قراءة في أحداث بيروت الاخيرة
د. حسن صنع الله
تعرضت المظاهرات التي نظمتها حركة أمل وجماعة حزب الله في الرابع عشر من تشرين أول (2021)، في ساحة “الطيونة” احتجاجًا على حكم يقضي برفض شكوى لرد القاضي طارق بيطار، المكلف بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت العام الماضي، إلى إطلاق نار من قنّاصة على أسطح بنايات تطورت إلى اشتباكات عنيفة، بين أنصار الحزب وحركة أمل من جهة وبين جهات محسوبة على الكتائب المارونية اللبنانية من جهة اخرى. حركة أمل وحزب الله الشيعيتان اتهمتا حزب “القوات اللبنانية” بإطلاق النار، لكن الكتائب ذات الجذور المارونية، نفت ضلوعها.
ناقش الإعلام العربي والعالمي تداعيات الاشتباكات الأخيرة التي وقعت في بيروت وأودت بحياة سبعة أشخاص على الأقل وإصابة العشرات، وعبّر معلقون عن تخوفهم من جنوح لبنان نحو حرب أهلية بعد سنوات من الاحتقان والأزمات السياسية التي عصفت بالبلاد.
من الواضح أن تزامن الأحداث غير بريء، فالتوقعات تشير بأن البيطار يتجه إلى اتهام حزب الله بجريمة تفجير المرفأ، مما دفع الحزب وحليفته حركة أمل، إلى التهديد بتقويض حكومة نجيب ميقاتي، إذا لم تعمل على إقالة القاضي البيطار.
ويلمح البعض إلى أن أيادي مخابراتية إقليمية وعالمية (إسرائيلية وفرنسية) تقف وراء افتعال هذه الاحداث، والهدف من ورائها هو تصفير هامش حركة الحزب في الجنوب اللبناني وتجريده من سلاحه في نهاية المطاف. وعليه يرى هؤلاء أن الكتائب تحركت بضوء أخضر إسرائيلي فرنسي.
مما لا شك فيه أن فرنسا تسعى ولا زالت إلى السيطرة على المجال الجيوسياسي في لبنان، خدمةً لأمن المؤسسة الإسرائيلية، فهي (فرنسا) لا زالت ترى نفسها وصيةً على لبنان، وبعض الجهات اللبنانية ترى بها حليفًا مهمًا، وهي لا زالت تتدخل في شؤون وعقيدة الجيش من خلال تدريبات تخدم أجندتها.
تجرُّؤ الكتائب على إطلاق النار على مظاهرة تابعة لحزب الله وأمل يشي بأن الموضوع تقف وراءه دول إقليمية على رأسها فرنسا وإسرائيل، اللتان تريان أن الفرصة باتت مواتية لإضعاف حزب الله قبل تجريده من سلاحه، فحزب الله وسلاحه في نظر هاتين القوتين لم يعد بتلك القداسة، خصوصًا بعد تدخلاته في حربين، الأولى في العراق والثانية في سوريا، وعليه يجب استنزافه في حرب أهلية داخل لبنان، فهذه الدول تسعى إلى تفكيك المعادلة التي حافظ عليها الحزب مع حلفائه وعلى رأسهم الرئيس عون، والتي تمثلت بجمع الشعب والجيش بالمقاومة. وعليه لن يتم تفكيك هذه المعادلة نهائيًا إلا من خلال افتعال حرب أهلية تغذّيها هذه الدول.
فرنسا وإسرائيل و”دول الاعتدال العربي” التي يئست من خيار سعد الحريري الفصيل السني المهادن والضعيف والسلاح السني مقابل الشيعي، تراهن الآن على الكتائب اللبنانية للعودة بالأمور في لبنان الى ما كانت عليه منتصف سبعينات القرن الماضي، ومخابراتها تسعى لإدارة الحرب الأهلية في لبنان.
مؤامرة جر لبنان إلى أتون الحرب الأهلية مرة أخرى سيدفع ثمنه كل لبنان، فالمؤامرة على لبنان بدأت بتفجير مرفأ بيروت، ومن ثم تقدمت خطوة نحو افتعال أزمة الحكومة اللبنانية، وتلاها افتعال أزمة اقتصادية خانقة استهدفت الكل اللبناني وتُوِّجت بأزمة الطاقة، التي حاول حزب الله كسرها مع حلفائه، الأمر الذي لم يرق لفرنسا وحلفائها ليعودوا من جديد بمحاولة محبوكة لافتعال حرب أهلية طائفية تكون هي المفتاح التي تستدعيهم للتدخل تحت ذريعة حماية الموارنة في لبنان.
يبقى السؤال: فرنسا وإسرائيل اللتان كان لهما ضلع في سنوات السبعين بافتعال حرب أهلية دمرت لبنان، هل ستحاولان مجددًا تأجيج الصراع الطائفي مرة أخرى، أم أن الرئيس والفصائل والجيش مدركون لحجم المؤامرة، وعليه سيتم إخمادها في مهدها؟.
ما نراه حتى الآن تهديدات متبادلة، والخلاف الاستراتيجي بين الكتائب والحزب كبير، والقوى الإقليمية تريد سلاح كتائب مقابل سلاح الحزب، وحتى الآن الحرب الاقتصادية على لبنان تُوِّجت بإطلاق نار واشتباكات في بيروت، والكتائب يجمعها تحالف مع فرنسا وإسرائيل، وحجم التعاون الكتائبي الإسرائيلي دائما يذكّرنا بمجزرة صبرا وشاتيلا.
إن لبنان الآن على مفترق طرق خطير، فهل ينجح اللبنانيون في قطع رأس الفتنة، أم أن مهندسي الحرب الأهلية سينجحون هذه المرة في قيادة لبنان نحو الحرب الاهلية لكي يتمتع أعداء لبنان بحرية الحركة من جديد على الأراضي اللبنانية.