الشركة التي تجسست على 14 رئيس دولة على القائمة السوداء.. ما رسائل إدارة بايدن لإسرائيل؟
شكّل إدراج وزارة التجارة الأميركية لشركة “إن إس أو” (NSO) الإسرائيلية التي طوّرت برنامج بيغاسوس للتجسس ضمن قائمة الشركات المحظورة باعتبارها تشكل تهديدا للأمن القومي، مفاجأة كبيرة للعديد من المراقبين.
وقالت وزارة التجارة الأميركية إن الشركة باعت برامج تجسس لحكومات أجنبية مستبدة استخدمتها في استهداف مسؤولين حكوميين وصحفيين ومعارضين وغيرهم.
من جهتها، أعربت مجموعة “إن إس أو” الإسرائيلية عن استيائها من القرار الأميركي، وقالت إن برامجها تدعم مصالح وسياسات الأمن القومي الأميركي عبر منع الإرهاب والجريمة، على حد تعبيرها.
واعتبر بعض المراقبين أن هذا التصنيف هو جزء من جهود الرئيس جو بايدن “لوقف انتشار الأدوات الرقمية المستخدمة في القمع”.
ومن جانبها، أحجمت وزارة الدفاع الإسرائيلية، التي تمنح تراخيص التصدير لشركة “إن إس أو” عن التعليق، ويعني إدراج الشركة الإسرائيلية على القائمة السوداء لوزارة التجارة الأميركية فرض قيود على بيع منتجات لها من نظيراتها في الولايات المتحدة.
وشمل قرار السلطات الأميركية شركة إسرائيلية أخرى اسمها “كانديرو”، إضافة لشركتي “بوزيتيف تكنولوجيز” الروسية، و”استشارات مبادرة أمن الكمبيوتر” في سنغافورة، وقالت واشنطن إن هذه الشركات تاجرت بالأدوات الإلكترونية المُستخدمة في الدخول غير المصرح به لشبكات الحاسوب.
قبل ساعة واحدة فقط
وطبقا لموقع أكسيوس الأميركي، فقد أبلغت إدارة بايدن الحكومة الإسرائيلية قبل ساعة واحدة فقط من إعلان قرارها، وتعد هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها الحكومة الأميركية شركات الإنترنت الإسرائيلية، التي تحصل على تراخيص تصديرها من وزارة الدفاع الإسرائيلية.
وسيحد هذا التصنيف من أنشطة هذه الشركات في الولايات المتحدة، على الرغم من أن وزارة الخارجية الأميركية أوضحت أن إدارة بايدن لن تتخذ أي إجراء ضد إسرائيل أو روسيا أو سنغافورة، بناء على تصرفات الشركات التي وصفت بـ”الفردية”.
وبحسب مراقبين فإن الأمر في ظاهره يعد “خطوة مفاجئة” من قِبل الحكومة الأميركية، فالولايات المتحدة وإسرائيل حليفتان وثيقتان، خاصة أن هناك تعاونا بين خبراء الإنترنت التابعين لكل منهما، وعلى سبيل المثال، لكبح جماح البرنامج النووي الإيراني.
ولكن برامج التجسس من الدرجة العسكرية من بيغاسوس والتي طوّرتها وباعتها مجموعة “إن إس أو” الإسرائيلية برزت كسلاح إلكتروني هائل، يستخدمه بعض عملائها الأكثر استبدادية في الشرق الأوسط لاستهداف مجموعة واسعة من الناس، وليس فقط المجرمين والإرهابيين.
أعضاء بإدارة بايدن عملوا لصالح شركة “إن إس أو”
وقد جندت مجموعة “إن إس أو” لسنوات مستشارين أقوياء لإنقاذ سمعتها داخل دهاليز السياسة الأميركية في واشنطن.
ومن بين من انتظم في تقديم استشارات للشركة على مدار سنوات دان شابيرو، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، والذي انضم حديثا لوزارة الخارجية كعضو في فريق التفاوض الأميركي مع إيران حول برنامجها النووي.
وأظهر تحقيق أجرته صحيفة “واشنطن بوست” بالتعاون مع 16 وسيلة إخبارية حول العالم، أن برامج من الشركة الإسرائيلية تجسست على مئات الصحفيين والناشطين والمديرين التنفيذيين والمسؤولين الحكوميين حول العالم.
ويمكن لمنتَج الشركة المسمى بيغاسوس أن يخترق الهواتف المشفرة دون أي أثر، ومن النتائج الموثقة التي قدمت أدلة بالفعل على اختراق برامج التجسس المستخدمة لاختراق هواتف شخصين مقربين من الصحفي الراحل جمال خاشقجي.
وبعدما بدأت شركة “إن إس أو” التعامل مع عدد من الحكومات المستبدة حول العالم، وساءت سمعتها إثر كشف تقنيتها الخاصة باختراق هواتف المعارضين السياسيين، سعت الشركة الإسرائيلية إلى الحصول على مساعدة شركة (West Exec Advisors)، وهي شركة استشارية أسسها وزير الخارجية الحالي توني بلينكن، ويعمل بها خبراء بارزون في مجال الأمن القومي من إدارة أوباما السابقة، وانضم الكثير منهم للعمل ضمن إدارة الرئيس جو بايدن.
ما علاقة وزير الخارجية بلينكن؟
ويرى بعض المعلقين أن علاقة شركة (West Exec) و”إن إس أو” ضمنت للأخيرة قدرة كبيرة للرد على الاتهامات بإساءة استخدام برامج التجسس الخاصة بها، وأسهم تأثير جماعة وزير الخارجية أنتوني بلينكن وكبار مساعديه ممن عملوا بشركة (West Exec) في عدم توسيع نطاق العقوبات الأميركية عليها لمعاقبتها على ما أسهمت به في دعم نظم مستبدة بأنشطتها الخبيثة ضد معارضيها.
وكان دان شابيرو، وهو مستشار بشركة (West Exec) التي أسسها وزير الخارجية أنتوني بلينكن، قد عمل في مقر شركة “إن إس أو” في إسرائيل.
وبدأ شابيرو تقديم المشورة بشكل مستقل إلى “إن إس أو” في منتصف عام 2017، قبل أشهر من تأسيس (West Exec)، وقدم المشورة لشركة “إن إس أو” حول كيفية منع إساءة استخدام تقنيتها ونصح الشركة بالتوقف عن بيع أدوات القرصنة لدول في الشرق الأوسط، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.
ولم يقتصر تعاون المسؤولين الأميركيين على السفير شابيرو، إذ كان العديد من الشخصيات البارزة بواشنطن على استعداد للقيام بأعمال مربحة لمجموعة “إن إس أو”، ولم يضر ذلك بالضرورة بحياتهم المهنية.
فقد قدمت شركة بيكون غلوبال للاستشارات الإستراتيجية التي أسسها مستشار هيلاري كلينتون أندرو شابيرو، والمسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية والبنتاغون جيريمي باش، ومساعد رئيس مجلس النواب السابق مايكل ألن -المشورة بهدوء إلى “إن إس أو” حتى منتصف عام 2019.
التجسس على 14 رئيس دولة
ولم يقم الخبراء الذين يقدمون الاستشارات لشركة “إن إس أو” بالمساعدة في تحسين سجلها الأخلاقي، بل إن هؤلاء المسؤولين قد منحوا الشركة غطاء من المصداقية في وقت اخترقت برامج الشركة الخبيثة هواتف أكثر من 180 صحفيا و14 من قادة العالم.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشارت المديرة التنفيذية لـ”منظمة الديمقراطية للعالم العربي الآن”، سارة لي واتسون، إلى أن “خطوة إدارة بايدن بإدراج كل من مجموعة “إن إس أو” و”كاديرو” على القائمة السوداء هي توبيخ ليس فقط لشركتين إسرائيليتين لبرامج التجسس ولكن للحكومة الإسرائيلية أيضا، حيث تعتبر الحكومة الإسرائيلية متواطئة في عملياتهما الخبيثة”.
ويرى البعض أن هذه الخطورة شديدة الأهمية لما تبرزه من مخاطر الشركات الإسرائيلية التي يحركها دافع الربح فقط، في حين يراها البعض غير مؤثرة بسب عمق ومتانة علاقات إسرائيل بالولايات المتحدة.
وأكدت واتسون في حديثها للجزيرة نت أنها “خطوة نادرة ومهمة بالنسبة للولايات المتحدة لفرض عقوبات على شركات الحكومات المتحالفة، وخاصة إسرائيل، ومؤشر مهم على أن إدارة بايدن سئمت من سوء سلوك الحكومة الإسرائيلية. وفي حين أن هذا النوع من التعتيم لا يمنع الكيانات الأميركية من تصدير أي شيء إلى هذه الشركات الإسرائيلية، فإنه سيجعلها غير مرغوبة للاستثمار الأجنبي والتجارة، على نطاق أوسع بكثير، ككيانات برزت بشكل واضح كجهات فاعلة سيئة من قبل الحكومة الأميركية”.
وناشدت واتسون بايدن بأن يتحرك “لحماية الأميركيين الذين لا يزالون مستهدفين للتجسس من قبل الشركات الإسرائيلية العاملة بضوء أخضر من الحكومة الإسرائيلية. لقد كان الإسرائيليون وقحين بشكل صادم، ولم يلاحقوا النشطاء العزل في مختلف أنحاء العالم فحسب، بل وحتى المسؤولين الحكوميين في الولايات المتحدة”.
المصدر: الجزيرة