأقصى من أجل السماح ببناء “الهيكل” على أنقاضه”.
وأضاف “إن بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى يمثل الإجماع الإسرائيلي بشأن الموقف من مستقبل المسجد الأقصى”.
ويأتي كل ما سبق نتيجة طبيعية لنهاية اتفاق أوسلو الذي عرفه المؤرخون وحتى الساسة الاسرائيليون أنفسهم بأنه “أكبر فكرة عبقرية ابتدعها استعمار عبر التاريخ”، حيث أسكنت العالم بوهم السلام حتى تمكن المشروع الاستيطاني في القدس والضفة الغربية وفق إقرار فلسطيني بتقسيم أرضي الضفة إلى (أ و ب و ج)، ليكون التساؤل: ماذا عن الموقف العربي الذي يسارع للتطبيع مع الاحتلال؟ وماذا عن الموقف الفلسطيني الذي يعرف منذ إقامة جدار الفصل العنصري عام 2003 أن هذه هي النهاية وسكت عنها بحثا عن امتيازات اقتصادية ووعود كان يعرف أكثر من غيره أنها زائفة.